مسودة "كوب 28": خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري وسط خيبة أمل

مسودة "كوب 28": خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري وسط خيبة أمل

11 ديسمبر 2023
ناشطون بيئيون رافضون للوقود الأحفوري (Getty)
+ الخط -

نصت المسودة الجديدة للاتفاق النهائي لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28)، التي نشرتها الرئاسة الإماراتية للمؤتمر اليوم الاثنين، على الدعوة إلى "خفض استهلاك وإنتاج الوقود الأحفوري" المسؤول عن القسم الأكبر من الانبعاثات الملوثة المسببة للاحترار العالمي، ما أصاب عدداً من الدول والمنظمات غير الحكومية المطالبة بالاستغناء عن النفط والغاز والفحم بخيبة أمل. يأتي ذلك في وقت أكد رئيس مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ سلطان الجابر أنه ما زال أمام مندوبي البلدان الذين يتفاوضون للتوصل إلى اتفاق قبل اختتام المؤتمر "الكثير من العمل". وقال خلال مؤتمر صحافي: "نعم، حققنا تقدماً ولكن ما زال أمامنا الكثير من العمل. علينا أن نصل إلى نتيجة تحترم العلم وتبقي في متناول اليد هدف حد الاحترار عند 1,5 درجة مئوية".

ويدعو النص بشكل خاص إلى "خفض استهلاك الوقود الأحفوري واستهلاكه في الوقت نفسه بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، على نحو يتيح الوصول إلى صافي الصفر (الحياد الكربوني) من الآن وحتى سنة 2050 وحواليها وقبل ذلك، بناء على ما يوصي به العلم". لكن لم تُستخدم كلمة "الاستغناء" عن النفط أو الغاز أو الفحم التي تمثل مصادر غازات الدفيئة

وفي ما يتعلق بالفحم، يدعو النص إلى "الحد بسرعة من الفحم المستخدم من دون احتجاز الكربون"، فضلاً عن "فرض قيود على التصاريح الممنوحة لمحطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم" من دون احتجاز الكربون، وهو ما يعد خطوة إلى الوراء مقارنة بالاتفاق المعتمد في 2021 في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو. عندها، لم يُسمح بإنشاء محطات جديدة لإنتاج الكهرباء تعمل بالفحم.

وترد في النص المؤلف من 21 صفحة فقرة تتناول التكنولوجيا "منخفضة الانبعاثات" ومنها الطاقة النووية وتقنيات احتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين "منخفض الكربون"، وذلك "من أجل تحسين الجهود المبذولة للاستعاضة عن الوقود الأحفوري من دون احتجاز (الكربون) في أنظمة الطاقة".

وتعكس هذه الصيغة ما جاء في الاعلان المشترك الذي صدر عن الولايات المتحدة والصين في نوفمبر، حيث تجنّب البلدان، المسؤولان عن 41 في المائة من الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة، التطرق إلى "الاستغناء" عن الوقود الأحفوري، واستعاضا عن ذلك بالقول إن الطاقات المتجّددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) ينبغي أن تحلّ محلّ الطاقات الأحفورية تدريجياً.

خيبة أمل

ويتضمن النص هدف مضاعفة الطاقات المتجددة ثلاث مرات على مستوى العالم ومضاعفة معدل التحسن في كفاءة الطاقة مرتين بحلول عام 2030. وفيما ينكب المفاوضون والمراقبون على دراسة النص، بدأت ردود الفعل ترد. وقال رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي، التي تمثل أكثر من ألف جمعية وتشارك في أعمال مؤتمر الأطراف كمراقب، هارجيت سينغ، إن النص الأخير "يمثل تراجعاً كبيراً مقارنة بالنسخ السابقة. من المستغرب أنه لم يعد يتضمن صيغة صريحة بشأن الاستغناء التدريجي عن الوقود الأحفوري".

من جهته، ندّد وزير البيئة في ساموا والرئيس الحالي لتحالف الدول الجزرية سيدريك شوستر بالمسودة بقوله إنها "غير كافية إطلاقاً. أصواتنا غير مسموعة في حين يبدو أن عدة أطراف أخرى استفادت من معاملة تفضيلية، ما قوّض الشفافية وشمولية العملية".
من جانبه، وصف أندرياس سيبر، من المنظمة غير الحكومية 350.org، الصيغ المقترحة بأنها "ضعيفة" مقارنة بالنصوص السابقة. وقال: "على الدول المنخرطة بالعمل المناخي أن ترفض هذا المقترح الضعيف، وتصر على التغييرات التي من شأنها أن تحدث تحولًا حتى يكون لها تأثير ملموس على تغير المناخ".

وقال مصدر من المفاوضين الأوروبيين إن هذا النص "بعيد عما يحتاجه المناخ اليوم. هناك شيء واحد واضح: لن نتوصل إلى ذلك الثلاثاء بحلول الساعة 11 صباحاً"، وهو الوقت الذي حدده رئيس المؤتمر سلطان الجابر للتوصل إلى اتفاق.
كما أشار لي شو، من مركز أبحاث جمعية آسيا، إلى أن النص لم يعد يتضمن خيارات بالنسبة لكل فقرة، على عكس المسودات الثلاث السابقة، ما يوحي أن سلطان الجابر عرض نصاً "إما أن يؤخذ به أو يُرفض"، على حد قوله.

