الصعلوك والبندقية

الصعلوك والبندقية

02 فبراير 2015
يلقّم البندقية ويرفع فوهتها نحو السماء (حسين بيضون)
+ الخط -
يقف الأربعينيّ، صاحب الوشوم الكثيرة على ذراعيه، مزهوّاً ببندقيته الحربية. يعلّق "الممشط" المكدّس بالرصاص بحماسة قلّ نظيرها. ابتسامته الخبيثة تفضخه. يبدو فرحاً بالبندقية كأنها لعبة. تعيده هذه اللحظة إلى أوقات متفرقة كان فيها حاكماً للزاروب. يطارده هذا الحلم في كل حين. ينتظر كلّ مناسبة مثل هذه ولا يصدّق متى يتكرّر أوانها. ففي هذه اللحظة فقط يعيش أحلامه السينمائية. يصير البطل الذي لا يهزم. الرجل الأقوى. صاحب سلطة الرعب الوحيدة. وفي هذه البلاد تتكرّر لأسباب كثيرة فرصته كي يعيش لحظة مماثلة.

يثبّت قدميه جيداً في الأرض. الأرض نفسها، التي لو أتيح لها، للفظته بعيداً وأعادته صعلوكاً مثلما كان قبل أن يحمل البندقية منذ بضع دقائق.

بعدما علّق "الممشط"، يلقّم البندقية ويرفع فوهتها نحو السماء. سيطلّ الزعيم بعد لحظات على التلفزيون ليلقي خطاباً ولا يجوز عدم توثيق هذه اللحظة بالرصاص المتفجّر حفاوةً وتهليلاً. يضع إصبعه على الزناد وينتظر شارة الإطلاق. والتوقيت هنا يرتبط بمعتوه آخر، يشبهه ويعاني من الأمراض النفسية ذاتها، يكون أول من يبادر إلى إطلاق النار فيتبعه الباقون. عندما يحصل ذلك يضغط على الزناد وتبدأ الرصاصات العشوائية بالتطاير.

سيدبّ الهلع في قلوب تلامذة صغار عادوا تواً من المدرسة بالباص وظنّوا أن حرباً قد اندلعت بعدما شاهدوا هذا الجنون في الشارع. سترتعب أم على طفل نزل قبل قليل إلى الدكان ليشتري ربطة خبز للغداء. سينقبض قلب شاب على سيارة اشتراها قبل أسبوع ويدفع أقساطها الشهرية بدموع العين. سيشعر شرطي مارّ بالإحراج لأن البزة العسكرية التي يرتديها لا تملك صلاحية ضبط مجانين السلاح. سيشيح بوجهه عن العيون التي تبحث عنه في هذا الظرف وسيحثّ الخطى نحو وجهته كي ينجو من الغضب الذي يلاحقه. ستخبىء الناس رؤوسها وأرزاقها. ستفرغ الشوارع بسرعة. ستغرق مدينة بخوفها وسط هذا الجنون الذي يصيبها مع كل خطاب.

لكن المسلّح صاحب البندقية التي تطلق الرعب لن ينتبه لأي من ذلك. هو لا يريد أن ينتبه بأي حال. يبدو مخدّراً وجذلاً بلعبته القاتلة. لقد شعر الآن أن "قيمته" صارت أكبر، وأن حجمه قد تضخّم، وأن عضلاته انتفخت فجأة حتى كادت تنفجر، وأنه بات الآن أقوى رجل في العالم.
لكن هذا "السوبرمان" لا يعلم أن رصاصاته هذه تشبهه. وقد تكون مثله، مؤذية، وجارحة، وقاتلة. ولمَثَل السلاح الذي يجرح بيد من مثله عبرة في ذلك.

المساهمون