لاجئات ألمانيا يكسرن قيود العزلة

لاجئات ألمانيا يكسرن قيود العزلة

05 نوفمبر 2014
ألمانيا لم تعد تترك اللاجئات يواجهن مصيرهن وحدهن (Getty)
+ الخط -

قدمن من بلاد مختلفة، بتن جميعاً لاجئات ومهاجرات. تختلف قصصهن وتتشابه أحياناً، تجمعهن المعاناة، يخفف عنهن "لمّ الشمل". فقد لجأن إلى تنظيم لقاءات بين فترة وأخرى. خلالها، يعددن مأكولاتهن التراثية، يحكين لغتهن، ويخرجن من عزلة يفرضها الانتظار الطويل.

غالباً ما يجتمعن في غرفة في المبنى المخصّص للاجئين. يظن الزائر أنهن سيُطلن الحديث عن الوطن، ورحلة العذاب قبل الوصول إلى ألمانيا، وعن بيوتهن التي تركنها، وصديقاتهن اللواتي اعتدن لقاءهن في عطلة نهاية الأسبوع.. ذاكرة بكاملها. لكنهن يختصرن الأمر في جملة أو جملتين على الأكثر، ليحكين عن أوضاعهن في ألمانيا، وانتظارهن الحصول على ورقة لاجئ.

الانتظار صعب، خاصة أن الحصول على هذه الورقة ليس مضموناً. وفي حال رفضت الدولة منحهن صفة لاجئ، سيتم إعادتهن إلى إيطاليا. علماً أن غالبيتهن أتين من هناك. يحكين كثيراً عن البصمة في إيطاليا، التي تحولت إلى كابوس بالنسبة لغالبيتهن.

في اجتماعاتهن، تُصرّ النساء المهاجرات على إحياء عاداتهن. يرفضن أن تمحوها الغربة التي لم يتأقلمن معها بعد. نُظّم أحد هذه الاجتماعات في منطقة تورنغن، وحضرته سوريات وجورجيات وصربيات وموريتانيات وصوماليات وإريتيريات وغيرهن.

عند المدخل، كانت هناك سيدة صومالية تستقبل النساء، وتتأكد من أن الجميع قد حضرن قبل أن تجلس. أما أم عمار التركية ـ السورية التي تنظم هذه الاجتماعات بين الحين والآخر، فتبدو مصرّة على تقبيل الجميع. ترحب بهن بعبارة "أهلاً وسهلاً"، تقولها بالعربية والألمانية. تقف النساء للسلام على بعضهن البعض. قد تستغرب الألمانيات الحاضرات الأمر. هذا ليس من عاداتهن، فالجالس يكتفي فقط بمد يده. لكن المهاجرات يبدون مصرات على ممارسة عاداتهن بكل تفاصيلها.

غالبية هؤلاء النساء لم يتعلمن اللغة الألمانية. سما هي إحدى هؤلاء، قدمت من سورية على متن قارب كان مهددا بالغرق في أية لحظة. لجأت ووالدها ووالدتها إلى المهربين. لكنها تصرّ على تعلم اللغة، علّها تخرج من منزل "اللجوء"، حيث تتقاسم المرحاض والمطبخ مع ثلاثة شبان جاؤوا من أفريقيا. تشعر بالضيق، وترغب في الخروج والتعرّف على مدينتها الجديدة، والتواصل مع الناس بلغتهم. تقول إنها "تريد أن تعيش".

خلال اللقاء، رفضت امرأة سورية قدمت من دوما أن يتم تصويرها. هي من عائلة مطر المغضوب عليها، كما تقول. بداية، اعتقدت بعض الألمانيات الحاضرات أنها رفضت التصوير لأنها لم تكن تضع الحجاب، لكنه الرعب الذي يلاحق السوريين. خوفٌ قد لا يفهمه البلد المضيف. وتبدو عملية الشرح معقدة: لماذا تكون صورة للاجئة في ألمانيا بمثابة كارثة لأهلها في سورية؟

البوح بهمومهن
في السياق، تقول إحدى العاملات في مركز اللجوء، لورا تسيه، لـ"العربي الجديد": "نخاف على النساء القادمات من أماكن الصراع. لا نعلم ماذا يدور في عقولهن، والظروف التي مررن بها في بلدانهن قبل المجيء إلى هنا". تضيف: "يصبح الأمر أكثر تعقيداً عندما يتعلق الأمر بنساء الشرق المتحفظات على البوح بهمومهن أو مشاكلهن على الملأ، خاصة النفسية منها. أعتقد أنه على الحكومة تخصيص ميزانية خاصة لتقديم العلاج النفسي للقادمات من مناطق الحروب والصراع. فهذه المشاكل ستنعكس على المجتمع الألماني بكامله".

وكثيراً ما يتولى الرجال والشباب العاملون مع اللاجئين، مهمة تسلية الأطفال. مثلاً، في يوم المرأة العالمي، يلعب هؤلاء مع أطفال اللاجئات والمهاجرات، كي ترتاح النساء بعض الشيء. علماً أنه خلال الاجتماعات الدورية هذه، تُحضر الأمهات أطفالهن. وقد ألفت رهام التي باتت تتحدّث الألمانية بطلاقة، علماً أن عمرها لم يتجاوز الست سنوات، هذه الاجتماعات. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الألمان يعتبرون أن "هذا الجيل هو الذي سيحقق الاندماج المثالي بين الألمان والمهاجرين".

في السياق ذاته، تؤكد مديرة المركز كلارا ديتزيل لـ"العربي الجديد" أننا "اجتزنا شوطاً كبيراً فيما يتعلق بالاندماج. لا يتعلق الأمر فقط بتعلم اللغة الألمانية. ها نحن نجلس على طاولة واحدة، نشرب القهوة ونأكل الحلويات، نضحك ونناقش ونحكي عن مشاكلنا. نصغي إلى معاناة النساء المهاجرات، وننقلها إلى المعنيين. الأمر لم يكن على هذا النحو قبل سنوات، فاللاجئات كن يُتركن لمصيرهن وعزلتهن".

دلالات