أبناء البحرينيات.. بصيص أمل لنيل الجنسية

أبناء البحرينيات.. بصيص أمل لنيل الجنسية

18 سبتمبر 2014
مسيرة بحرينية نسائية (حسين البحراني/Getty)
+ الخط -
انفصلت أم سارة عن زوجها التركي قبل 17 عاماً. لم يعرف ابنها وابنتها سوى البحرين بلداً. يشاركان في احتفالات البلاد بعيدها الوطني، ويرفعان علمها. لكنّهما لا يدركان المشكلة التي يقعان فيها. فالشاب الذي يبلغ 17 عاماً، والفتاة التي دخلت عامها الـ18، لا يملكان الجنسية البحرينية، ولو أنّ الوالدة تقدمت بطلب حصولهما على الجنسية منذ انفصالها عن زوجها. فالواقع يقول إنّ البحرين لا تعطي الجنسية لأبناء المواطنات المتزوجات من أجانب.
يحمل الشابان جنسية والدهما التركية. وتكثف أم سارة اليوم جهودها المستمرة، فابنها يكاد يبلغ الثامنة عشرة، وهي سن التجنيد في الجيش التركي. طرقت المرأة الثلاثينية كلّ الأبواب. فمن وزارة الخارجية مروراً بإدارة الهجرة والجوازات، إلى المجلس الأعلى للمرأة، وصولاً إلى الديوان الملكي، وسواها من الدوائر الحكومية، تصارع للحصول على حق كفله الدستور البحريني لأبناء البحريني المتزوج من أجنبية، ولم يعطه للبحرينية المتزوجة من أجنبي. ولا يتوقف الأمر عند صدّ ومنع فحسب. فأم سارة تقول إنّ هنالك نظرة اجتماعية دونية تجاهها وتجاه ولديها. كما أنّ هنالك من يحاول ابتزازها، دائماً.
أم حسين أيضاً، تبحث عن جنسية بحرينية لولديها حسين (21 عاماً)، ولطيفة (18 عاماً). ورغم أنّ والدهما يقيم في البحرين منذ زواجهما، ووالدته بحرينية، فالأمر نفسه: لا جنسية للشابين. وتعيش أم حسين اليوم، في ظروف صعبة، مع ابنها وابنتها، داخل غرفة ضيقة في منزل والدها، وتنتظر مع المنتظرين.
يشار إلى أنّ البعض من أبناء البحرينيات المتزوجات من أجانب نالوا الجنسية، لكنّها لم تكن سوى حالات فردية، بمنحة من عاهل البلاد. أمّا الناشطون فيسعون إلى إحداث تغيير شامل، وذلك من خلال تعديل في المادة الرابعة من القانون، لتكفل للبحرينيات إعطاء جنسيتهن لأبنائهن، أسوة بالبحرينيين المتزوجين من غير بحرينية.

موافقة بشروط

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن مجلس الوزراء البحريني كان قد وافق في يناير/ كانون الثاني 2014 على منح الجنسية البحرينية لأبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي وفقاً لشروط ومعايير محددة. وقرر المجلس إحالة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الجنسية البحرينية للعام 1963، إلى السلطة التشريعية وفقاً للإجراءات الدستورية والقانونية. وجاءت الموافقة بعد مطالب حثيثة بإجراء تعديل المساواة بين البحريني والبحرينية في نقل الجنسية لأبنائهما.
وبالرغم من أنّ هذه الموافقة كانت مرهونة بشروط، غير أنّها تشكل بصيصاً لمعاناة ما يقرب من 2000 شخص، في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة. توضح رئيسة جمعية البحرين النسائية، وجيهة البحارنة، في هذا الصدد، أنّ آخر إحصائية كانت في العام 2006. وتؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ الجهود المبذولة للمساواة في منح الجنسية، لا تعوّل على كثرة عدد أبناء البحرينيات، بل على مبدأ الحق في الحصول عليها، كأمر تكفله التشريعات والمواثيق الدولية. وكانت البحارنة قد ترأست الحملة الوطنية "جنسيتي حق لي ولأبنائي"، التي بدأت نشاطها العام 2004. واستمر العمل بعدها تحت مظلة الاتحاد النسائي، وهي منظمة أهلية، تقدم مراجعات دورية إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وترفع التوصيات بهذا الشأن للجنة السيداو (اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة).
من جانبه، أعلن المجلس الأعلى للمرأة في البحرين، وهو المرجع المهتم بشؤون المرأة الذي يتبع لملك البلاد، عن رفع تحفظ البحرين عن المادة التاسعة (الفقرة ب) من اتفاقية السيداو، استناداً إلى نصوص دستورية وغيرها. لكنّ الواقع يشير إلى أنّ هذا الرفع يستوجب حصول أبناء البحرينية على الجنسية بصفة أصيلة منذ الولادة، بحسب البحارنة.

الجنسية لـ 2634 شخصاً

وفي الوقت الذي ما زالت فيه منظمات المجتمع المدني النسائية مستمرة في رفع شعاراتها ومطالبها، تقدم المجلس الأعلى للمرأة، بتوصية في شأن الاقتراح بقانون لتعديل قانون الجنسية في العام 2005. وأكد المجلس أنه، بالتعاون مع الجهات المعنية في المملكة، سعى إلى الخروج بالتصور الأخير لتعديل القانون. كما أعلن في تصاريح صحافية عن منح عاهل البلاد الجنسية لـ 2634 من أبناء البحرينيات، منذ إنشاء المجلس الأعلى للمرأة في العام 2001 حتى اليوم.
لكنّ الخبراء القانونيين يرون أنّه لا بديل من رفع التمييز عن المرأة البحرينية في الجنسية، إلا بالنص على حق أبنائها في الحصول على جنسيتها باعتباره حقاً أصيلاً. وهو ما يتفق تماماً مع أحكام الدستور البحريني والاتفاقيات الدولية، خصوصاً أنّ البحرين صادقت على هذه الاتفاقيات، وباتت جزءاً من تشريعها الوطني. ويؤكد الخبراء أنّ وجود مثل هذا النص سيعزز من المواطنة الحقوقية للمرأة البحرينية.
بدورها، قالت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس النواب البحريني، سوسن تقوي، إنّ مشروع القانون في طريقه من الحكومة إلى البرلمان. وأضافت أنّ دورة الانعقاد التشريعي انتهت قبل أن يتمكن مجلس النواب المنتهية ولايته من مناقشة مشروع القانون ونظره. وتابعت أنّ من المؤكد أنّ هذا التعديل التشريعي سيكون على رأس أجندة أولويات مجلس النواب المقبل لأهميته.
وتابعت تقوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ هذا التعديل التشريعي مطلب مجتمعي هام، ووجوده يضع حداً للمعاناة الكبيرة التي تواجه أبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي، لأنه يسدّ فراغاً تشريعياً تسبب في مشاكل أسرية وقانونية عديدة. ونوهت إلى أنّ التعديل التشريعي يأتي في ضوء تنفيذ البحرين، لتوصيات مجلس حقوق الإنسان، أثناء المراجعة الدورية الشاملة لتقرير البحرين.
أبناء البحرينيات المتزوجات من أجانب، يعتبرون أنفسهم بحرينيين أسوة بغيرهم من المواطنين. ويحاولون تأدية واجباتهم الوطنية كاملة، لكنّ القوانين شاءت عدم منحهم جنسية البلاد التي يولدون فيها، ويدرسون، ويعملون. وتفقدهم بالتالي امتيازات المواطن البحريني. واليوم هنالك بصيص أمل في إعطائهم الحق، ولو متأخراً.

المساهمون