قبور سنجار الجماعية.. جرائم إبادة تبحث عن توثيق

قبور سنجار الجماعية.. جرائم إبادة تبحث عن توثيق

27 نوفمبر 2015
عشرات العائلات نزحت من مناطق الصراع باتجاه كردستان (GETTY)
+ الخط -


"أنا مصدوم منذ رأيت القبور الجماعية في سنجار، لا أعرف كيف ومن أين أبدأ الحديث عنها"، هكذا علّق فيصل كتي، عضو المنظمة الإيزيدية للتوثيق والناشط الحقوقي المتعاون مع منظمة العفو الدولية، عندما سأله "العربي الجديد" عن انطباعاته عن القبور الجماعية المكتشفة في سنجار وضواحيها منذ تحريرها الشهر الحالي.


وأضاف عضو المنظمة الإيزيدية للتوثيق: "ذهبت موفداً من منظمتي للاطلاع على القبور الجماعية في سنجار، وبعد مشاهدة عدد منها شعرت بالصدمة، وأحياناً كنت أشعر أني فقدت ذاكرتي، الموضوع جريمة إبادة مكتملة العناصر تبحث عمن يوثقها. القبور تملأ المنطقة، وربما استغرق التوصل إلى كامل التفاصيل بخصوص كافة القبور الجماعية وقتاً طويلاً قد يصل إلى عشر سنوات".

وانتقد "كتي" التعامل الحالي مع القبور الجماعية في سنجار، وقال إن هناك "بطء" في فتح القضية، داعياً إلى تحويل التعامل مع الملف إلى المجتمع الدولي، لأن إقليم كردستان وحتى الحكومة العراقية لا تتوفر على إمكانات من خبراء ومعدات تناسب التعامل مع هذا النوع من القضايا.

وتم إحصاء وقوع أكثر من 58 ألف من مواطني قضاء سنجار والقرى والنواحي التابعة له في قبضة مسلحي تنظيم الدولة خلال شهر أغسطس/آب 2014، أثناء سيطرتهم على المنطقة، وقد اختلف مصير أولئك المعتقلين، حيث جرى تصفية قسم كبير منهم، وخاصة الرجال وكبار السن، فيما نقل قسم آخر من الرجال وبشكل خاص الشبان لتشغيلهم في بعض الأعمال القاسية مثل حفر شبكة معقدة وطويلة من الأنفاق تحت سنجار، وبعد الانتهاء من تلك الأعمال تمت تصفيتهم.


أما بالنسبة للأطفال والصبية الصغار من الذكور فقد تم إلحاقهم بمعسكرات لإعداد المسلحين بسن مبكرة وهي تقع بمناطق عدة منها مدينة الموصل، فيما تفجرت قضية الفتيات والنساء اللواتي اعتقلهن المسلحون بعدما قرروا التعامل معهن كسبايا وجرى بيعهن في الأسواق في العراق وسورية، وتقدر أوساط مهتمة بقضيتهن عدد من تم أسرهن من النساء والفتيات الإيزيديات بنحو خمسة آلاف، وتمكن أقل من ألفي شخص من الإفلات من قبضة المسلحين، ولا يزال عدة آلاف منهم معتقلين لدى التنظيم.

ومن مجموع من اعتقلهم داعش من سكان سنجار؛ تم تحرير 2302 معتقل، منهم 313 من الرجال، و859 فتاة وامرأة، والبقية أطفال.

وتوقع فيصل كتي أن يكون القسم الأكبر من المعتقلين الـ58 ألفاً قد جرت تصفيتهم، مشيراً إلى أن الضحايا قتلوا في أكثر من مكان، وأن تكون قبورهم موزعة على سنجار ومناطق أخرى مثل تلعفر، والموصل، والزمار، وحتى في سورية.

وأعطى مثالاً على حديثه بالقول: "اتصل بي هاتفيا العام الماضي أحد الأشخاص الذين أعرفهم سراً، وأبلغني: نحن بالمئات ربما وصل عددنا إلى 700 جميعنا من الرجال من مختلف الأعمار ومسجونين في معمل الجص في مدينة تلعفر، سيقوم عناصر داعش بإعدامنا يوم غد"، مبيناً "حتى الآن لم نعرف ماذا حل بهؤلاء، على الأغلب قتلوا ودفنوا بصورة جماعية في تلعفر".

