هل ستكون موجات الحرّ الأكثر فتكاً بأرواح البشر بعد كورونا؟

هل ستكون موجات الحرّ الأكثر فتكاً بأرواح البشر بعد كورونا؟

23 يونيو 2021
توقعات محدثة تحذر من موجات حر قاتلة في المدى القريب
+ الخط -

موجات حرّ قصوى تجتاح مساحات مترامية من دولة نامية كبيرة فتسبب وفاة الملايين من سكانها الذين لا يملكون وسائل وقاية. اللجوء إلى الظل لا يجدي نفعاً، والمساحات المائية أكثر دفئاً من الدّم الذي يجري في العروق.

هكذا تبدأ رواية خيال علمي صدرت حديثاً، لكن الرعب الذي تصفه وتقشعر له الأبدان قد يكون أقرب إلى العلم منه إلى رواية أدبية، بالاستناد إلى مسودة تقرير للأمم المتحدة يحذّر من نتائج وخيمة قد تصيب مئات ملايين البشر إذا استمر الاحترار على حاله من دون رادع.

نتائج وخيمة قد تصيب مئات ملايين البشر في حال استمر الاحترار على حاله من دون رادع

وكانت نماذج مناخية سابقة قد توقعت أنه يلزم نحو قرن من الزمن إذا استمرت الانبعاثات الكربونية على حالها لتوليد موجات حر تفوق قدرة البشر على تحملها.

لكن توقعات محدثة تحذر من موجات حر قاتلة في المدى القريب، وفق تقرير يقع في أربعة آلاف صفحة وضعته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، واطلعت عليه فرانس برس حصرياً قبل نشره في فبراير/ شباط 2022.

وترسم مسوَّدة التقرير صورة قاتمة، وقاتلة أحياناً، للاحترار المناخي على الأرض. فإذا ارتفعت الحرارة 1,5 درجة مئوية، أي أكثر بـ0,4 درجة مما هي عليه الآن، سيتعرض 14% من سكان العالم لموجات حر قصوى مرة واحدة على الأقل كل خمس سنوات، بحسب التقرير. وإذا ارتفعت الحرارة نصف درجة إضافية، يضاف إلى هؤلاء الأشخاص 1,7 مليار شخص.

وستكون المدن الناشئة الكبيرة في الدول النامية من كراتشي إلى كينشاسا، مروراً بمانيلا ومومباي ولاغوس وماناوس، أكثر المناطق عرضة للأضرار.

والحرارة المرتفعة ليست المعيار الوحيد، إذ إن الحر يصبح أكثر فتكاً عندما يترافق مع رطوبة عالية.

بكلام آخر، من الأسهل الصمود في ظل حرارة مرتفعة إذا كانت الأجواء جافة، أكثر منه إذا كان الجو رطباً جداً، حتى لو كانت الحرارة أدنى. فهذا المزيج الأشبه بحمام بخار له مقياسه الخاص لتحديد درجة الحرارة الذي يعرف بمقياس الحرارة الرطب البصلة.

ويتوافق العلماء على أن الإنسان البالغ السليم غير قادر على التكيف إذا تجاوزت حرارة البصلة الرطبة 35 درجة مئوية (تي دبليو)، حتى إن كان جالساً في الظل ومع إمدادات مياه شرب غير محدودة.

يشير كولن رايمند، الباحث الرئيسي في دراسة حديثة عن موجات الحر في الخليج إلى أنه "عندما تكون درجات حرارة البصلة الرطبة مرتفعة للغاية، هذا يعني أن ثمة الكثير من الرطوبة في الهواء بحيث يصبح التعرق غير فعال للتخلص من حرارة الجسم الزائدة".

وأوضح أنه "في مرحلة ما، ربما بعد ست ساعات أو أكثر، سيؤدي هذا إلى فشل أعضاء الجسم والموت في حال عدم وجود تبريد اصطناعي".

أزمات قلبية وغيرها

وسبق أن ظهر التأثير الفتاك لموجات حر رطبة مع درجات حرارة أقل، ولا سيما في صفوف المسنين والذين يعانون من أمراض. ففي يونيو/ حزيران 2015 أدت موجتا حر سجلتا 30 درجة مئوية بصلة رطبة في الهند وباكستان إلى وفاة أكثر من أربعة آلاف شخص. وفي عام 2003 كانت درجة حرارة البصلة الرطبة في موجة الحر التي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في أوروبا الغربية، أقل من ثلاثين. وكانت موجات قيظ في نصف الكرة الأرضية الشمالي في 2019، ثاني أكثر الأعوام حراً في العالم، قد سببت عدداً كبيراً من الوفيات، إلا أن البيانات حول درجات البصلة الرطبة لا تزال غير كافية.

وأفادت أبحاث صادرة عن "إنستيتوت فور هيلث متريكس أند إيفالويشن" بأن أكثر من 300 ألف شخص بقليل توفوا جراء الحر في العالم لأسباب متنوعة في 2019. فيمكن أن يعزى 37% من الوفيات المرتبطة بموجات الحر، أي أكثر من مئة ألف بقليل، إلى الاحترار المناخي، بحسب أنطونيو غاسباريني من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.

