عماد بابكر: القرآن لا يعارض دارون

عماد بابكر: القرآن لا يعارض دارون

02 فبراير 2014
+ الخط -

 في العام 2004 أجرت مؤسسة غالوب استطلاعا موسعا في الولايات المتحدة الامريكية عن نظرية التطور كشف أن حوالي 44 في المائة من الأمريكيين  يرفضون فكرة التطور ويرون أن الله خلق الإنسان على صورته الحالية. ورأى 37 في المائة من الذين تم استطلاع آرائهم أن التطور مقبول لديهم، ولكنه يتم وفق إرادة الله، أي أن تطور الإنسان كان فكرة إلهية، بعيدا عن قواعد الانتخاب الطبيعي، والبقاء للأقوى.

الإنسان تطور عقليا وجسديا ولكن أصله لم يكن قردا
 اللافت في الاستطلاع ليس فقط حجم الرافضين لنظرية دارون في المجتمع الأمريكي، ولكن في حقيقة أن النظرية لا تزال تثير الإهتمام حتى الآن منذ كتبها أو قال بها تشارلز دارون منتصف القرن التاسع عشر.

ورغم كل الإعتراضات الدينية والعلمية التي أثيرت ضد أفكار دارون لا تزال الفكرة الخاصة بالتطور تغري الكثير من الباحثين  بمحاولة تفسيرها كلُ من منطلقه سواء الديني - يستوي في ذلك اليهود والمسيحيون والمسلمون - أو من منطلق العلم الذي يحاول تفنيد مقولات النظرية  وآليتها في التطور كالانتخاب الطبيعي . 

وفي العام ٢٠٠٧ أصدر الباحث السوداني الدكتور عماد الدين بابكر كتابه "آذان الأنعام" الذي يثبت فيه أن القرآن الكريم لا يعارض نظرية تشارلز داروين في النشوء والارتقاء من دون أن يتورط في القول إن القرآن يؤيد النظرية. فالهدف - كما يقول في كتابه  - محاولة تفسير آيات القرآن تفسيرا عصريا .

الكتاب الذي رفض الأزهر طبعه بسبب وجود أفكار داروينية فيه، بحسب ما ذكر الكاتب في مقدمة الكتاب، تمت طباعته عدة مرات مطلع هذا العام في مصر والمغرب وأثار جدلا واسعا في الأوساط الدينية والثقافية.

يحاول الباحث المقيم في لندن إثبات فكرة التطور حيث يقول إن الإنسان "نبت" من الأرض، وكان يمشي على أربع "يمشي مكبا على وجهه" وأن الله أنشأه أي رفعه وطوره ليناسب خلافة الله في الأرض.

ويقطع الباحث الطريق على الابتذال الذي لا يرى في نظرية داروين سوى "أن الإنسان أصله قرد" ، فيذكر أن داروين لم يقل بذلك في نظريته عن الانتخاب الطبيعي وأصل الأنواع ، ويرى أن الحياة نشأت في مركز الأرض (مكة المكرمة) وأن تفاصيل فرائض الحج تكشف تفاصيل بداية الحياة وتطورها، وكأن الحج موجز قصير لزمن طويل ..

الكتاب يأخذ عنوانه من الآية الكريمة التي يتوعد فيها الشيطان بأنه سيجعل الناس "يبتكون" أو يغيرون آذان الأنعام، وهي الآية التي أربكت الباحث، إذ لم يجد لها تفسيرا مناسبا في التفسيرات القديمة بسبب سطوة الخرافات الإسرائيلية على تفاسير القرآن، وقرأها في إطار العلم فاجتهد، وقال إن الأنعام أنزلت من السماء لخدمة الإنسان، وإن في ذلك إشارة أو علامة أنها لم تشهد تطورا في حياتها وأن الشيطان سيجعل الناس تنسى هذه الإشارة الرمزية العميقة الدلالة فينسون قدرة الخالق .

يحاول الباحث السوداني تفسير القرآن بعيدا عن الإسرائيليات مستخدما بعض مناهج البحث العلمي المرتبطة بعلوم البيولوجيا، ويحاول قراءة الآيات في كليتها أو ترابطها، فيفسر القرآن بالقرآن في اجتهاد علمي يستحق القراءة والاختلاف .

في حواره يشرح سبب اتجاهه للدعوة وسبب اهتمامه بنظرية داروين وكيف حل القرآن لغز الحلقة المفقودة في نظرية النشوء والارتقاء، وكيف بدأت الحياة على الأرض بمجموعة "آدم" التي ضمت ٣٢ فردا من الذكور والإناث، كما يشرح في الكتاب كيف تطور تعلم الإنسان الأول من لغة الصورة التي يسميها لغة الغراب إلى لغة الكلام والرمز التي يسميها لغة الهدهد...

