عقيلة آصفي: التعليم هو طريق التغيير الوحيد في المجتمع

عقيلة آصفي: التعليم هو طريق التغيير الوحيد في المجتمع

21 نوفمبر 2015
تدريس الفتيات هو المهنة المفضلة لدي (العربي الجديد)
+ الخط -
فازت المدرّسة الأفغانية اللاجئة عقيلة آصفي التي كرّست حياتها لتعليم الفتيات الأفغانيات اللاجئات في باكستان، بجائزة نانسن للاجئ لعام 2015 التي تقدّمها المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سنوياً. وقد اختيرت آصفي (49 عاماً) لشجاعتها وتفانيها خلال 23 عاماً في مجال تعليم الفتيات في قرية كوت شندنا للاجئين في مديرية ميانوالي في إقليم البنجاب الباكستاني، في وقت تصارع فيه من أجل التغلّب على مصاعب العيش خارج وطنها. وعلى الرغم من قلّة الموارد المتوفرة والتحديات الثقافية الكبيرة، تمكنت آصفي من تعليم آلاف الفتيات اللاجئات في المرحلة الابتدائية. يُذكر أن زوجها شير محمد يساعد زوجته في كل خطوة من حياتها.

- في البداية، لماذا اخترت مجال التدريس؟
مذ كنت تلميذة في المرحلة الثانوية في مدينة قندهار (جنوب)، كنت أحلم بالعمل في حقل التدريس. وبعد تخرجي، رحت أدرّس في مدارس مختلفة في قندهار وكذلك في العاصمة كابول. كذلك أعددت دورات تعليمية للفتيات لمحو الأمية في المدينتَين، قبل اللجوء إلى باكستان في عام 1992 بعدما ضاقت بنا الأرض بسبب الحروب الطاحنة.

- وتدريس الفتيات اللاجئات في باكستان، كيف أتت الفكرة؟
كانت الفكرة في بالي لأنني مدرّسة ولأن تدريس الفتيات هو المهنة المفضلة لدي، من ثم فإن الإناث محرومات من التعليم في المجتمع الأفغاني. كنت أرغب في تحقيق شيء في هذا المجال. وكانت فكرة تدريس هؤلاء الفتيات. وقد ساعدني البعض في جعل فكرتي واقعاً، خصوصاً أفراد أسرتي.

- كيف كانت البداية؟
لما جئت إلى باكستان في عام 1992 مع زوجي وولدَيّ واستقررت في مخيم كوت جندنا، وجدت أن الفتيات في المخيم محرومات من حقوقهن تماماً، لا سيما في مجال التعليم. وكان الآباء لا يسمحون بتعليم بناتهم، كذلك لم تتوفر أي مدرسة للفتيات. تباحثت مع زوجي واتخذت قراري. في البداية، كانت دورات للنساء لمحو الأمية. رحّب زوجي بالفكرة ونقلها إلى بعض الشيوخ في المخيم. في البداية، رفض الناس خروج بناتهم من المنزل، لكنني رحت أقصد المنازل وأحث النساء على الدراسة والتعليم. واستطعنا جمع بضع تلميذات، كي ننطلق.

- ما هي المعوقات الأساسية التي واجهتها؟
بكل تأكيد، تمثلت العقبة الأساسية في عادات المجتمع الأفغاني وتقاليده التي يتمسّك بها سكان المخيم، كانت العقبة الأساسية. الآباء كانوا يرفضون تعليم بناتهم، لا بل لم يكن مصطلح المدرّسات الإناث موجوداً في الأساس، بالتالي كان من الصعب جداً أن يتقبل هؤلاء بسهولة فكرة تعليم الفتيات. لكننا رحنا نعمل بصورة متواصلة وبالتنسيق مع شيوخ المخيم، حتى تمكنّا من فتح أبواب التعليم أمام الفتيات.
إلى ذلك، واجهنا صعوبات جمّة بالنسبة إلى موقع المدرسة. بدأنا في خيمة واحدة نصبتها في منزل صهري لعشرين تلميذة في عام 1993. وبعد ثلاث سنوات، في عام 1996، أصبح لديّ سبعين تلميذة وثلاث خيم. حينها قرّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تمويل المشروع كمدرسة ابتدائية للفتيات. أيضاً، واجهت مشاكل كثيرة في توفير احتياجات المدرسة. لكن بفضل الله وبفضل العزيمة الصادقة، تغلبنا على كل تلك العقبات.

- في السنوات الثلاث الأولى، من وفّر لكم احتياجات المدرسة؟
لم يكن أحد يساعدني في ذلك الوقت، وكنت أوفّر كل حاجيات التلميذات بنفسي، مثل الأقلام والكتب والدفاتر. كذلك كنت أكتب أوراق الاختبار لجميع التلميذات بيدي، وكنت أقضي الليل كله لإنهائها ولتحضير الواجبات المنزلية لهؤلاء التلميذات. كان عملاً شاقاً، لكنني كنت أستمتع به وما زلت.

