هروب الخادمات في قطر من زاويتين

هروب الخادمات في قطر من زاويتين

05 مارس 2014
قطر والعمالة الأسيوية
+ الخط -
"خادمتي هربت"، عبارة متداولة ما أسهل أن تسمعها في العاصمة القطرية الدوحة، فهي منتشرة وبكثرة في أوساط العائلات، سواء القطرية أو المقيمة في قطر، والتي تضطر لاستقدام عاملات إلى المنازل بسبب خروج الرجل والمرأة إلى العمل معاً في وقت واحد، عادة.

ولا تأخذك الدهشة إذا علمت أن العديد من الأسر القطرية لديها في المنزل أكثر من خادمة واحدة نظراً لارتفاع مستوى دخل الفرد في قطر الذي يعدّ من أعلى الدخول في العالم، ومهام تلك الخادمات القيام بالتنظيف والطبخ ومتابعة الأبناء الصغار وغيرها من المشاغل المنزلية.

قطريون يطالبون الحكومة بقوانين صارمة لمنع هروب الآسيويات

ومثلما يحدث في قطر، فإن أزمة الخادمات قائمة في كل دول الخليج بتفاصيلها نفسها تقريباً، لكن تقارير أوروبية اتهمت قطر، تحديداً، بامتهان كرامة الخادمات وتعريضهن لظروف عمل غير آدمية.

وكشفت السلطات القطرية، لأول مرة في شهر نوفمبر/ تشرين الأول من العام الماضي، عن إلقاء القبض على خمس عصابات في البلاد تقوم بتهريب عاملات المنازل وتشغيلهن.

وبيّن العميد ناصر محمد السيد، مدير إدارة البحث والمتابعة في قطر، أن الجهات المعنية تمكنت من إلقاء القبض على تلك العصابات التي يديرها أشخاص قاموا بإيواء خادمات والتستر عليهن بغرض إعادة تشغيلهن.

هاجس هروب الخادمة يسيطر على عقول العائلات في قطر لأسباب عديدة، قد يكون من بينها تعرّض بعض العاملات المنزليات للإرهاق والتعب بسبب كثرة العمل والمسؤوليات أو تعرضهن للظلم والاعتداء أو عدم دفع رواتبهن الشهرية من قبل الكفيل، وهناك حالات سجلت بالفعل لدى أجهزة الشرطة في قطر حيث تجري متابعتها قضائياً بين الجهات الرسمية وسفارات الدول المعتمدة في الدوحة. لكن هذه الحالات تبقى قليلة، حيث تقوم السلطات القطرية بإجبار الكفيل على دفع كل مستحقات العاملات.

ومثّلت ظاهرة هروب عاملات المنازل، اللاتي يحملن الجنسية الفيلبينية، أزمة كبيرة في أوساط العائلات العام الماضي، بدأت بإعلان السفارة الفيلبينية في قطر أنها لن توقّع على أية عقود لعاملات المنازل الفيلبينيات إذا كان الأجر الشهري المقرر لهن في عقد العمل يقل عن 1500 ريال قطري، ما دفع البعض منهن إلى الهرب ليتم تسفيرهن إلى بلادهن والعودة براتب جديد بعد أن كان معدل رواتبهن لا يتجاوز 800 ريال قطري.

المغالاة في الأجور

وعادة ما تهرب الخادمة خلال الأشهر الأولى لعملها في بيت كفيلها الذي يدفع نحو 14 ألف ريال لمكتب استقدام العمالة لقاء استقدامها، ما دفع العديد من العائلات في قطر إلى طلب رفع سقف فترة الاختبار لعاملات المنازل من 3 أشهر إلى 6 أشهر على الأقل مع الاحتفاظ بحق إعادتها إلى المكتب واستبدالها وتشديد العقوبات القانونية على كل من تسوّل له نفسه تشغيل عامل أو خادمة هاربة من كفيلها الأصلي.

وتقول يزل أوركوينا، موظفة في أحد مكاتب جلب العمالة، إنه بعد وقف استقدام عاملات المنازل الفيلبينيات، أصبح الخيار الأول للمواطن والمقيم في قطر هو استقدام عاملات المنازل من إندونيسيا، رغم القيود التي تفرضها السفارة الإندونيسية، حيث لا تسمح باستقدام أعداد كبيرة بسبب المشاكل التي تثار بين الحين والآخر بين الكفيل والخادمة، ومن ثم أصبحت السفارة غير مكترثة باستقدام عدد خادمات يتناسب واحتياجات السوق، ما ساهم في ارتفاع أسعار الاستقدام والمطالبة بزيادة الرواتب، ليس فقط بالنسبة للخادمات الإندونيسيات ولكن أيضاً للسريلانكيات، حيث باتت مكاتب الاستقدام في سريلانكا تسعى لاستغلال الأزمة الحالية وتطالب بمزيد من العمولة. وأضافت أن المشاكل التي تقع بين عاملات المنازل الإندونيسيات وكفلائهن، دفع السفارة لاتخاذ بعض الإجراءات للحد من تلك المشاكل مثل تحديد عشر موافقات لكل مكتب.

قانون رادع

من جهته، دعا أحمد الشيب، عضو المجلس البلدي المركزي في قطر، إلى إصدار قانون رادع للقضاء على مشكلة هروب عاملات المنازل التي قال إنها أصبحت تسيطر على أحاديثنا في مجالسنا وبيوتنا وفي كل مكان نذهب إليه، مستهجناً دفع المواطن ما بين تسعة إلى عشرة آلاف ريال لأحد المكاتب لاستقدام خادمة أو خادم أو سائق ثم يقوم بإجراءات الكشف الطبي والإقامة، وبعد شهر تهرب، وبعد سنة أو سنتين، يفاجأ بإدارة الإبعاد يتصلون به ويطلبون منه تحمل نفقات تسفير الخادمة وتذاكر طيرانها، إضافة إلى عشرة آلاف ريال.