الكتاب يناقض كثيرا ما استقر في الدراسات الإسلامية حول الشجرة المحرمة والتي يراها شجرة الجنس والخلود.

الإسرائيليات أفسدت قراءتنا وفهمنا للقرآن وآن الأوان لنتوقف عن استخدامها
الحوار مع الدكتور بابكر لا يعني تبني وجهة نظره، ولكنه يعني تبني منهج إعادة قراءة النص القرآني بعيدا عن الرؤى المتكلسة والخرافات.

اقرأوا فكل شيء قراءة وكل قراءة حوار

 

 

* كيف تحولت من دراستك العلمية في علم النفس إلى دراسة الدين؟

 

** درست الطب أولا في جامعة الخرطوم، ثم تخصصت في الميكروبات الدقيقة في جامعة مانشستر، وبعد سنوات تخصصت في طب الأمراض العقلية والنفسية.. لكني لم أدرس "الدين" بصورة أكاديمية،  لأنه لا يوجد في الإسلام  شئ اسمه "تخصص في الدين" ،إذ أن كل مسلم مكلف بتحصيل المعرفة في القرآن والدين بقدر استطاعته. كنت في السودان في بداية الشباب عضوا في الجماعة الإسلامية مما أتاح لي فرصة توسيع أبواب المعرفة الإسلامية أكثر مما تقدمه المدارس الرسمية ، ثم اختلفت معهم في بداية الثمانينات ، لكن اهتمامي بالثقافة الإسلامية استمر.. ولما هاجرت لأسباب سياسية  إلى بريطانيا سنة 1991، اهتممت بالدعوة لغير المسلمين مما فتح لي أبوابا جديدة  للتبحر في علم مقارنة الأديان.

 

* لماذا قدمت كتابك للأزهر الشريف؟ هل كنت تبحث عن مرجعية شرعية لاجتهادك لاستشعارك أنه سيلقي رفضا شعبيا من المسلمين؟

 

** العكس تماما هو الصحيح ، إذ أن المسلم لا يحتاج لمرجعية بشرية في الاجتهاد وإنما القرآن وحده هو المرجع وعلى عموم المسلمين الحكم علي مضمون الإجتهاد وليس لأي جهة محددة  حق احتكار الحكم .... أنا كنت وما زلت واثق أن القبول الشعبي من عامة المسلمين أسهل من قبول العلماء الرسميين والمؤسسات الدينية للفكرة الجديدة، لأن عامة المسلمين مَلُّوا النقل بلا عقل،  لكن المؤسسات الرسمية هي التي تخشى أن تتجاوزها جموع المسلمين..والإقبال الشعبي على الكتاب يؤكد هذه الرؤية... لكن التقدم للأزهر كان بطلب من بعض دور النشر التي تظاهرت بالتردد ما لم يوافق الأزهر على الكتاب، فكان أن قدمنا الكتاب لهم قفلا لباب الشك فقط ، وليس استئذانا من أحد لكي  نجتهد في تدبر كتاب الله.

 

* كيف توصلت إلى نظرية آذان الأنعام، وماهي أهم مراحل تطور النظرية ؟

 

** في البدء كتب أخي علاء الدين كتابا صغير الحجم خطير الفكرة اسمه: " الحج مسيرة الإنسان الأول من جنة عرفات إلى بيته المحرم"، وكان الكتاب يقدم تفسيرا علميا يخلص إلى أن عبادة الحج ليست إلا تمثيلا لأحداث الأيام الأولى في حياة الإنسان العاقل بعد أن طوره الله من حيوان إلى إنسان عاقل. الكتاب احتاج للكثير من الشرح والاستدلال وأسلوب العرض لخطورة محتواه. فاستأذنت أخي علاء الدين أن أعيد كتابته بتفصيل دقيق. فبدأنا بدراسة الإحرام في القرآن. وكانت أولى المفاجآت أن الإحرام وهو أول ركن في الحج،  يبدأ في القرآن  بتحريم الصيد، وينتهي أيضا بتحليل الصيد ، كما هو في سورة المائدة، وأن الله يحذر الحجيج من الصيد بصورة مرعبة كأنه جريمة شنعاء.. ولاحظنا أن كفارة الصيد في الإحرام هي ذبح الأنعام ويسميها الله هنا "الهدي".. ولما كان افتراضنا أن الإحرام بداية تشبه الحجيج بحال الإنسان الأول، فهمنا أن تحريم الصيد هنا كان تشريعهم الأول حتى لا يرجعوا للحياة الوحشية قبل العقل.

