أوّل مسجد في كوبنهاغن يلقى ترحيباً.. ورفضاً

أوّل مسجد في كوبنهاغن يلقى ترحيباً.. ورفضاً

21 يونيو 2014
افتتاح أول مسجد في الدانمارك (توماس لكفيلت/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
لم تمرّ ساعات على افتتاح أول مسجد في الدانمارك، يوم الخميس في 19 يونيو/ حزيران الجاري، حتى انفجر نقاش سياسي وإعلامي يرفض ما حدث ويتهكّم عليه. فقد سارعت قوى وأحزاب يمينيّة إلى التحذير من المسجد، واعتبره البعض تجسيداً لفكرة "عمل المسلمين للاستيلاء على الدانمارك"، وذلك بعيداً عن المنطق والأرقام التي تقول بأن عدد المسلمين، بمَن فيهم الدانماركيّون والدانماركيات، لا يتعدّى 200 ألف مواطن مسلم من أصل 5.5 ملايين مواطن.
وتعرّضت بعض الشخصيات السياسيّة للتهجّم وحتى للتهديد، كما حصل مع العضو في البرلمان عن حزب الشعب الاشتراكي، أوزليم شيكيك، بعد مشاركتها في مراسم الافتتاح. وسألت شيكيك، يوم الجمعة في 20 يونيو/ حزيران الجاري: "هل هذا ثمن يجب دفعه؟"، مشيرة إلى التهديد بالتصفية على خلفيّة مشاركتها. وبحسب ما ذكرت، فقد وصلها عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، تهديد جاء فيه: "قولي لأصدقائك المسلمين بأننا نعمل من أجل رميكم إلى الخارج. الموت لكل المسلمين".
وعلى الرغم من أن البروفسور ديتريش يونغ، من مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أودنسه، رحّب بفكرة بناء مسجد واعتبره مفيداً في قضيّة الاندماج، إلا أن البعض ما زال مصراً على اعتبار المسجد "مكاناً للتطرف". وهو ما ركّزت عليه التغطية الإعلاميّة المحليّة التي نقلت مقابلات مع مسلمين يدّعون التحدث باسم الإسلام بتصريحات قاطعة، هي في الأساس جدليّة بين المسلمين أنفسهم.
وذهاب بعض الصحف، الصادرة يوم الجمعة في 20 يونيو/ حزيران الجاري، إلى التحريض على قطر برسوم مسيئة، يعزّز، بحسب دانماركيّين تحدّث "العربي الجديد" إليهم، انتشار الأحكام المسبقة لدى فئات شعبيّة دانماركيّة ترى في المسلمين والإسلام تهديداً لهويتها. فقد نشرت صحيفة "بيرلينكغستيذنه" كاريكاتيراً بعنوان: "مبروك للدانمارك... صنع في قطر"، تضمّن رسماً لمسجد نُصبت فوقه صواريخ وأسلحة ورسالة تفيد بأن الأمر موجّه إلى المثليّين. فهو يخلط بين تصريحات بعض المسلمين في الدانمارك حول المثليّين جنسياً والتي وصفتهم بأنهم مرضى، وبين افتتاح المسجد.


من جهتها، رحّبت صحيفة "بوليتيكن" ببناء المسجد، لكنها ذهبت في افتتاحيتها إلى المطالبة "بأن لا يكون لقطر دور في المسجد. بل يجب أن يكون جزءاً من الإسلام الدانماركي" (وهو تعبير درج بعد أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد قبل سنوات).
والملاحظ أنه تمّ الخلط بين الدعم القطري لبناء المسجد وبين القضايا الإسلاميّة المحليّة. وأبدى بعض المسلمين والدانماركيّين دهشتهم من "سطحيّة" تبرير رئيسة الوزراء، هيلي تورنينغ شميت، عدم حضورها افتتاح المسجد، بحسب ما قال الناشط أبو محمد لـ"العربي الجديد". وشرح "لا أفهم كيف تقول رئيسة الوزراء بأنها لم تحضر لأن المسلمين لا يحبّذون الاختلاط! فهل هي، بعدم حضورها، ترسل إشارات إيجابيّة أم سلبيّة؟ أليس هذا الارتباك يفيد القوى اليمينيّة المعارضة حتى لوجودنا هنا؟".
وهذه الأسئلة تشبه تلك التي طرحها بعض الشباب المسلمين المولودين في الدانمارك. فقال محمود، وهو شاب فلسطيني: "التعامل الفوقي وبأحكام مسبقة مع قضيّة مسجد، يعطي انطباعاً بأن المطلوب من الشباب المسلمين الصلاة فقط في أقبية بعض المباني. وهذا أمر يدفع هؤلاء الشباب إلى الشعور بالعزلة. وحين يقرأون بعض التعليقات التي تطالب بتدمير المسجد الجديد ويشاهدون مثل هذا الكاريكاتير، يسارعون إلى السؤال: هل التطرّف الذي تجري مكافحته يكون بهذه المواقف؟".


