هو الموت

هو الموت

29 ابريل 2015
حفظوا للأرض جميلها، أما هي فكأنها خانت ثقتهم (Getty)
+ الخط -

موت ومزيد من الموت. هو نفسه وإن اختلفت تفاصيله. يحيط بنا. ويكثر.
ونتوقّف لحظة. كلّ هذا الموت الذي يحيط بنا، يجعلنا نتنبّه لحالنا الهالكة.
هالِكون نحن، لا محالة. حقيقة لا مفرّ منها، على الرغم من هربنا الدائم من الموت وتجاهلنا له وحتى كتمه.
نحكي همساً عنه ونردّد "العياذ بالله"، في حين تكثر الجثث الهامدة من حولنا.. تلك التي لفظتها مياهُ بحار بعدما غمرتها، أو ابتلعتها أرضٌ تزلزلت، أو أحرقها بارودٌ تفجّر، أو أتلفها مرضٌ تفشّى، أو أزهقت أرواحها عبثيّةٌ تختلف أشكالها.

***

أكثر من أربعة آلاف شخص قضوا دفعة واحدة، قبل أيام. هي الطبيعة التي تنتفض وتثور، فتجرف كلّ ما تصادفه في طريقها وليس فقط ما يعترض مسيرها. مفارقة مؤلمة. فهؤلاء القوم لطالما التصقوا بأرضهم التي اعتبروها هويّتهم الأصليّة. هم قوم ما زالوا يحافظون على أصالة تندثر اليوم. هم حفظوا لتلك الأرض جميلها، أما هي فكأنها خانت ثقتهم.
كأنها النهاية. هو الموت المجحف يجتاح النيبال، فيخطف أرواحاً تستحقّ العيش على أرض حرصت عليها.
وترتفع حصيلة القتلى، فنتنبّه لحالنا الهالكة.

***

في هربنا الدائم من الموت، هذه الحالة المبرمة غير القابلة للعكس، نبتدع الكثير.
تتعدّد الدراسات التي تُنشر تحت عناوين مبهرة وتدّعي امتلاك سرّ إطالة العمر. ونرى أنفسنا وقد أسرعنا إلى الاطلاع على كلّ تلك الأساليب أو الأطعمة التي تبطئ شيخوخة خلايانا لتزيد من مأمول حياتنا. نسرع من دون أن ندرك أننا نفعل ذلك خشية من اللحظة.. لحظة انتهاء وجودنا على هذه الأرض.
هي لحظة محتّمة، لكن أوانها قد يتأخّر. هذا ما أكّده أوّل من أمس عالم الأحياء البريطاني أوبري دي غراي المتخصّص في طبّ الشيخوخة. هو أعلن أن "الإنسان الذي لا يفنى" قد يكون أبصر النور، بالفعل. بالنسبة إليه، الشيخوخة التي تؤدي إلى الموت، ما هي إلا حالة مَرضيّة يمكن علاجها. ويتابع عمله على تطوير تقنيات لمنع ذلك المرض من الظهور والحدّ من تقدّم عمر الإنسان، بالتالي تأخير وفاته. هو وعد بجعل الإنسان، مستقبلاً، يعيش ألف عام في حين يسلّم باحتمال أن يعمّر خمسة آلاف عام.
قد يكون القطار فاتنا، لكنه يؤكّد أن ثمّة مرشّحين محتملين أبصروا النور أخيراً.

***

عندما ابتدعت الحضارات القديمة مراسم دفن موتاها التي ما زلنا نتناقل بعضاً من طقوسها اليوم، كان ذلك لمصلحة الأحياء. كان من شأنها مرافقة المحيط في إنجاز حداده، بالتالي التصالح مع الموت. هو موت يحيط بنا ويكثر. فيجعلنا نتنبّه لحالنا الهالكة. لكننا نستمرّ في هربنا منه وتجاهله وحتى كتمه.

المساهمون