 لكن لنفهم علاقة الأنعام بهذه الفكرة قررنا أن ندرس كل آيات الأنعام في القرآن فكانت سلسلة من المفاجآت.. فالأنعام في القرآن يشار إليها باسم "الهدي" و  " بهيمة الانعام" فقط في الحج.. أيضا وجدنا كل آيات الأنعام تدعو للتدبر في سر خلقها، وأنها دائما تأتي كأنها نشاز في منظومة الخلق.. فقادتنا هذه الملاحظة لاكتشاف الآية 6 من سورة الزمر التي تصف أن الأنعام نزلت في شكل ثمانية أزواج.. فخلصنا إلى أن جميع الأحياء تشترك في أصل واحد في الخلق تطورت لما هي عليه الآن بما فيها الإنسان، ما عدا الأنعام فقد أنزلت لتكون آية للإنسان الأول وآية لنا حينما نكتشف هذه الحقيقة. هذه الخلاصة ساعدتنا في أن نفهم أن "آذان الأنعام" في الآية 119 النساء لا تعني أذنيها،  وإنما أن إبليس كان قد رأى في نزولها آية كبرى و آذانا ينادي بوجود خالق الأزواج كلها ، مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون.. فكان أن أعدنا صياغة الكتاب ليكون شرحا للنظرية التي كتبناها كملخص لفكرة كونية لم يصل لها العلم بعد.

 

* لماذا تعود إلى نظرية النشوء والتطور لداروين التي تعرضت لانتقادات علمية عديدة في القرن الماضي؟

 

** نظرية آذان الانعام نظرية قرآنية بحته وليس لها علاقة مع بحوث داروين إلا من باب التوافق في بعض النتائج ... لكن الأمانة العلمية اقتضت أن نقارن بين ما وصلنا إليه من القرآن ، وبين ما نسب لداروين باعتباره أشهر دعاة التطور في العصر الحديث ، مع علمنا أن ابن خلدون وابن عربي قد سبقوه في هذا المجال قبل قرون طويلة ، لكن أفكارهم لم تعرض بصورة علمية ولم تلق الاهتمام العالمي كما لقيته بحوث داروين... أما من حيث النقد العلمي فإن بحوث داروين ما نقدها إلا المسيحيين في الغرب لأنها تهدم  عقيدتهم في أن الله أرسل ابنه الوحيد لتخليص البشرية من معصية حواء الأولى.. غالبية الغربيين الذين وقفوا ضد داروين هم في الحقيقة مسيحيون متزمتون ودوافعهم دينية كهنوتية في المقام الأول، لكن الحقيقة العلمية أن مفهوم التطور أصبح أشبه بحقيقة أن الماء يتكون من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين ولا يختلف عليها مختص في علوم الأحياء مهما كان دينه، وإن كان ينكر بحوث داروين لدوافع دينية...وهذا ما سعينا لتوضيحه في الكتاب من باب الأمانة العلمية أيضا.

* كيف توصل ابن عربي وابن خلدون لاكتشاف التطور قبل دارون ؟

ابن عربي وابن خلدون سبقا دارون في كشف فكرة التطور البشري

 

** ما توصل إليه ابن عربي وابن خلدون كان بسيطا مقارنا بمعارف اليوم،  لكنه كثير جدا في زمانهم - ولا شك أنه كان نتاج التعمق في أسرار القرآن والتدبر في الكون ليس إلا..ابن خلدون ذكر في "المقدمة" ان الكون عبارة عن اكوان متداخلة "من كان يكون كونا" ووصف ان الله خلق هذه الأكوان بصورة متناسقة بحيث يتحول كل كون إلى حال أرقي أو حال أدني وفقا لمعطيات الطبيعة.. وهذا وصف إجمالي لمفهوم التطور ما كان متعارفا عليه بين فلاسفة الزمان وعلماء الطبيعة خاصة أن الثقافة الغربية حينها كانت تستقي فهمها للكون من الفهم التوراتي: أن الله قال لكل شئ كن فكان كما هو. اما ابن عربي فقد فصل في كتابه: "عقلة المستوفز" ويعني: "التحكم في العقل الشارد" ان الحياة خرجت من معادن إلي نبات أولي، ثم تطور النبات إلى منتهاه من التطور فكانت النخلة آخر تطور النبات، إلا انها اكتسبت خواص حيوانية ، ولعله يقصد أنها تتميز إلى نخلة ذكر ونخلة أنثي منفصلين، ثم تطورت الحيوانات في عالمها فكان القرد آخر الحيوان وأول الإنسان، باعتبار انه امتلك الكثير من مهارات الإنسان الحركية، لكن الإنسان تميز عليه بخطوة أكبر في التطور كانت هبة من الله وهي العقل. أيضا فإن ملاحظات ابن عربي لم تكن إلا ملاحظات على الطبيعة وتدبر عميق لمقاصد وأسرار القرآن في وصف الخلق بلا مراجع سابقة غير القرآن.