ويضيف الشيب: مع الأسف هروب العمالة أفرز مظاهر سلبية في مجتمعنا، وهذا نلمسه من خلال محاضر الشرطة وكم الجرائم التي ترتكب من سرقة وشعوذة ونصب وأعمال منافية للأخلاق والتسوّل، ونحن بطبعنا مجتمع محافظ يرفض مثل هذه الأمور، وبالتالي علينا جميعاً التكاتف لمكافحة الظاهرة.

بدوره، دعا حمد صالح الحول، عضو المجلس البلدي المركزي في قطر، إلى تشديد القوانين لمواجهة ظاهرة هروب العمالة، مشيراً إلى أن 85 بالمئة من الأسر القطرية تعاني مشكلة هروب العمالة، ولو أن هناك شروطاً وضوابط قاسية ورادعة، كما حدث في قانون المرور الذي أعاد الانضباط للشارع، لما حدثت ظاهرة هروب العمالة.

 قانون الخدمة

وتسعى الحكومة القطرية إلى إصدار قانون خاص منظّم لعمل "عاملات المنازل"، حيث فرغت اللجنة المشكلة من قبل الأمانة العامة لمجلس الوزراء القطري، من إعداد ومراجعة المسوّدة النهائية لقانون الخدم وعمال المنازل ومَن في حكمهم، ووضعت المسودة النهائية للقانون، حيث سيتم إرساله إلى الوزارات والجهات ذات العلاقة لمراجعتها وإبداء آرائها وملاحظاتها عليها، خاصة وزارة العمل ووزارة الداخلية واللجنة الوطنية لحقوق الإنسان والأمانة العامة للتخطيط التنموي.

وتضم ملامح مشروع قانون الخدمة العديد من المواد التي نظّمت كل ما يتعلق بحقوق وواجبات الخادم بما فيها عملية الاستقدام والتعاقد وصرف مستحقات العمالة المنزلية والعطلات وعدد ساعات العمل. كما يحدد مشروع القانون إجراءات استقدام الخدم وعمال المنازل من خلال مكاتب استقدام العمالة المرخص لها في الدولة.

كما يتضمن مشروع القانون آلية لتنظيم علاقة العمل بين الكفلاء وهذه الشريحة العمالية الكبيرة، من خلال عقود عمل سيجري توثيقها حفاظاً على حقوق الطرفين عند نشوب أي نزاع بينهما، ويحدد ضوابط التعاقد بين هؤلاء العمال، إذ سيتعيّن أن ينص العقد على الأجور والإجازات السنوية وتذاكر السفر.

وكذلك من المتوقع أن يشمل القانون، بشكل واضح، ضرورة منح العمالة المنزلية مكافأة نهاية الخدمة أسوة بالعاملين في مؤسسات وشركات القطاع الخاص الذين يستحقون مكافأة نهاية خدمة تنص عليها صراحة عقود العمل ولا تتخذ وزارة العمل أية إجراءات للتصديق عليها إلا إذا كانت مستوفية الشروط كافة. كما ستتضمن البنود مسألة توفير الرعاية الصحية لهذه الشريحة العمالية الكبيرة في البلاد.

وعلى صعيد ذي صلة، نشرت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية أخيراً، مقالة عن أوضاع الخادمات وعمال المنازل في قطر، وشبّهت ظروف عملهم بالعبودية، وقالت إن الكثيرات منهن يشتكين من حرمان التحرك بحرية والانتقال الى وظائف أخرى، وكذا الحرمان من الإجازات الأسبوعية، ومصادرة جوازات سفرهم وهواتفهم المحمولة، وعدم استلام الأجور لأشهر والعمل لأكثر من 16 ساعة من دون توقف.
ويقول التحقيق، الذي أجرته الصحيفة، إن مئات الخادمات الآسيويات هربن إلى سفارات بلادهن في الدوحة خلال الأشهر الأخيرة بسبب قسوة أرباب العمل، كما اشتكى العديد منهن من التحرش الجنسي والاعتداء الجسدي.
الـ"غارديان" تنتقد تعامل قطر مع ملف العمالة الآسيوي
وتضيف أن هذه النتائج تزيد مخاوف بشأن ممارسات العمل غير الانسانية في قطر قبيل كأس العالم، الذي تستضيفه قطر عام 2020.
من جانب آخر، كتبت الصحيفة أن مكتب العمالة الفيلبينية في الخارج استقبل أكثر من 600 عامل هربوا من مكان عملهم خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2013 بسبب أوضاعهم  القاسية، حيث صرح مسؤول المكتب للصحيفة أن معظم الشكاوى كانت من عدم الحصول على أجورهم وعدم كفاية الطعام والإرهاق وسوء المعاملة ومصادرة  جوازاتهم، وقال بعضهم إنهم تعرضوا لاعتداء لفظي وجسدي من أشخاص من جنسيات أخرى.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن بعض بنود التعاقد وتوصيف الوظيفة يتم تغييرها بمجرد وصول العامل أو العاملة إلى قطر، مؤكدة على أن الخادمات اللاتي يبلّغن عن اعتداءات جنسية يمكن اتهامهن بإقامة علاقات غير مشروعة.
وقالت الـ"غارديان" إنه، وفقاً لمنظمة العمل الدولية، فإن العمل القسري يتمثّل في كل أنواع العمل التي تُفرض قسراً على أي شخص لم يخترها بإرادته تحت التهديد بالعقاب، كما أن عدم دفع الأجور ومصادرة الوثائق وعدم الحرية في تغيير رب العمل هو عمل غير مسموح.

دلالات