وثمة تفاوت كبير في هذه الحصيلة. ففي أكثر من عشر دول، بينها البرازيل والبيرو وكولومبيا والفيليبين والكويت وغواتيمالا، نسبة الوفيات الناجمة عن الحرارة المرتفعة بسبب التغير المناخي كانت 60 بالمئة أو أكثر.

ونتج معظم هذه الوفيات من نوبات قلبية والتجفاف بسبب التعرق الشديد، وغالبيتها كان بالإمكان تفاديها.

مدن معرضة 

وأفادت دراسة رايمند، بأن موجات الحر التي تخطت 27 درجة بصلة رطبة تضاعفت منذ عام 1979. وتوقعت دراسته أن تتجاوز "حرارة البصلة الرطبة 35 درجة بانتظام" في بعض المناطق في العقود المقبلة، إذا ارتفعت حرارة الأرض 2,5 درجة مئوية مقارنة بمستواها قبل الثورة الصناعية. وسبّب النشاط البشري ارتفاع حرارة الأرض 1,1 درجة حتى الآن.

وينص اتفاق باريس للمناخ المبرم عام 2015 على حصر ارتفاع الحرارة بأقل من درجتين، وإن أمكن 1,5 درجة. وحتى لو تحققت أهداف اتفاق باريس، من المحتمل أن يعاني مئات الملايين من سكان المدن في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب شرق آسيا من 30 يوماً من موجات حر فتاكة على الأقل كل عام بحلول عام 2080، وفقاً لتقرير خبراء الأمم المتحدة.

وقال ستيفن لوري، المؤلف الرئيسي لدراسة لا تزال قيد المراجعة العلمية، واستعان التقرير بأرقامها "في هذه المناطق، يتزايد عدد سكان المدن بشكل كبير، وخطر الحر الفتاك". وأوضح لوري أن حساباته لا تأخذ بالاعتبار ما يُسمى تأثير "الجزر الحرارية الحضرية"، الذي يضيف درجة ونصف درجة مئوية في المعدل خلال موجات الحر مقارنة بالمناطق المحيطة.

نقاط ساخنة

وتعد أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الأكثر عرضة لموجات حر، لأنها الأقل استعداداً للتكيف معها. وقال لوك هارينغتون، الباحث في جامعة معهد أكسفورد للتغير المناخي، إنّ "المراقبة الحقيقية للعالم والنماذج المناخية تظهر أن أفريقيا جنوب الصحراء نقطة ساخنة لنشاط موجات الحر".

أما في وسط الصين وآسيا الوسطى، فـ"يتوقع أن تقترب درجات حرارة البصلة الرطبة القصوى من العتبات القصوى، وربما تخطت العتبات الفيزيولوجية للتكيف البشري". ولن تكون منطقة المتوسط بمنأى عن توغلات قاتلة لموجات الحر.

وأشار التقرير إلى أنه "في أوروبا، سيكون 200 مليون شخص معرضين لخطر كبير جراء الإرهاق الناتج من الحرارة في منتصف هذا القرن إذا زادت حرارة الأرض بما يصل إلى درجتين مئويتين حتى عام 2100". وأوضح جيف ستاناواي، الباحث في "إنستيتوت فور هيلث متريكس أند إيفالويشن" أن الأمر الحاسم بالنسبة إلى معدلات الوفيات هو قدرة السكان على التكيف. وأضاف في تصريح لوكالة فرانس برس: "هناك حساسية أعلى للحرارة في أوروبا الغربية مقارنة بأميركا الشمالية". واعتبر أن هذا يعود إلى أنه "في أميركا الشمالية الجميع يمتلك مكيفات هواء وأبنية حديثة معزولة جيداً. إنه مجرد اختلاف في البنية التحتية".

فجوة تبريد

وعلى غرار الكثير من تأثيرات التغير المناخي، ثمة تفاوت في تحمّل عواقب موجات الحر. ففي البلدان النامية لا يتماشى مستوى التنمية الاقتصادية مع كلفة تبريد الأجواء، ما يؤدي إلى سباق بين الاحترار والقدرة على التكيف معه. ووصف أحد الباحثين الأمر بأنه "فجوة تبريد عالمية".

وتوصلت دراسة لتقنيات التكيف في هانوي إلى أن الكثير من الأشخاص لا يستخدمون أجهزة التكييف في غرف النوم بسبب كلفتها المرتفعة. والبعض يلفون أنفسهم بأغطية مبللة قبل الإخلاد إلى النوم خلال موجات الحر. ودرجات الحرارة المرتفعة ستنشر الأمراض وتخفض المحاصيل والقيم الغذائية وإنتاجية العمال وتجعل من العمل في الخارج نشاطاً يهدد حياة العامل.

لكن إذا أراد العالم تجنب أسوأ العواقب، فعلى الدول أن تحترم التزاماتها في اتفاق باريس وحصر ارتفاع الحرارة بدرجة ونصف درجة، بحسب خبراء. لكن حتى لو تحقق ذلك، ثمة عواقب وخيمة لا يمكن تجنبها، خصوصاً أن الحرارة ترتفع أكثر بمرتين من المعدل العالمي في الكثير من المناطق.

ونبّه تقرير الأمم المتحدة إلى أنّ "أطفال اليوم سيشهدون موجات حر قصوى تمتد لأيام أكثر يستحيل خلالها العمل في الخارج".

(فرانس برس)

المساهمون