 

*و لماذا رفض المسلمون إذن نظرية داروين ؟

 

** المسلمون أصلا لا رأي لهم في بحوث داروين وإنما وصلنا اسمه مسمما في القرن الماضي، بعد أن قام الاتحاد السوفييتي بفرض الشيوعية والإلحاد بالقوة وربط اسم داروين بالإلحاد وإنكار الخالق لتبرير فكرهم المتطرف - فقام الغرب بتسميم أفكارنا بأن داروين داعية إلحاد حتي نقع فريسة التحالف مع المعسكر الغربي باعتبار أنهم أهل كتاب ونتفق معهم في أسس العقيدة، وحتى يطيلوا من أمد تبعيتنا الفكرية لمغالطات التوراة في موضوع الخلق - وفي الواقع أن داروين اختلف مع التوراة لكنه لا يختلف مع القرآن كما شرحنا ذلك في نظرية آذان الانعام - من ناحية أخري فإني لا أشك أن العلماء الرسميين للمسلمين الذين يحاربون العقل حفاظا على جهل المسلمين وتبعيتهم لعلماء السلطان، قد وجدوا ضالتهم المنشودة في تنفير الناس من البحث العلمي بتشويه صورة داروين حتى وإن استدعى ذلك أن نؤمن بمغالطات التوراة في تفسير القرآن.

 

 

* كيف توصلت إلى توافق  الخطاب القرآني مع جوهر خطاب نظرية دارون وكيف حل القران مشكلة الحلقة المفقودة في نظرية التطور؟

** ليس هناك تطابق لا من حيث المصادر البحثية ولا من حيث المنهج ولا من حيث النتائج، وإنما هناك الكثير من التوافق والكثير من الاختلافات أيضا. بحوث داروين بحوث عملية في عالم الأحياء من نبات وحيوان بما فيه الإنسان، لكن نظرية آذان الأنعام قامت في المقام الأول على إعادة فهم وتأويل الغامض من قصص القرآن وحده، إذ أننا لم نجر أي تجربة معملية  في هذا المجال... ولأن بحوث داروين كانت علمية مادية معملية فقد وجدت فيها حلقات مفقودة كثيرة أهمها هي مرحلة برمجة العقل في البشر الأدني،  لأن العقل نفسه ليس عضو مادي وإنما منظومة غامضة تنسق بين وظائف الدماغ - المخ - المادية، وبين وظائف القلب المغناطيسية، فإن البحث المعملي أثبت عجزه هنا في فهم كيف أصبح الإنسان فجأة عاقلا . لكن نظرية آذان الانعام أوجدت هذه الحلقة المفقودة من وصف العليم الخبير كيف منح الله تعالى البشر "العقل" حسب ما أولناه في الآيات 7-8-9 من سورة السجدة ، وهي حقيقة علمية كونية لكن يستحيل الوصول إليها من الحفريات القديمة.. وبهذا فإن نظرية آذان الأنعام قدمت للمسلمين سبقا علميا ووضعت غير المسلمين في تحدٍ لإثبات عدم مصداقيته.

ولا بد من تصحيح الفهم المغلوط لبحوث داروين إذ أنه أبدا ما قال ولا قال غيره من علماء التطور أن أصل الإنسان قرد، وإنما كانت هذه المغالطة من إشاعات الكنيسة البريطانية لتنفير الناس منه. داروين وصف الأصل المشترك بين كل الأحياء أولا ثم تتبع الأصول المشتركة المتأخرة وكان آخرها الأصل المشترك بين أسلاف البشر وأسلاف القردة، لكن لم يتطور أحدهما من الآخر...

* : البعض يقول إن الآيات التي تحدث الله فيها عن مسخ البعض إلى قردة وخنازير تؤكد أن الإنسان أصله قرد أو خنزير، والدراسات العملية التي تثبت ان الخنازير أقرب الحيوانات تركيبا لجسم الإنسان وإلى صفات مشتركة بين الإنسان والقرد.....كيف ترى هذه الطروحات ؟

 

