مبادرة شبابية تحيي الإفطار الجماعي في غزة بعد كورونا: أجواء "لمّة رمضان"
علاء الحلو
يتجمّع عشرات الشُبّان داخل "استراحة رابعة" في مخيم جباليا للاجئين، شمالي قطاع غزة، على مائدة الإفطار وسط أجواء رمضانية، ضمن مبادرة شبابية تسعى إلى إحياء العادات القديمة التي تزيد من الترابط المجتمعي.
ويهدف الشباب من المبادرة، التي جرى تنفيذها الأربعاء، إلى زيادة الألفة والمحبة وكسر الحواجز والتعارف، إلى جانب خلق أجواء إيجابية، في تحدٍّ للأوضاع الصعبة التي يمر بها قطاع غزة المُحاصر منذ ستة عشر عاماً، والتي أثّرت على مختلف نواحي الحياة.
ويُحضِر كل شاب طعام الإفطار الخاص به ضمن المبادرة الشبابية المجتمعية "فطورك عليك والمكان علينا"، التي تؤمّن في المقابل اللوجستيات اللازمة لإنجاح النشاط وإتمام فقراته، ومن بينها مسابقة تفاعلية ومديح نبوي.
ولا يقتصر المشاركون في المبادرة التي انطلقت عام 2019 على شباب مخيم جباليا فقط، وإنما شارك فيها شبان من مختلف محافظات القطاع، فيما يتطلع القائمون عليها إلى تعميم الفكرة وصولاً إلى باقي المحافظات، كذلك إلى كل المدن الفلسطينية.
ويقول عمرو أبو ندى، وهو صاحب الفكرة، إنها جاءت عن طريق المُصادفة، حيث سافر إلى العديد من الدول، ومن بينها مصر التي تشتهر بـ"موائد الرحمن"، بما فيها من أجواء ألفة وتعاضد مجتمعي وأجواء جميلة، تقرّب الناس بعضهم من بعض.
وتنقسم "موائد الرحمن" إلى فكرتين؛ وفق حديث أبو ندى مع "العربي الجديد"، تقوم الأولى على تجهيز الطعام داخل خيمة إلى جانب الطرق السريعة لأصحاب السيارات المتأخرة، والثانية على تجهيز الطاولات داخل الأحياء والمجمعات السكنية، لإتاحة الفرصة للسكان لمشاركة طعام قاموا بطهيه داخل بيوتهم.
وجرى تطويع الفكرة لتتناسب مع العادات الفلسطينية، عبر مبادرة شبابية، داخل أحد الأماكن، يقوم خلالها كل شاب بتوفير طعامه، وذلك منعاً للإحراج، إلى جانب تعزيز جانب المُشاركة المجتمعية، وقد حضر المبادرة الأولى نحو 150 شاباً، فيما ساهمت بعض الشركات بالماء والتمر والحلويات والعصير والقهوة.
وتوقف تنفيذ المبادرة خلال العامين الماضيين 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا، وعدم سماح الوضع الوبائي لأي تجمعات تخالف المعايير المجتمعية والصحية، إلا أنه استؤنف تنفيذها في الحادي عشر من رمضان الحالي بعد انتهاء الإجراءات والقيود الحكومية الخاصة بتداعيات الوباء.
بدوره؛ يوضح صاحب الاستراحة التي استضافت المبادرة، إبراهيم رابعة، أنه رحّب بفكرة النشاط الشبابي منذ اللحظة الأولى لطرحه، و"ذلك لتعطش الشباب للأجواء المجتمعية التي تبعدهم عن المشاحنات السياسية وما تسببه من حالة سلبية عامة".
ويقول رابعة لـ"العربي الجديد" إنّ المُبادرة التي لا تنتمي إلى أي تنظيم سياسي "لاقت نجاحاً وصدى خلال تنفيذها للمرة الأولى، ما دفع أصحابها إلى معاودة التفكير في تنفيذها، إلا أن جائحة كورونا حالت دون ذلك خلال العامين الماضيين".
ويضيف: "الشعب الفلسطيني لم يخلق للقتل والموت، أو للسياسة والحروب فقط، مللنا من الحديث في السياسة، نحن بحاجة إلى الجلوس بعضنا مع بعض، وسط أجواء إيجابية تزيد من المحبة والأخوة والتفاهم، شعبنا يستحق العيش بكرامة".
أما الفلسطيني إسلام أيوب فيوضح أنه شارك في النشاط مع عدد من أصدقائه لكسر الأجواء التقليدية، والالتقاء بأصدقائه على مائدة إفطار واحدة تضم أهالي الحي، وسط أجواء جميلة تشعرهم بالمعنى الحقيقي لـ"لمّة رمضان".
بدوره، يوضح الفلسطيني خضر أبو دية، وهو من المُشاركين في النشاط، أنه "مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان من المهم أن ينتقل التعارف منها إلى أرض الواقع، من خلال الاجتماع على مائدة واحدة، يشارك فيها كل شخص حسب رغبته".
ويقول الفلسطيني أحمد عاشور، لـ"العربي الجديد"، إنّ مشاركته في النشاط إلى جانب عدد من الأصدقاء جاء لتغيير الأجواء التي اعتادوا عليها، مبيناً أنّ الإفطار في مكان عام، وفي الهواء الطلق، "يساعد الأشخاص على تكوين صداقات، والتخلّص من الشعور السلبي الذي تسببت فيه تداعيات الحصار الإسرائيلي الذي أثر على مختلف أشكال الحياة، إلى جانب أنه يظهر رغبة الفلسطينيين في خلق أجواء الفرحة رغم كل التحديات".
ويتطلع أصحاب المبادرة التي اختُتمت بالمديح النبوي والأجواء التفاعلية إلى أن تصبح نهجاً رمضانياً، وأن تستمر على ذات البساطة التي بدأت بها، في رسالة مجتمعية عنوانها التعاضد، ونبذ الاختلاف السياسي أو الجغرافي، والتوحد تحت المظلمة المجتمعية بعيداً عن الخلافات والتجاذبات.