ضرب و"فلقة".. فيسبوك يحمي تلاميذ العراق من عنف الأساتذة

ضرب و"فلقة".. فيسبوك يحمي تلاميذ العراق من عنف الأساتذة

04 يونيو 2015
يؤثر العنف على نفسية التلاميذ (امراه يورولمار/الأناضول)
+ الخط -

يوماً بعد يوم، تزداد ظاهرة العنف ضد تلاميذ المدارس من قبل الأستاذة. هؤلاء يختارون معاقبة التلاميذ وضربهم بالعصي على وجوههم أو أطرافهم، ما قد يؤدي أحياناً إلى إصابتهم بعاهات مستديمة أو أقلّه إصابات بالغة، على غرار ما حدث لعدد منهم. وقد أثار كثيرون الأمر على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية.
وفي وقت يطالبُ فيه ناشطون وباحثون اجتماعيون وزارة التربية بوضع قوانين خاصة لمنع ضرب التلاميذ واتباع وسائل التربية الحديثة، ما زال بعض التلاميذ يتعرضون للضرب، ما سيؤدي إلى مشاكل اجتماعية كبيرة في المستقبل.

في السياق، يكشف الباحث التربوي، مأمون عبد الصبور، عن أن "المسيرة التعليمية في العراق بحاجة إلى تطوير كبير في ما يتعلق بكيفية التعامل مع التلاميذ، وخصوصاً في المدارس الابتدائية". يضيف: "بين الحين والآخر، يُضرب تلميذ ويصاب بجروح بالغة من قبل المدرّس أو مدير المدرسة"، لافتاً إلى أن الكثير من الأساتذة "ما زالوا يتبعون أساليب قديمة في التعامل مع التلاميذ، من خلال ضربهم بالعصي الخشبية والبلاستيكية بشدة. ويُعدّ الأمر خطيراً جداً، وخصوصاً أنه يمكن أن يصابوا بعاهات مستديمة مدى الحياة، فضلاً عن الأذى النفسي وكره المدرسة".

وأثار تسجيل مصوّر بثّه ناشطون، ويظهر ضرب مدير إحدى المدارس مجموعة من التلاميذ بعصا، انتقادات كثيرة. وكان مدير دائرة الإشراف التربوي في وزارة التربية سعدي علي قد أعلن أن "ظاهرة ضرب التلاميذ تنتشر في المناطق الريفية والشعبية"، لافتاً إلى "وجود توجيهات مشددة من قبل وزارة التربية أدت إلى تراجع هذه الظاهرة".
ويعزو العديد من المتخصصين التربويين هذه الظاهرة إلى الموروثات الاجتماعية القديمة، وتحديداً زمن "الكتاتيب". يقول الباحث الاجتماعي عبد الصمد القريشي إن "ظاهرة ضرب التلاميذ بالعصي ترجع إلى نحو قرن. في ذلك الوقت، كان نظام التعليم يعرف بالكتاتيب، والأستاذ بالملا. كانَ يعاقب تلاميذه بالفلقة. يتمدد التلميذ على ظهره وتربط قدميه ثم يضرب بعصا".

ويبيّن القريشي لـ"العربي الجديد" أن "استخدام الضرب المفرط مع التلاميذ المشاكسين يعدّ خطيراً جداً من الناحيتين النفسية والجسدية". ويعزو عدد من المتخصصين النفسيين ظاهرة الضرب إلى تعرض الأستاذ في طفولته للضرب المبرح.
ويقول الأستاذ في علم النفس التربوي مضر عبد المجيد لـ "العربي الجديد" إن "ضرب التلاميذ يعد أسلوباً متخلّفاً، وينعكس سلباً على نفسية التلميذ". ويتابع أن "المدرّس الذي يلجأ إلى معاقبة التلاميذ بالضرب المبرح يكون قد تعرض للضرب في صغره، ما يجعله يعتقد أنها الطريقة الأمثل لحثّ التلاميذ على الاستقامة وتحضير الدروس، وهذا خطأ فادح يقع فيه كثيرون". يضيف أن "طرق معاقبة التلاميذ تغيّرت عما كانت عليه".

