عمال يُسرقون

عمال يُسرقون

28 ابريل 2015
البعض يهيئ نفسه لرشوة الشرطي (فرانس برس)
+ الخط -

الحدّ الأدنى للأجور في لبنان هو 450 دولاراً أميركياً. أي أنّ العامل غير الماهر، الذي يعمل في وظيفة من 9 ساعات طوال ستة أيام أسبوعياً، ويبلغ إيجار منزله 200 دولار أميركي في أسوأ زقاق من الضاحية الجنوبية لبيروت على سبيل المثال، عليه أن يتدبر أموره بهذا الراتب.

ربما توحي عبارة "الحدّ الأدنى للأجور" أنّه مجرد خط وهمي تقفز فوقه دائماً الأجور، مع استحالة تدبير العامل لأموره الممتدة إلى فواتير كهرباء وماء وهاتف محمول وغذاء بمثل هذا المبلغ. لكنّ كثيراً من العمال يتقاضونه لا غير.

هل نسأل إذاً كيف يتدبرون معيشتهم بهذا الراتب؟ هنالك عدد من الاحتمالات المعاشة. منها أنّهم لا يتدبرون ذلك، ويبقون على الدوام في عجز يتراكم ليؤثر لاحقاً في أمنهم السكني والغذائي والصحي. ومنها أنّهم يعملون بدل الدوام الواحد دواماً ونصفاً أو دوامين. ومن المعروف أنّ الشركات اللبنانية والمصانع والمشاغل لا تمنح علاوة على تلك الساعات الإضافية. فالساعة ساعة لا ساعتان. كما يمكن أن يعمل في مكان آخر، إن في عمل حر بسيط، أو في مؤسسة أخرى بدوام مخالف. وهو ما يمنع على العامل التمتع بكثير من أبسط حقوق الإنسان. ويجعل منه آلة لا يمكن له الفكاك من قيودها، خصوصاً مع المسؤوليات المتكومة عليه عاماً بعد عام.

مثل هؤلاء العمال كثيرون. وإن لم يكونوا كذلك، فهم عاطلون من العمل، أو في بطالة مقنعة، كأن يعمل الواحد نهارين أسبوعياً في مطعم أو مقهى من دون أيّ حقوق مهنية. أو أن يعمل في ورشة بناء مثلاً، ينتهي عمله فيها ما أن تنتهي.

مثل هذا الكادح الذي يشكل نسبة كبيرة من القوة العاملة في لبنان، يمضي وقتاً إضافياً كبيراً قد يصل إلى ساعة ونصف في ذهابه إلى عمله وإيابه منه على الطرقات. ويمكن أن يكون ضحية حقيقية لغرامات قانون السير التي أعلنت عنها وزارة الداخلية مؤخراً.

الصدف كثيرة، والقانون يطبق في معظم الأحيان على الفقراء أكثر من غيرهم، فهم الاكثرية بالنهاية. وإذا كان أحدهم يقتني دراجة نارية صغيرة يبلغ سعرها كاملة 400 دولار، يمكن أن تسجل بحقه غرامة قد تعادل سعرها. وغرامة قد تعادل الحد الأدنى للأجور أو تتجاوزه أيضاً.

بعض اللبنانيين يراهن على فساد عناصر في شرطة السير ومن وراءهم. ويهيئ نفسه لرشوة الشرطي بنصف مبلغ الغرامة حين تقع عليه. فرص نجاح هذه الإستراتيجية كبيرة جداً. لكنّ عمال الحد الأدنى أولئك لا يملكون بالتأكيد نصف ثمن الغرامة أو حتى ربعها. وهم كعادتهم فريسة لدولة تحارب مواطنيها بلقمة عيشهم، إن كانوا راكبي سيارات متهرئة، أو دراجات نارية رخيصة، أو حتى إن كانوا يمشون على أقدامهم.

المساهمون