** آيات المسخ لا يشترط أنها تعني تنكيس في الخلق لكن أيضا لا بد من التوقف عند الحكمة من اختيار القرد والخنزير فقط لهذه العقوبة التي أوقعها الله على فئة من بني إسرائيل. القرد لا شك يمثل أقرب الحيوانات للبشر في مسار تطوره ، ولعل ذكره فيه تنبيه للباحثين لهذه العلاقة التي كانت غيبا على كل البشر حين تنزيل القرآن.. أما الخنزير وإن كان يبتعد عن البشر كثيرا في السلف المشترك، إلا أن علم الجينات فاجأ الناس أن حمضه النووي أقرب الأحماض للإنسان بحيث أنه يمكن أن يعطي أعضاء تعمل في جسد الإنسان.. أيضا أنا أري فقط أن التنكيس هنا فيه إشارة للبحث في هذا المخلوق ولا استبعد ان يفاجئنا العلم الحديث يوما ان الخنازير تنتمي لفصيل بشري منقرض تحور بصورة غامضة لحاله اليوم،  لكن لا دليل علمي على ذلك بعد غير الإرهاصات القرآنية.

 

* لا يوجد في القرآن ما يثبت أن الانسان كان وحشا،  إذ ربما يمكن تفسير "اتجعل فيها من يفسد فيها"  بأن الإنسان خلق بلا تحضر ثم تحضر أو تطور عقليا ؟

 

 ** الوحشية سلوك و ليست اسم مخلوق بعينه.و كل ما تسمي وحوشا إنما تكتسب هذه الصفة من همجيتها وسفكها للدماء وهذه كانت صفة قرآنية للبشر قبل العقل. ولو صدقت نظرية التطور، فالإنسان قبل العقل غالبا كان أكثر وحشية من كواسر اليوم،  لأن كل الوحوش تقتل إما دفاعا عن النفس أو للحصول على الطعام لكن البشر بلا عقل ودين يقتلون من باب الطمع والجشع والغيرة والحسد وغيرها إلى اليوم.. فما بالك بحال الانسان حينما كان يفسد في الأرض ويسفك الدماء بنص القرآن.

 

*: تقدم تفسيرا يقوم على المزج بين الإعجاز العلمي للقرآن وفقه اللغة ، ماذا لو أثبت المستقبل خطأ نظرية دارون وهذا احتمال وارد ماذا سيكون مصير الكتاب او تفسيرك بقبول القرآن لفكرة التطور ؟

*  أولا أنا أتحفظ على "مفهوم الإعجاز العلمي" حرفيا لأن القرآن كله إعجاز للعقل البشري، لكن فيه آيات كونية أو إشارات ودلائل تهدينا للبحث في أسرار الخلق والكون، ويكون الإعجاز فيها في إيجاد تفسير منطقي .. كيف أتي محمد بهذه الحقائق إن لم تكن وحيا من عند خالق الكون... وفي هذا السياق فإن البحث العلمي يتطور وتأويل القرآن أيضا يجب أن يتطور كلما ازداد علم الناس بأسرار الكون، ما لم تتحجر عقول المسلمين وتقدس بحثنا كما قدست تفاسير القرآن القديمة..

 الخلاصة هي أن نظرية آذان الأنعام تدفع المسلمين للمزيد من البحث في القرآن وتدبر أسراره ولن يتعارض التأويل الصحيح يوما مع حقيقة علمية مثبتة، لكنه حتما يتعارض مع الافتراضات العلمية القاصرة إما نتيجة قصور في فهم الحقيقة الكونية أو قصور في فهم المدلول القرآني.. واستمرارية البحث والتدبر هى العبادة المطلوبة وليس الجمود في فهم محدد في زمن محدد.

 

*: تعتمد على إعادة ترتيب المشهد القرآني لإثبات الصورة الكلية هل يعني ذلك أن تفسير القرآن آية بآية او التفسير الجزئي قد انتهى ؟

** أرجو أن يكون قد انتهي لأنه كان كارثة المسلمين أصلا - فالقرآن نفسه يدعو المؤمنين لترتيله أي جمع الأرتال المتشابهة لفهم مدلولاتها ، لكنهم في عصور سابقة، كان العلم بأسرار الكون فيها قاصر ، قد فسروا كل آية لوحدها ، فكان ما كان من تفاسير ترضي العقل القاصر في أزمنة سابقة،  لكنها سرعان ما أصبحت وبالا على الفكر الإسلامي. ... ما أتينا به هو العودة للمنهج السليم في فهم القرآن الذي كان يجبأان يسودأاصلا: ورتل القرآن ترتيلا.

