انتفاضة على العرب

انتفاضة على العرب

16 أكتوبر 2015
شبان وفتيات الانتفاضة وحدهم في مواجهة العدو(عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
في العادة، كل الأخبار الواردة من فلسطين حزينة، دمار واعتقال وقتل، لكن المبهج الوحيد في اندلاع شرارة الانتفاضة الثالثة أنها شبابية بالكلية، وأن الشباب الذين أطلقوا شرارتها لم ينحدروا في مزلق الحزبية أو التبعية، فلا شعارات ولا اختلافات، لا فتح ولا حماس، وإنما فلسطينيون، شبانا وفتيات.

عاشت فلسطين انتفاضتين سابقا ضد المحتل الإسرائيلي، تفاعل معهما العرب، حكاما ومحكومين، ولو أن تفاعل المحكومين كان يسبق مواقف الحكام دائما، والتي تنحصر عادة في الشجب والتنديد وإتاحة الفرصة للشعوب للتعبير عن غضبها بدون منع أو قمع.
بينما شرارة الانتفاضة الثالثة الوليدة لا تجد الصدى اللائق حتى الآن عربيا، فلا الحكام يشجبون أو ينددون، أو حتى يمتعضون، ولا الشعوب تخرج في أفواجها الهادرة المعتادة. يبرّر البعض الأمر بالكوارث المتلاحقة التي ضربت معظم البلدان التي كانت تنتفض سابقا، وبقهر الشباب في كثير من البلدان ما تسبّب في إحجامهم عن التظاهر بالقدر السابق.

في رأيي أن الانتفاضة الثالثة لن تتوقف عند الغضب من المحتل الصهيوني، وإنما ستمتد إلى إظهار الغضب من الخنوع العربي المتفاقم، والذي بدأ بالتجاهل، ثم انتقل إلى الاكتفاء بالشجب، وصولاً إلى انتقاد المنتفضين ودعم المحتل، سواء بإغراق حدود غزة وتهجير سكانها كما يفعل النظام المصري، أو بقمع المنتفضين كما تفعل السلطة الفلسطينية، أو بتطبيع العلاقات مع العدو، سراً أو علناً، كما تفعل دول عربية.

يظن البعض أن تحرير القدس المحتلة سيكون بداية للتحرر العربي، بينما الواقع أن التحرر العربي بات شرطاً لتحرير القدس، وطالما ظل الحكام العرب منفصلين عن تطلعات ورغبات شعوبهم، أو يعملون وفق أجندات مفروضة من الخارج الذي يحمي بقاء حكمهم، فلا أمل في التحرر.
نحو خمس سنوات مرت على اندلاع شرارة التحرر العربي، من خلال ثورات شعبية في بلدان عدة على الظلم والفساد والتبعية وتوريث الحكم، لكن تحالف الأنظمة المستبدة، مدعوما من أصحاب المصالح في الداخل والخارج، استطاع سريعاً احتواءها وإفشالها ثم تشويهها، وهو ما يجري حالياً محاولة ترويجه تجاه انتفاضة الشباب الفلسطيني، حيث بدأت تتزايد أصوات عربية تطالبهم بالهدوء، وتعتبر أن نضالهم ضد المحتل انتحار أو إرهاب.

بات شبان وفتيات الانتفاضة الفلسطينية وحدهم في مواجهة العدو، بعدما بات الدعم الشعبي العربي لهم محدوداً، لم يعد لديهم إلا سواعدهم وأحجارهم وشجاعتهم، وإيمانهم بعدالة قضيتهم وضرورة تحرر وطنهم، يبدو أنه بات لزاماً على الفلسطينيين أن ينتفضوا ضد هؤلاء العرب أيضا.

اقرأ أيضاً: متوالية التأخر العربي

المساهمون