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد دعا المفاوضين في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) إلى إظهار "أقصى قدر من المرونة وحسن النية"، لضمان الاستغناء عن "كل مصادر الوقود الأحفوري". وقال متوجهاً إلى الصحافيين، خلال المؤتمر المنعقد في دبي، إنه "لا بد" أن يلحظ النص النهائي، الذي ينبغي اعتماده يوم غد الثلاثاء، "الحاجة إلى الابتعاد عن كل مصادر الوقود الأحفوري وفق جدول زمني يتماشى مع 1,5 درجة مئوية" بصفتها الحد الذي ينبغي عدم تجاوزه للاحترار العالمي.

وفي مراعاة لمطالب الدول النامية بإتاحة مزيد من الوقت لها مقارنة مع الدول الغنية، قال غوتيريس: "هذا لا يعني أن جميع البلدان يجب أن تستغني عن الوقود الأحفوري في الوقت نفسه". أضاف: "نحن في سباق مع الزمن" للتوصل إلى اتفاق نهائي يصدر بتوافق في الآراء.

من جهته، حث مسؤول الأمم المتحدة للمناخ سيمون ستيل الدول على التكاتف من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي، في وقت تتواصل فيه الخلافات بشأن إمكانية الدعوة إلى التخلص من استخدام الوقود الأحفوري. وقال ستيل إنه أُحرز تقدم بشأن حل بعض الخلافات خلال اليوم الماضي، لكنه حذر من أن "كل خطوة إلى الوراء عن الطموح الأسمى ستكلف ملايين الأرواح". وقال ستيل في مؤتمر صحافي صباح اليوم الاثنين: "أزيلوا العوائق التكتيكية غير الضرورية من الطريق. لقد كان هناك الكثير منها طوال الرحلة". وقال إن هناك قضيتين رئيسيتين لا تزالان قيد المناقشة: مدى استعداد الدول الطموحة للتصدي لتغير المناخ، وحجم التمويل والدعم الذي ستقدمه لدعم هذا الهدف.

مطالبة بإنهاء استخدام الوقود الأحفوري (Getty)
مطالبة بإنهاء استخدام الوقود الأحفوري (Getty)

ويضغط تحالف من أكثر من 80 دولة، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول جزرية صغيرة، من أجل التوصل إلى اتفاق يتضمن حديثا عن "التخلص التدريجي" من الوقود الأحفوري، وهو عمل لم يُنجز خلال 30 عاما من مؤتمرات الأمم المتحدة. 

ويشهد كوب 28 ديناميكية غير مسبوقة للتخلي عن الوقود الأحفوري، رغم معارضة السعودية والغموض الذي يلفّ شروط التسوية المحتملة قبل 24 ساعة من انتهاء المؤتمر. 

وخلال 28 عاماً، نادراً ما انتهت مؤتمرات المناخ في الوقت المحدد. إلا أنّ الرئيس المعيّن لكوب 28 الإماراتي سلطان الجابر، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس شركة "أدنوك" النفطية العملاقة، وعد باتفاق "تاريخي" في 12 ديسمبر/ كانون الأول، وهو يوم الذكرى السنوية لإعلان اتفاق باريس.

وينصّ الاتفاق المبرم عام 2015 على حصر الاحترار العالمي بأقلّ من درجتين مئويّتين مقارنة بالحرارة التي كانت مسجلة في العالم خلال الفترة التي سبقت الثورة الصناعية، وإذا أمكن بحدود 1,5 درجة مئوية. وقال الجابر أمس الأحد: "على الجميع أن يتحلوا بالمرونة"، مضيفاً: "علينا أن نمضي قدماً أسرع بكثير".

سيختبر النصّ الجديد المرتقب اليوم الاثنين، والذي تتخلّله على الأرجح خيارات أو صيغ بين قوسين، قدرة الجابر على التوصل إلى حلّ وسط في الساعات الأخيرة. وحتى الآن، لم يُحرِز مندوبو الدول والوزراء تقدماً يُذكر على الرغم من المفاوضات الشاقة واللقاءات الثنائية الأكثر سريّة. وقال مصدر قريب من رئاسة كوب 28 إن الكتل تنتظر النصّ الجديد "للكشف عن أوراقها" الحقيقية.

الوقود الأحفوري والموقف السعودي

وتتمسّك السعودية، أول مصدّر للنفط الخام في العالم، والعراق وبعض حلفائهما بالموقف الرافض لخفض استخدام الوقود الأحفوري أو التخلي عنه، مسلّطةً الضوء على تقنيات احتجاز الكربون المثيرة للجدل وملوّحةً باحتمال اضطراب الاقتصاد العالمي.

ويرى المشاركون، سواء انتموا إلى منظمات غير حكومية أم كانوا مندوبي دول، أن الاتفاق لم يكن يوماً أقرب إلى الإيذان ببداية نهاية النفط والغاز والفحم، التي سمح حرقها منذ القرن التاسع عشر بالنمو الاقتصادي العالمي، لكنّ ثمنه كان ارتفاع حرارة الأرض 1,2 درجة مئوية.

(رويترز، فرانس برس)

المساهمون