من جهته، قال المدير العام لديوان وزارة الشهداء بإقليم كردستان، برفان حمدي: "وجدنا منذ تحرير سنجار وضواحيها يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، الكثير من القبور الجماعية موزعة على أنحاء المنطقة، تم تأشير عشر منها حتى الآن، وسنقوم من خلال خبراء الوزارة بفتحها واحدة تلو الأخرى، وتم اكتشاف ثلاثة قبور جماعية في مناطق سنون، وخانة سور، وبه رديا، كما تم العثور على رفاة عدد من الضحايا الإيزيديين على الأرض؛ كان المسلحون قد قاموا بإعدامهم أثناء السيطرة على المنطقة وتركت الجثث دون دفن".


وتابع، قام فريق متخصص من وزارة الشهداء بزيارة المنطقة، والآن يجري الاستعداد ووضع آلية العمل لفتح تلك القبور الجماعية. مستدركا: "الوضع الحالي السائد في سنجار لا يساعد على البدء بفتح تلك القبور الجماعية، خاصة لوجود عدد كبير جداً من الألغام والعبوات المزروعة في مختلف أرجاء المنطقة، وكذلك بسبب وقوع بعض القبور الجماعية في المواقع المتقدمة من خطوط التماس بين قوات البشمركة ومسلحي تنظيم داعش، وهو ما يصعب من عملية فتحها".

اقرأ أيضاً: اكتشاف قبر جماعي لنحو 80 امرأة إيزيدية في سنجار

وأضاف "يجب أن تقوم الفرق الهندسية العسكرية التابعة للبشمركة بفحص القبور تحسباً من تفخيخها، رغم ذلك نستعد لفتح قسم منها".
وأضاف "وفق قانون القبور الجماعية، فالخطوة الأولى تحديد مواقعها، والثانية تأمين الحماية لها، ثم إبلاغ السكان بعدم الاقتراب منها والعبث بها، وذلك لتجنب إتلاف الأدلة والمعلومات عن المحتويات، والخطوة الأخيرة هي البدء بفتحها بقرار من القاضي وبحضور لجان مختصة من كافة الجهات ذات العلاقة، ويجري أخذ عينة من كل رفاة بهدف التعرف على هوية أصحابها".

ودعا المدير العام لديوان وزارة الشهداء، أقرباء الضحايا ومن له علاقة بالموضوع إلى "عدم القيام بفتح القبور الجماعية تلك والعبث بالأشياء التي تحويها أو توجد بقربها، ليتحملوا بعض الوقت حتى تأتي اللجنة المختصة وتقوم بذلك، يجب أن تحول تلك القبور إلى قضايا وتعرض على العالم لتأكيد حصول إبادة جماعية للضحايئ".

وأظهرت محطات تلفزيون محلية بإقليم كردستان، وبعد تحرير سنجار الشهر الحالي، عدداً من سكان تلك المناطق ممن يعيشون في مخيمات النازحين بالإقليم وهم في المناطق المحررة يقومون بفتح قبور جماعية تم الاستدلال عليها بسهولة وضمت رفاة العشرات من الضحايا.

القبر الأول كان حوض تربية الأسماك التابع للمعهد التقني بسنجار، وكان يحوي رفاة 80 شخصاً، كلها لنساء وفتيات تم التأكد من ذلك من خلال بقايا الشعر والملابس وبعض قطع الحلي.
وفي موقع ثانٍ تم اكتشاف قبر آخر كانت توجد به رفاة أربعين مدنياً، وقبر ثالث ورابع موزعة على أرجاء سنجار وضواحيها، أما أسماء المواقع التي تم اكتشاف وجود قبور جماعية فيها فهي: سولاخ، وهمدان، وزومان، وجدال.

وقال قائمقام قضاء سنجار، محما خليل، إن "العمل على تحديد موقع القبور الجماعية في سنجار قائم، وقد تم تحديد موقع خمس منها، ونتوقع أن يكون هناك ما لا يقل عن 25 قبراً جماعياً، فمتابعتنا للموضوع كشفت لنا وجود نحو 30 قبراً جماعياً لأهالي سنجار وضواحيها، وكأنها باتت بلدة للقبور الجماعية".
وأشار خليل إلى أن لجنة مختصة بالمقابر الجماعية تابعة لوزارة الشهداء في إقليم كردستان تعمل في سنجار، "إننا نرغب في أن يجري فتح هذه القبور بأسرع وقت قبل بدء هطول الأمطار والبرودة، وعندها يمكن أن تصبح عملية فتحها معقدة. نريد وكافة الأطراف توثيق جرائم داعش، حتى يتم الاعتراف بها على أنها جرائم إبادة جماعية".


اقرأ أيضاً: سنجار ما بعد "داعش": تحديات استعادة الحياة ومنع الانتقام

دلالات