أما الشابة لينا راسموسن فقالت، لـ"العربي الجديد: "للأسف، تسيء بعض التصريحات التي تخرج عن مسلمين في الدانمارك حول قضايا يعتبرها الدانماركيّون مهمة في الحريات، إلى كل الأفعال الإيجابيّة الصادرة عن بقيّة المسلمين. وهذه الموجة الهوجاء من العداء للمسلمين، أراها مؤقتة إذا استطاع المسلمون في الدانمارك توضيح بأن ليس كل مَن يتحدث يفعل باسم الإسلام. كذلك ينبغي التوضيح بأن مواقف اليمينيّين وارتباك السياسيّين لا تعبّر عن الدانماركيّين عموماً".


تفاؤل بتعزيز العلاقات
من جهته، قال الشيخ رضوان منصور، "أبو لؤي"، إمام مسجد في مدينة آرهوس، لـ"العربي الجديد": "ليس من السهل على اليمين تقبّل ذلك. لكن شخصيات كثيرة من بلدية كوبنهاغن عبّرت عن ارتياحها، وكذلك فعل رجال دين وقساوسة. وأظن أن الأمور السلبيّة عابرة والمسجد سيكون منارة. والقائمون على المسجد وسطيّون ومعتدلون، وكلنا أمل بأن تتعزّز العلاقة بمحيطنا الدانماركي ليكون تعايشنا فيه خيراً للجميع".
وعن الإساءات التي برزت بعد ساعات على افتتاح المسجد، قال منصور: "هذه أمور عابرة لن تترك تأثيراتها الكبيرة. وفي ما خصّ السياسيّين الذين لم يحضروا الافتتاح، الأمر عائد لهم وهم أحرار بالتعبير عن وجهات نظرهم. ولا نريد أن يُرى الأمر سوى من زاوية تعزيز العلاقات الثقافيّة وحضورنا الفاعل".
وقالت إليزابيت يايبسين، وهي ناشطة حزبيّة، لـ"العربي الجديد"، إن "بعض الدانماركيّين يريدون التركيز فقط على الأمور السلبيّة. وهؤلاء، ولعدم امتلاكهم المعرفة وبناءً على الأحكام المسبقة، يذهبون نحو العزف على وتر حزب الشعب اليميني المتطرّف. وبعض السياسيّين لدينا مقزّزون لأنهم يتملّقون اليمين. لكنني مقتنعة بأن هذه لن تكون سوى زوبعة عابرة، وكل هذه السلبيّة ستذوب مع الوقت. والمسلمون صاروا جزءاً أساسياً في مجتمعنا المتعدّد، ولا يجب إهمال ما تتركه السلبيّة على نفسيّة هؤلاء المسلمين بيننا".


أما ميرا، وهي طالبة لغة عربيّة في جامعة أرهوس، فقالت: "أعتقد أنه شيء جيد أن يكون للمسلمين مسجدهم أسوة بكل الأديان الأخرى، على الرغم من أني أعرف انقسام المسلمين في بلدنا. لكنني آمل أن يتوحّدوا ليعكسوا صورة جيّدة في الدانمارك". أضافت: "من المحبط أن تتمّ دعوة وزراء والملكة إلى الافتتاح ولا يلبي هؤلاء الدعوة، لأن ذلك يعطي انطباعاً بأنهم يتخذون موقفاً سياسياً يخلط الأمور بعضها بالبعض. ومنها ما يأتي نتيجة مواقف شخصيّة. لو فكروا جيداً لاهتموا بالأمر من أجل مصالح بلدنا ومجتمعنا الدانماركي. لكنهم للأسف يكرّرون الأخطاء ذاتها في التصوير النمطي لمواطنينا المسلمين. فما دخل قطر والخلط بينها وبين مسجد؟ وعلى كل الأحوال، هذه موجة صدمة لليمين سرعان ما ستتلاشى".
وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين في الدانمارك، باستثناء بعض الجماعات الدينيّة، لا يملكون مساجد حقيقيّة بل أقبية منازل وعمارات تعتبر في القانون "أندية" لكنها تستخدم كمصليات يمنعها القانون ويتحاشى عادة مواجهتها. ويأمل هؤلاء أن يكون هذا المسجد بداية علاقات واضحة بين المسلمين ومجتمعهم الدانماركي الذي يحمل معظمهم جنسيّته.