 

* لماذا سادت الروايات الإسرائيلية في تفسير القرآن وكيف يمكن القضاء عليها وهل نتخلص من التفسيرات القديمة التي قدمها كبار المفسرين كالطبري وابن كثير ؟

** في عصور الانفتاح الفكري الأولى وجد المفسرون القدامى أنفسهم عاجزين عن فهم الكثير من أسرار القرآن، فلجأوا لعلوم أهل الكتاب في هذا المجال ظنا منهم أن لهم سبق في فهم ما تشابه بين القرآن والكتب السماوية الأخرى.. هذا هو التفسير البريء لهذه الظاهرة ، لكن التفسير الأخطر هو أن اليهود لا شك قد اخترقوا المنظومة الفكرية الإسلامية في الماضي وبثوا سمومهم في أفكار المسلمين في محاولة لتحريف فهم وتفسير القرآن بعدما عجزوا عن تحريف نصه الحرفي.. وقد ورثنا كل ذلك التراث العليل وأعطيناه قدسية عطلت عقولنا فكانت المحصلة أن اتخذنا القرآن مهجورا.. أما مسألة التخلص منها فهي غير ممكنة، لأن ما دخل التاريخ لا يخرج منه،  لكن المطلوب من العلماء والمؤسسات الرسمية مراجعة تلك التفاسير والأحاديث بكل جرأة وإخراج ما لا يصح منها والتحذير منه بدل السكوت عليه....كتب التفسير ليست من القرآن ، وإنما هي كتب تاريخ توثق لاجتهادات مفكرين سبقونا، ونقدها وتنقيحها واجب شرعي لا يضر الإسلام شيئا.

 

* تفسر قصة ابن نوح تفسيرا غريبا لإثبات أنه ليس من النوع الذي يجب أن يستمر وفق مقولات التطور مع أن القران قال بصريح العبارة إنه كان من الكافرين. هل هناك تصور قسري للقصة لتلائم نظريتك؟


 ** قصة نوح معقدة جدا في القرآن فيما يخص كل من حمل معه، وقد تحولت بفعل الإسرائيليات إلى أسطورة تنفر من الكتب السماوية كلها ، هذا هو التصور القسري الذي ورثناه كون نوح حمل معه كل مخلوقات الأرض في السفينة - ما قدمناه ليس إلا محاولة متواضعة لزحزحة التصور القسري الموروث ومحاولة فك أسرار القصة وإعادة تسليط الضوء عليها.. والباب مفتوح لمراجعتها إن شاء الله لكن على الأقل أخرجنا الناس من ظلام الخرافات إلى تحدي السؤال والاستفسار.

  * ولكنك لم تجب عن علاقة ابن نوح بنظرية التطور لماذا فسرت موته بأنه انقراض نوع لم يتطور ماذا في الآيات الكريمة يوحي بذلك؟

 ** هناك ملاحظات لا بد من أخذها في الاعتبار ونحن نتدبر سيرة نوح في القرآن: أولا اشتملت دعوته لقومه على تذكيرهم أن الله خلقهم أطوارا وكأنهم كانوا على علم بهذه الحقيقية الكونية. ثانيا: إن الطوفان كان عملية تدريجية تم الإعداد النفسي والمادي لها بصنع السفينة في مدة طويلة وليس صاعقة أو زلزال أو صيحة أهلكت الكافرين ونجا المؤمنون كما هو الحال في قوم عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم.. هذه الملاحظة تستدعي التدبر في أن الطوفان كان حدثا له بعد كوني وليس عقائدي فحسب. ثالثا: القصة تفصح بوضوح أن نوح عليه السلام نفسه كان عاجزا عن استيعاب ما يجري وأن الله أمره أن يكون من الجاهلين، وكأن المشيئة الإلهية كانت تقضي قدرا أكبر من هلاك الكافرين المعلوم لنوح.

 حينما أمر الله نوح أن يأخذ معه من أراد الله لهم النجاة كانت الأنعام "من كل زوجين اثنين" لها الأسبقية في الركوب ، وكأن الله تعالى يلفت انتباهنا إلى أن الأنعام كانت لها قيمة كونية وعقدية مهمة جدا حين الحدث.. من هنا تعمقنا في محاولة فهم القصة فلاحظنا أن البشر تم تقسيمهم لثلاثة طوائف: أهل نوح،  وتم استثناء من سبق عليهم القول منهم ، فوجدنا أن التمييز بين طائفتين من أهله تم بمعيار غير الإيمان لأن "من آمن" ذكروا وحدهم كطائفة ثالثة مستقلة . ففهمنا  أن مدلول "الأهلية" هنا كان الأهلية للاستمرار وليس    اهلية القربى... وهذه الملاحظة قادتنا لنتدبر موقف نوح مع ابنه: فلو كان كفره يكفي لموته لما دعاه نوح ليركب مع علمه أنه لم يكن من المؤمنين. أيضا فإن الله نصح نوح ان ابنه ليس من أهله لأنه "عمل غير صالح" وليس أنه "قد عمل عملا غير صالح" كما يتبادر للأذهان. أي أنه في خلقه لا يصلح للاستمرار. وقسنا مفهوم العمل الصالح في وصف البشر على وصف الله لزوج زكريا التي كانت امرأة صالحة بالمفهوم العقدي وتسارع في الخيرات لكن فيها نقص خلقي حال بينها وبين الإنجاب، فوصف الله انه أصلح له زوجه فجعلها تنجب. من هنا خلصنا ان "عمل غير صالح"  في حق ابن نوح غالبا يفيد خللا في خلقه ، قدر الله له أن ينتهي هنا من ضمن من سبق عليهم القول. و"القول" هنا ليس غضب الله على الكافرين وإنما "قول كوني" أي سر من أسرار الكون التي أودعها الله في بعض خلقه وقد سبق في علمه أن هؤلاء ينتهي نسلهم هنا.... في النهاية هو اجتهاد كبير وعلى أهل العلم نفيه بما هو أحسن منه.

