كانت هناك مدينة تُدعى تكريت

كانت هناك مدينة تُدعى تكريت

08 ابريل 2015
متطوع موالٍ للحكومة العراقية (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
يحبس الداخل إلى مدينة تكريت أنفاسه. مشاعر الخوف والفزع أكثر من طبيعية في هذا المكان. لا صوت يعلو فوق أزيز الطائرات الأميركية. المشهد في المدينة عبارة عن ركام هنا أو بقايا أشلاء هناك. تنتشر الكلاب والقطط والقوارض في كل مكان. وإن مر أحدهم، لن يشم إلا رائحة البارود أو الجثث المتعفنة. تتشح المدينة بالسواد، بعدما نهبها وحرقها مسلحو الحشد الشعبي.

ملأ هؤلاء المدينة بشعارات عنصرية وطائفية باللغتين العربية والفارسية، والتي عادة ما تكتب إلى جانب تلك التي كان قد كتبها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". احتاج الحاج أبوغانم (63 عاماً) بعض الوقت قبل أن يستجمع قواه للحديث عما شاهده بعد عودته إلى بيته، هو الذي نزح عن مدينته لمدة ثمانية أشهر. بدا خائفاً من المليشيات التي لا ترحم صغيراً أو كبيراً. يقول لـ"العربي الجديد": "عدت إلى تكريت بعدما أنفقت كل ما أملك. لكن كان الموت أرحم مما رأيته. نهبت المليشيات منازلنا وأحرقتها بالكامل. الشعارات الطائفية ملأت شوارع المدينة. هذه كارثة كبرى حلت على رؤوسنا. كنا نظن أن المدينة حررت فعلاً، وإذ بنا نجد أن المليشيات دمرت وأحرقت كل شيء. كيف يكون التحرير في مدينة لم تعد تصلح للعيش". فلم يكن منه إلا أن عاد إلى مخيم الخازر في أربيل، على الرغم من أنه لا يملك المال.

أيضاً، تحوّل منزل محمد التكريتي (47 عاماً) إلى ركام. فيما نهبت المليشيات كل محتويات بيوت جيرانه. يقول لـ"العربي الجديد": "نهبت المليشيات كل شيء. لم يتركوا شيئاً في المنازل والدوائر الرسمية والمحال التجارية. حتى إنها أحرقت المنازل، خصوصاً منازل الضباط السابقين في عهد النظام السابق. العبارات الطائفية الحاقدة تملأ الشوارع. هذه محرقة لم تشهدها المدينة من قبل".

يمسح التكريتي دموعه قبل أن يضيف: "كنت أتمنى الموت قبل أن أرى تكريت على هذه الحال. لم يسلم فيها بشر أو حجر. أين يمكن أن نسكن بعد اليوم؟ كأن مأساتنا لن تنتهي. ولن نفرح بالخلاص من داعش".

في السياق، أعلن محافظ صلاح الدين، رائد الجبوري، ورئيس مجلس المحافظة، أحمد الكريم، انسحابهما من المدينة، مساء الجمعة الماضي، بعد اشتباك أفراد حمايتهما مع المليشيات، محاولين منعهم من حرق المنازل، وإخراج ممتلكات أهلها من المدينة، عبر سيارات شحن استقدموها لهذا الغرض. وطالبوا الحكومة القيام بدورها، ومنع إحراق تكريت.

وفي وقت ما زالت عشرات العائلات في تكريت مفقودة، يسعى أقرباؤهم إلى العثور عليهم بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومسؤولين عراقيين.

بدوره، يؤكد العقيد أحمد عبدالله العجيلي إعدام المليشيات عدداً من المواطنين داخل المدينة، بحجة انتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، علما أنهم اضطروا إلى العودة إلى تكريت وتحمل العيش في ظل "داعش"، لأنهم عجزوا عن البقاء خارجها. يضيف لـ"العربي الجديد" أن "المليشيات أفسدت نشوة النصر على داعش".

بدوره، يقول رئيس منظمة السلام العراقية لحقوق الإنسان، محمد علي، إن "هناك نحو 26 عائلة في عداد المفقودين، ولا نعلم مصيرها. هناك شائعات تفيد بأنهم اختطفوا من قبل المليشيات بهدف مساومة داعش، في مقابل إطلاق الأخيرة مجموعة من أسراها. فيما يقول البعض إنهم قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية". يتابع أن "المليشيات كررت قصة خراب البصرة التاريخية، ومنحت داعش هدية كبيرة. ربما لن يفوض الأهالي المليشيات في مناطق أخرى لتحريرها من داعش، على الرغم من عمليات الحرق والقتل والسرقة والنهب التي يقوم بها التنظيم".

من جهته، يؤكد الشيخ عبدالجبار التكريتي، وهو أحد شيوخ عشائر تكريت، لـ"العربي الجديد" أنه التقى وفداً عشائرياً مع مراجع دينية في النجف، لحثها على إصدار فتوى تحرّم سرقة ممتلكات أهالي تكريت وحرق بيوتهم. يضيف: "وجدنا تجاوباً ورفضاً لأفعال المليشيات. وعدونا بالتدخل".

من جهته، يقول مسؤول الصحة العامة في تكريت، خميس العبيدي، لـ"العربي الجديد" إن "أهالي تكريت لن يعودوا إلى المدينة في الوقت الحالي، وخصوصاً أن مقومات الحياة غير متوفرة. لا بيوت صالحة للسكن، كما أنها باتت منطقة منكوبة من الناحيتين الصحية والبيئية. وقد دمرت شبكات الطاقة والاتصالات والمياه". ويلفت إلى أن "إعادة تأهيل المرافق الأساسية تحتاج إلى سنة كاملة"، مؤكداً في الوقت نفسه أنها لن تعود كما كانت.