- بعدما تحوّلت الخيمة إلى مدرسة تموّلها مفوضية اللاجئين، كيف سارت الأمور؟
تحسّنت الأمور تدريجياً. في المخيم، خمسة مبان للمدارس الخاصة بالفتيات، لكنها كانت خالية من التلميذات بما أن تعليم الإناث كان أمراً غير مرغوب فيه. لكن بعد جهد سنوات طويلة وتمكّني من فتح أول مدرسة للفتيات، تشجّع الآباء على إرسال بناتهم، وراحت تستخدم تلك المباني التي كانت قد أنشئت قبل بداية عملي بنحو 14 عاماً. وسُجّلت حركة على مستوى المخيم الذي تسكنه نحو 4800 عائلة. هكذا، راحت مئات التلميذات يتوجهن نحو المدارس، وبدأ الآباء يتقبلون ذلك بسهولة بالمقارنة مع السابق.

- ما هو عدد التلميذات في المدرسة التي تديرينها أنت؟
المدرسة التي أتولى إدارتها هي متوسّطة معترف بها من قبل الحكومة الباكستانية، ومسجلة لدى مفوضية اللاجئين. فيها تتابع 1055 تلميذة تقريباً دراستهنّ. وقد تخرّج منها حتى الآن نحو 125 تلميذة، يعملن بأكثرهن في المجتمع الأفغاني.
كذلك، لدينا عدد من التلميذات الباكستانيات اللواتي يأتين من القرى المجاورة للمخيم.

- كيف تصفين شعورك عندما استلمت جائزة نانسن الأممية؟
دعني أوضح أن الهدف من عملي لم يكن في يوم من الأيام الحصول على هذه الجائزة أو غيرها، بل هو إحداث تغيير ولو بسيط بين النساء الأفغانيات، خصوصاً الفتيات وهنّ المستقبل. ولما حصلت على الجائزة شعرت بسرور فائق كمسلمة وكامرأة أفغانية بعدما تخطيت العقبات والتعقيدات كلها وحصلت على هذه الجائزة اعترافاً من المجتمع الدولي بجهودي.

- من ساعدك للوصول بعدما انطلقت كمدرّسة في مخيم للاجئين؟
طبعاً وبكل تأكيد الفضل يرجع إلى الله ومن ثم إلى أسرتي التي تحب العلم وتعرف قدره ومدى أهميته للبنين والبنات، وهي كانت الداعمة الرئيسية. أما زوجي وشريك حياتي شير محمد، فقد بذل كل ما كان يملك لكي أواصل عملي، فهو كان يتولى مهام الأسرة. كذلك، هو الذي أخذ الخطوة الرئيسية وعمل على إقناع شيوخ المخيّم كي يسمحوا لنا بفتح المدرسة، وكي يشجّع الآباء. أولادي أيضاً ساعدوني كثيراً، وتركوني أقوم بعملي كي أصل إلى هدفي المنشود.

- هل تشعرين بأي تغيير في المجتمع الأفغاني إزاء تعليم الفتيات؟
نعم، ثمة تغيير كبير في المجتمع الأفغاني. الفتيات يذهبن اليوم إلى المدرسة مثل الفتيان، والآباء لا يمانعون بينما كان المجتمع في السابق يعيب على الشخص إذا أرسل ابنته إلى مدرسة. في بلادنا مئات الآلاف من الفتيات وجدن الطريق إلى المدرسة وكل ذلك يدل على أن ثمة تغيير إيجابي كبير في المجتمع الأفغاني.

- ما هو برنامجك المستقبلي؟
طبعا أنا مدرّسة وسأتابع حتى نهاية حياتي، سواء بقيت في باكستان أو عدت إلى أفغانستان. وأنا أخطط للذهاب إلى أفغانستان بعد عام أو نحوه والعمل هناك في حقل التدريس.

جائزة نانسن
الجائزة التي فازت بها عقيلة آصفي، كانت تُعرف باسم "ميدالية نانسن"، تيمّناً بالمستكشف النرويجي فريدجوف نانسن، المفوّض السامي الأول للاجئين في عصبة الأمم والحائز على جائزة نوبل للسلام في عام 1922. أطلقت جائزة نانسن للاجئين في عام 1954، لتُمنح سنوياً إلى فرد أو منظمة في خدمة اللاجئين. هي تُعدّ أرفع وسام تقدّمه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على شكل ميدالية تذكارية وجائزة نقدية بقيمة 100 ألف دولار أميركي تقدّمها حكومتا النرويج وسويسرا.

إقرأ أيضاً: عبد الواحد يرفض العودة إلى أفغانستان