 * التفسير العقلاني الذي قدمته لقصة الخلق والنفخ والنشوء لم تستطع أن تستند إلى وقائع تاريخية دقيقة إلا في إشارات عابرة ، هل تحتاج نظريتك لمزيد من البحث العلمي بعيدا عن خطاب القرآن لإقناع غير المسلمين بالنظرية التي تقوم في معظمها على تحليل لغوي لمفردات القرآن؟

 ** بالتأكيد، فهناك أجزاء من النظرية أصلا مثبتة علميا لكن نظرية آذان الأنعام حدث فكري علمي غير مسبوق لأننا نفترض ونتحدى العلم المادي بحقائق كونية إضافية لم يتطرق لها العلم بعد.. النظرية تضع على عاتق علماء المسلمين خصوصا البيطريين مسؤلية إثباتها أو إسقاطها بإجراء التجارب المعملية بقدر إيمانهم بمصداقية القرآن، وهي أيضا تتحدي العلماء غير المسلمين  على البحث المعملي لإسقاطها - وفي هذا السياق نضع القرآن متحديا العالم في حدث يصعب إثباته كما يستحيل نفيه علميا، والفائدة العظمي هي فتح باب للحوار والبحث لا نهاية له.

 

* ما هو الدليل العلمي على إنزال الأنعام من السماء واختلافها عن بقية المخلوقات مع أن بعضها يصنف ضمن المملكة الحيوانية ويشترك في بعض الصفات مع بقية الحيوانات ؟

** بالتاكيد فإن فكرة إنزال الأنعام فكرة قرآنية، لكن قدمنا في الكتاب مؤشرات كثيرة تلفت الانتباه لغموض أصل الأنعام سواء من علاقة الإنسان بها على المر العصور أو من ملاحظاتنا المتواضعة عليها. الفكرة تستفز العلماء للبحث في هذا المجال علما بأن كل ما هو مطروح على الساحة العلمية لا يزيد عن كونه افتراضات - وقد نشرت حديثا بعض البحوث التي تشير مثلا إلى أن الأبقار الأليفة لا علاقة لها بالبقر الوحشي من ناحية الحمض النووي وأن وجودها في الأرض يرجع إلى 80 بقرة وجدت فجأة في منطقة إيران قبل حوالي 100 ألف سنة مما يفتح الباب للبحث في هوية البقية...العلم فقير في هذا المجال مما يزيد النظرية استفزازا للعلماء.. لكن لم أقل إن الأنعام بلا مشاعر وإنما بلا عقل، وهذا منصوص عليه صراحة في القرآن، وقلنا إنها ليس لديها وسائل فطرية للتعرف على قاتلها الأول وهو الإنسان ولم تتطور كبقية الحيوانات لتكتسب وسائل تدافع بها عن نفسها من قتل الإنسان وهذه الحقيقة تناقض فكرة التطور المادية المتداولة وترجح رأينا أنها نشاز بين مخلوقات الارض.

