رصاص ابتهاج

رصاص ابتهاج

03 فبراير 2015
"أقول لك: معه رشاش..." (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

"أقول لك: معه رشاش. فتقول لي إنّ معك حقاً!". هذه العبارة وردت في أحد أعمال الموسيقي والمسرحي اللبناني زياد الرحباني، نهاية الثمانينيات. يومها كانت الحرب الأهلية اللبنانية ـ بشكلها الرسمي ـ تقطع أشواطها الأخيرة.

وكما جرت العادة، وتعارف اللبنانيون عليه، فالسلاح زينة الرجال. فقد باتت تلك "الزينة" من مستلزمات الرجولة في مختلف تعريفاتها. وبات البعض يجادل في أنّ أكثر من نصف بيوت اللبنانيين تقتني السلاح الحربي بشكل أو بآخر، في ظلّ عدم جدوى حملات نزع السلاح، بالإضافة إلى سهولة المتاجرة به رغم القوانين الرادعة.. على الورق.

واليوم، تتوقف الحرب الأهلية اللبنانية توقفاً خادعاً منذ عام 1992. والرصاص الذي يفترض أن يتوقف معها لم يفعل ذلك يوماً. فلبنان يعيش فترة من السلام الداخلي منذ ذلك التاريخ، بالرغم من تخللها للكثير من المعارك غير الممتدة، زمانياً أو جغرافياً. ومنها في الأعوام الأخيرة أحداث السابع من مايو/ أيار 2008، ومعارك شرق صيدا (جنوب) عام 2013، والاشتباكات المتقطعة والمتكررة بين منطقتي التبانة وجبل محسن في طرابلس (شمال)، منذ أعوام، بالإضافة إلى بعض الاشتباكات الصغيرة داخل المخيمات.

وأبعد من تلك المعارك، فالرصاص يُصرف بكميات أكبر بكثير، في احتفالات رأس السنة الميلادية. وكذلك مع كلّ خطاب لبعض الزعماء الحزبيين. فيكون الابتهاج بإطلالته ـ التي تشتاق إليها القلوب ـ دافعاً للتفاخر بتلك الرجولة وزينتها. والتفاخر ليس بوجه أعداء الوطن، بل يتوجه إلى خصوم الحزب، ويُغلّف بحقن مذهبي لا غنى عنه في التبرير للابتهاج بالرصاص. وهو ما يبرر كذلك، مبادرة البعض إلى إطلاق النار ابتهاجاً بزعيم ليس من حزبهم، بل يشترك معهم في الخط السياسي ـ المذهبي.

تكثر المعارك الكلامية بين أعضاء الأحزاب والمنتفعين منها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال البرامج الحوارية التلفزيونية. ومنذ عشرة أعوام، تقريباً، تدنى مستوى الحوار ومصطلحاته إلى حد كبير. وتظهر علاقة تدني المصطلحات عكسية مع ارتفاع مستوى استغباء المشاهدين ـ المتحزبين. فبات استخدام الشتائم الهجومية معهوداً في ظلّ الدوران المستمر حول أفكار مستهلكة لا تتمكن من إقناع المحايد بمنطقها.

أما المحايد، فهو أكبر الخاسرين دائماً في كلّ حركة سياسية في لبنان. فتلك الحركات هي للمحازبين المصطفّين خلف زعمائهم. وهي وحدها القادرة على منح "المواطن" بركات وظائف الدولة وخدماتها، وهي التي تحتّم عليه إطلاق رصاص الابتهاج فوق رؤوس الخصوم.. والمحايدين. والمنطق الدائم: "لا حقّ في مواجهة الرشاش".

المساهمون