في العراق.. تعاويذ وتمائم لتفادي الرصاص

في العراق.. تعاويذ وتمائم لتفادي الرصاص

10 يناير 2015
سعر التعويذة يصل إلى 1000 دولار حسب نوعها (Getty)
+ الخط -

وجد "المشعوذون" في العراق ضالتهم في الحرب كتجار السلاح، يبيعون "التمائم" "والتعاويذ" للمحاربين، فيقصدُ "المشعوذين" كثيرٌ من الجنود ومقاتلي الحشد الشعبي الحكومي، للحصول على ما يعتقدون أنها وقاية من الإصابة بالرصاص من تلك التعاويذ خلال المعارك الشرسة التي تدور رحاها في عدد من المحافظات العراقية.

ويتراوح سعر التعويذة، بحسب نوعها، من 500 إلى 1000 دولار، وبعضها يصل إلى أكثر من ذلك، والتي يصنعها "مشعوذون" مختصون يلقبون أنفسهم بـ"الروحانيين"، يختمونها بطلاسم سحرية خاصة.

"أبو الخرز" (50 عاماً) رجل تبدو عليه ملامح مخيفة لأول وهلة وهو يفترش أمامه مجموعة من الأحجار الكريمة والـ"خرز"، واحدتها "خرزة"، وهي حجر خاص يجلبه التجار من الصين والهند وأفريقيا. يقول "أبو الخرز"، وهو لقب عرف به بين زبائنه، لـ"العربي الجديد": "لدي أنواع مختلفة من الـ"خرز" للرزق والزواج والمنصب وقضاء الحوائج، لكن أكثر ما يقبل عليه حاليا الكثير من المقاتلين والجنود، هو النوع الذي يستخدم لتفادي الرصاص والشظايا".


البازبند والتسخير

ويضيف "أبو الخرز" الذي أصيب بطلق ناري عن طريق الخطأ في حفل زفاف كسرت كتفه، حسبما ذكر، "نشتري هذه الأحجار (الخرز) من تجار

مختصين، ونقوم بختمها بطلاسم خاصة تحولها إلى "تعويذة" تسخر لحاملها أعوانا من "الجن" يكونون برفقته طالما حملها معه في "بازبند"، وهي قطعة قماش مطلسمة تلف بها "الخرزة" على ذراع صاحبها، سعرها من 200 إلى 1000 دولار، حسب "التسخير"، أي حسب نوعها وقوة الطلاسم التي نختمها بها، ونوع الجن المسخر بالمهمة".

وتكثر في المناطق الجنوبية من العراق ظاهرة السحر والشعوذة، التي تجد لها بيئة خصبة في المناطق الفقيرة من القرى والأرياف، بل حتى في مراكز المدن العريقة. ولا يقتصر الأمر على البسطاء، فلهؤلاء "المشعوذين" زبائن من بعض الأحزاب السياسية والبرلمانيين، يستعينون بهم بشدة أيام الانتخابات.

عباس سباهي (35 عاما) من مقاتلي الحشد الشعبي، يلف على ذراعه الأيمن، كلما توجه إلى أرض المعركة، خرقة خضراء اللون، لُفت على تعويذة "خرزة"، صنعها له أحد من يسمونهم بالـ"روحانيين"، ولا ينزعها من يده إلا في المنزل، يتحدث عباس لـ"العربي الجديد" عن نجاته عدة مرات من إطلاق النار، مبينا "نجوت عدة مرات من رصاص قناص استهدفني في إحدى معارك سامراء شمال بغداد، لكني أصبت في المرة التالية برصاصة اخترقت الـ"بازبند" وكسرت ذراعي الأيمن".

عباس يبدو غاضبا جدا على من باع له التعويذة "البازبند"، التي اشتراها منه بخمسمائة دولار، لكن غضبه لم يكن لشعوره بالنصب والاحتيال، بل لسبب آخر، كما يقول، "سألقنه درسا لن ينساه، لأنه سخّر لي مع التعويذة "جنيا" ضعيفا غير قادرٍ على حمايتي".

وعن سبب شرائه للتعويذة، يقول عباس "قتل منا الآلاف خلال المعارك، فنصحني المقاتلون معي بشراء بازبند لتفادي الإصابة بالرصاص أو شظايا القذائف".

الاحتيال "المسنود"

وتخصص قنوات محلية برامج خاصة للعرّافين والمشعوذين، يعملون طلاسم سحرية على الهواء مباشرة، فيما ينتشر في كربلاء والنجف والحلة والناصرية ومحافظات أخرى العديد

منهم يقومون بمختلف أنواع السحر والشعوذة، ويرتادهم بعض كبار السياسيين، ما يفسر انعدام الرقابة عليهم.

الباحث الاجتماعي مرتضى الحسني بيّن أنَّ "الناس، بشكل عام، يعشقون معرفة كل ما هو غريب ومثير للتساؤل ومتعلق بالخرافات والأساطير، ويزيد الجهل من شغف الكثيرين بالسحر والشعوذة، ولكن المفارقة أن سياسيين لهم مراكز وشهادات يزورون العرّافين والسحرة، ويغدقون عليهم مبالغ طائلة لمعرفة طالعهم، ويشترون منهم التعاويذ والتمائم بمبالغ كبيرة، خاصة في الأزمات السياسية، وأيام الانتخابات".

ويشير الحسني إلى أن "علماء الدين يتحملون الثقل الأكبر في عدم توضيح خطورة هؤلاء المشعوذين على المجتمع، باعتبار أن المجتمع متدين بطبعه، رغم غياب الوازع الديني لدى المشعوذين وأتباعهم، ولا ننسى سلطة القانون المغيبة عن هؤلاء العرّافين والدجالين؛ لأنهم مسنودون من العديد من زبائنهم السياسيين تحديدا".

وعرف السحر في العراق القديم، وجاء في مسلة حمورابي ملك بابل (1728-1686 ق. م) أنَّ عقوبة الساحر تكون "بإلقائه في الماء، فإن غرق أعطيت أمواله لمن اتهمه، وإن نجا عوقب من اتهمه، وأعطيت أمواله للساحر".

ويصنف القانون العراقي أعمال السحر والشعوذة ضمن جرائم النصب والاحتيال، التي تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات.

دلالات