 

* ألمحت إلى فكرة إمكان استنساخ السيد المسيح من جسد العذراء هل هناك توضيح أكثر لهذه القضية التي حاولت بها إثبات أن السيد المسيح تكلم وهو كهل مع أنه رفع في الثالثة والثلاثين من عمره تقريبا ؟

** لا بد من التنويه إلى أن هذه الفكرة من نواتج النظرية وليس من مكوناتها.. وتطرقنا لها لوجود بعض المفردات القرآنية التي أولناها تأويلا جديدا في قصة آدم مشتركة مع قصة خلق المسيح وفيها من الغموض ما فيها ايضا... وهي وصف المسيح بأنه "كلمة من الله"  ووصف تلك الكلمة أنه "ألقاها إلى مريم" - فخلصنا إلى أن الكلمة تعني إدخال حدث مجسم لعالم الانسان خارج عن المألوف - وان "ألقاها" تعني التساوي مع مريم في أمر ما ، فخلصنا الي أن التساوي كان في السن، وهذا التأويل حل الإشكال القديم في كونه كلم الناس في المهد وكهلا - فكلامه في المهد مفهوم وكان معجزة لكن كلامه كهلا ما كان ليكون معجزة الا اذا كان المسيح قد بلغ سن الكهولة بيولوجيا وهو في الثلاثين لأن سنه كان ملاقيا او مساويا لسن أمه وهي في نهاية الأربعينات - على اي حال هذا موضوع بحث قصدنا منه ان نستفز المسلمين ليتدبروا فيه لأن الله ما ذكره إلا لحكمة.

 * من التفسيرات المهمة في كتابك قصة الذبيح إسماعيل والفداء وقصة ذبح البقرة وقلت أن الله سبحانه أراد أن ينهي عبادات أو ممارسات شاذة في التاريخ الإنساني رغم أنك لم تقدم ما يشير إلى هذه العبادات إلا من خلال القرآن الكريم فكيف يمكن إقناع أحد بهذا ونحن نعرف أن القرآن ليس كتابا في التاريخ بل للاعتبار؟

 ** الكتاب في المقام الأول يخاطب من يؤمن بمصداقية القرآن وما قدمناه ليس إلا تأويلا لقصص غامضة فيه يعرفها الجميع لكن لا تفسير لديهم لها رغم غرابتها .. وهذه القصة سببت نفورا لأهل الكتاب في الغرب من التوراة ... تفسيرنا لها يرتبط بالواقع العملي إن عادة ذبح الأبناء اندثرت بها مما يؤكد قوة تأثير الوصف القرآني للقصة..أيضا هي تفسر سلوك الإنسان الأول بعد الانتقال من وحش إلى بشر عاقل وهو جزء من تاريخ البشرية لا مصدر له إلا الله تعالى.

 
* ما هي الأهمية العلمية والإيمانية لإثبات أن القرآن الكريم يؤيد نظرية التطور أو جوهرها؟

** الأهمية العلمية لا حدود لها لأن البحث عن أصل الإنسان ظل من أكبر المعضلات أمام العقل البشري وعلم الأنثروبولوجي - أيضا فإن العلوم أصلا تنتج من تحرر العقل أولا ونظرية آذان الأنعام لا تحرر العقل المسلم من سجن الخرافات فقط بل تفتح أمامه آفاق كبيرة للبحث العلمي في مجال الأحياء والكون كان حكرا على الغرب. أما الجانب الإيماني فيكفي دليلا عليه الصدى الذي وجدته بين أبناء وبنات المسلمين - رغم عدم تبني أي جهة رسمية لها إلى الآن - الذين ابتعدوا عن القرآن لأنه كان في نظرهم كتاب تاريخ قاصر فأصبح كتاب علم وكون يتحدي العقول ولا تفسير لمصدره إلا خالق الكون.

 * كيف تفسر  معجزة المسيح عيسى عليه السلام بصنع نماذج من الطين على هيئة الطير ثم ينفخ فيها وهل هي سبب التباس العلاقة بين المسيح والله  في التفاسير القديمة للإنجيل؟ وهل تصلح لإثبات أن الله خلق الإنسان من الطين مباشرة كمعجزة ؟

 ** أولا كل معجزات المسيح قبل الرسالة من كلامه في المهد إلى خلق الطير من الطين التي تمت في صغره في فترة النبوة لكن قبل الرسالة، كلها تمت إزالتها من الأناجيل المتداولة .. فالإنجيل يصف أن أول معجزة للمسيح كانت تحويل الماء إلى خمر في عيد الفصح. هذه المعجزات وردت في القرآن فقط.  وفي تقديري فإنها لا علاقة لها بخلق الله الحياة من طين لأن الله خلق أفعى موسي من عصا وليس من طين. كل معجزات الأنبياء بطبيعتها تجري عكس قوانين الكون لتثبت أن النبي يعمل بأمر الله لكنها لا تشرح كيف خلق الكون بأي حال من الأحوال وهي موجهة فقط لمن عاصر النبي ورأى المعجزة رأي العين، ولا تصلح لإثبات أي شئ للأجيال القادمة لأنها أحداث خارقة  لم تكن فيها رسالة لنا، تماما كما قال الله لنار إبراهيم كوني بردا وسلاما فكانت...

 

 

 

المساهمون