اقرأ أيضاً: ضرب الأطفال مبدأ تربوي في الكاميرون

في المقابل، يقول التربوي ممدوح الملا لـ "العربي الجديد" إن "أساليب التعامل مع التلاميذ تغيرت كثيراً بالمقارنة مع القرن الماضي. علينا اليوم اتباع أساليب الحوار ومعرفة مشاكل التلاميذ وأسباب تقصيرهم في أداء واجباتهم بدلاً من ضربهم".
ويشير إلى أن وزارة التربية فتحت تحقيقاً في حوادث ضرب بحق عدد من التلاميذ، أدت إلى إصابتهم بأضرار جسدية، لافتاً إلى وجوب إصدار قوانين للحدّ من أساليب العنف المفرط واتباع أساليب تربوية حديثة.

في السياق، يؤكد العديد من المعلمين أن هناك تعليمات مشددة من قبل وزارة التربية لمنع العنف المفرط ضد التلاميذ، بعد حدوث مشاكل بين ذوي الطلبة وإدارات بعض المدارس، على خلفية تعرض أبنائهم للضرب.
من جهته، يقول المدرّس عماد حميد إنه "عادة ما يقتصر العنف على التلاميذ المشاغبين أو المقصّرين في أداء واجباتهم المدرسية. إلا أن بعض الأساتذة، وخصوصاً في المدارس الابتدائية، يعاقبون التلاميذ بقسوة". ويلفت إلى أهمية الحوار مع التلاميذ من خلال الاستعانة بمتخصصين في علم النفس، لمعرفة مشاكلهم. كما أنه يمكن فصل التلاميذ المشاكسين لأيام عدة من المدرسة، أو طلب حضور أولياء أمورهم لإطلاعهم على تصرفات التلميذ إن كان مشاكساً أو مقصراً في أداء واجباته المدرسية".

وكان مجلس محافظة ميسان قد اتخذ قراراً بإقالة مدير إحدى المدارس بعد تسريب مقطع فديو أظهر مدير المدرسة يضرب مجموعة من التلاميذ الصغار بشكل عنيف، بعد فتح تحقيق بالحادثة. واعتبر ناشطون أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها فضل كبير في الكشف عن حالات العنف المفرط ضد التلاميذ في المدارس. ويقول الناشط عمر صبار إن "مواقع التواصل، وخصوصاً فيسبوك، كان لها أثراً بالغاً في الكشف عن العنف المفرط ضد التلاميذ، وإجبار الجهات المعنية على اتخاذ إجراءات رادعة بحق عدد من مديري المدارس والمعلمين ممن يستخدمون أساليب العنف".

وأثارت حوادث ضرب تلاميذ في عدد من المدارس ضجة إعلامية، منها ضرب طالبة في إحدى مدارس بغداد أسفرت عن إصابتها بجروح، وإحالة تلميذ في الصف الرابع الابتدائي إلى المستشفى بعد تعرضه للضرب الشديد على يد مدير مدرسته في محافظة البصرة.
يقول الباحث أنور العبيدي إنه "يجب أن يحترم التلاميذ الأستاذ، وذلك من خلال لجوئه إلى الحوار بدلاً من الضرب". وانتشرت العديد من مقاطع الفيديو التي سرّبها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت عنفاً مفرطاً ضد التلاميذ في المدارس الابتدائية بشكل خاص، ما دفع العديد من ذوي الطلبة إلى رفع دعاوى قضائية ضد إدارات بعض المدارس، فضلاً عن حدوث مشاكل بين العشائر في بعض المناطق والمحافظات العراقية.
ويشرح التلميذ علاء حسن، وهو في الصف الثاني متوسط، لـ "العربي الجديد": "أصبحت أكره المدرسة بسبب الضرب الشديد بالعصا من قبل بعض الأساتذة بحجة التقصير في أداء الواجبات المدرسية أو المشاكسة. أحياناً، يختار الأساتذة العقاب الجماعي لأن تلميذاً واحداً يشاغب، وهذا يخيفني جداً".

اقرأ أيضاً: عنف متزايد ضد أطفال الجزائر

دلالات