لبنان: احتجاج رافض لمنع لباس البحر على شاطئ صيدا وآخر مضاد

لبنان: احتجاج رافض لمنع لباس البحر على شاطئ صيدا وآخر مضاد

21 مايو 2023
شاطئ مدينة صيدا وتظهر الشروط التي تفرضها البلدية على مرتاديه (محمود الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

تحوّل شاطئ مدينة صيدا في جنوب لبنان، صباح اليوم الأحد، إلى ساحة مواجهة. من جهة، وقفت مجموعات نسوية وأخرى مدنية تداعت للتحرّك احتجاجاً على الهجوم الذي تعرّضت له اللبنانية ميساء حانوني، الأسبوع الماضي، بسبب ارتدائها لباس بحر، أو ما يُعرَف بـ"المايوه"، ومن الجهة الأخرى كانت مجموعات رافضة بحسب قولها "تحدّي ثقافة المدينة وعاداتها وتقاليدها أو اختطاف هوية عاصمة الجنوب ونشر ثقافة العريّ على شاطئها الشعبي".

وكان "الاعتداء الصارخ" الذي تعرّضت له ميساء وزوجها، بحسب وصف ناشطين حقوقيين، قد أثار بلبلة واسعة وحالة غضب عارمة بين ناشطين وحقوقيين، وعدد من أهالي صيدا الرافضين صبغ مدينة بلون واحد والانزلاق بها نحو تشدّد تفرضه تيارات "لا تشبه روحيّة المدينة وثقافتها" ولا تاريخها النضالي من أجل الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور اللبناني.

واستغرب ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي كيف أنّ "المايوه" استفزّ رجال الدين وأتباعهم، في حين أنّهم لم يحرّكوا ساكناً أمام فظاعة جبل النفايات الذي يُربَط باسم المدينة منذ عقود، والذي تسبّب في تلويث مياه البحر، ولا أمام هول الأزمة المعيشية التي تعصف بالبلاد.

ودفعت الحادثة التي وُصفت بأنّها "مؤسفة" مجموعات نسوية وهيئات من المجتمع المدني إلى الإعلان عن تحرّكها اليوم تحت شعار "نرفض التنمّر، نرفض القمع، الشاطئ للجميع". لكنّ دعوات مقابلة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل تحرّك مضاد تحت شعار "مع العفة، مع الفضيلة، لا للتعري، لا للرذيلة... الشاطئ للجميع".

وعلى الرغم من إصدار رئيس بلدية مدينة صيدا محمد السعودي، مساء أمس السبت، تعميماً يقضي بمنع التجمّع والتظاهر، فإنّ المجموعات التي تداعت إلى التحرّك من الطرفَين لم تمتثل للقرار، ووقعت المواجهة. ووجهّت مجموعات "أهل العفة والفضيلة" شتائم وكلاماً مهيناً واعتداءات على المجموعات النسوية، الأمر الذي دفع القوى الأمنية والعسكرية وشرطة البلدية إلى التدخّل للفصل بين الطرفَين.

في هذا الإطار، أوضحت الناشطة النسوية حياة مرشاد لـ"العربي الجديد" أنّ "تحرّكنا يُعَدّ صرخة في وجه الاعتداء على النساء، وبالتالي يأتي للمطالبة بحقهنّ بالوجود في المساحات العامة بحرية مطلقة. لكنّه منذ إعلاننا التحرّك بدأت حملة تحريض علينا ودعوات عبر تطبيق واتساب، وحتى في المساجد، وقد وصفت (الجهات المحرّضة) المسألة بأنّها إعلان معركة، وبأنّ صيدا مدينة إسلامية ومدينة العفة والكرامة والأخلاق".

وقالت مرشاد: "رغم ذلك أصررنا على التحرّك للتعبير عن حقنا الطبيعي في النزول إلى الشاطئ، وللتأكيد أنّ لبنان دولة مدنية للجميع. لكنّنا فوجئنا بعشرات المتظاهرين من رجال دين ومواطنين منعونا من الاقتراب من الشاطئ واعتدوا على عدد منّا، متسبّبين في إصابات طفيفة. وكان هؤلاء يهتفون ضدنا طوال الوقت وينعتوننا بالسافرات والعاهرات والمثليات".

وإذ لفتت مرشاد إلى أنّه "ما من امرأة أو شابة كانت ترتدي لباس البحر اليوم"، أسفت لكون "مشهد النساء بالمايوه يستفزّ رجال الدين، في حين كان الشاطئ مفتوحاً اليوم للشبان والرجال بلباس البحر. فالنساء يملكنَ الحقّ في ارتياد الشاطئ بالطريقة التي تناسبهنّ".

أضافت الناشطة النسوية: "للأسف تعمّد الطرف الآخر إشراك نساء محجّبات ومنقّبات لتحويل القضية إلى استراتيجية نساء في وجه نساء. وهو ما أجبر النساء المحجّبات اللواتي كنّ يشاركنَ معنا على المغادرة، نتيجة الاعتداء اللفظي المباشر في حقهنّ، من قبيل قول: ضيعان حجابكِ فيكِ".

وتابعت مرشاد أنّه "عندما احتدم الوضع، تلينا البيان الصحافي (الذي كان معَدّاً) وانسحبنا تفادياً لمزيد من الاشتباك"، مشدّدة على أنّ "هذا الخطاب الإلغائي سوف يسقط يوماً ما". وأكملت "حاولنا التواصل مع البلدية، لكنّ الرئيس كان مصرّاً على قراره بمنعنا من الاقتراب من الشاطئ". وأشارت إلى أنّ "لافتات وُضعت، أمس السبت، للتذكير بالقواعد والشروط، من بينها الالتزام باللباس المحتشم، علماً أنّه شاطئ عام".

وكانت ميساء حانوني، الناشطة الصيداوية المعروفة برفقة زوجها في المسبح الشعبي للمدينة، عندما تعرّضت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي لاعتداء من قبل رجل دين ونحو 15 شخصاً آخرين، بسبب ارتدائها لباس البحر على شاطئ المدينة. كذلك عمدوا إلى رشقها وزوجها بعبوات مياه مملوءة بالرمل، بهدف ترهيبهما وطردهما.

يُذكر أنّ ميساء تقصد الشاطئ نفسه باستمرار منذ خمس سنوات.

من جهته، تحدّث المسؤول الإعلامي لهيئة العلماء المسلمين في لبنان الشيخ أحمد عمورة خلال التظاهرة المضادة لتحرّك الجمعيات النسوية والمدنية، وقال: "لم نكن نحبّذ افتتاح الموسم الصيفي بهذا الشكل المسيء لمدينة صيدا وتاريخها وأخلاقها وقيمها الدينية. فالشاطئ لكلّ الناس، لكنّه لا يُسمَح لتطرّفٍ من هنا أو من هناك أن يفرض إرادته على المدينة. وقد تواصلنا مع المعنيين لدرء الفتنة، ونرجو احترام قيم المدينة والحفاظ على واجهتها".

وكانت بلدية صيدا قد أصدرت بالتزامن بياناً ذكّرت فيه بـ"ضرورة التقيّد باللباس المحتشم ومنع إدخال المشروبات الروحية إلى المسبح الشعبي"، ورفعت لافتة كبيرة بهذا الخصوص عند مدخل الشاطئ.

وكشف مصدر من بلدية صيدا لـ"العربي الجديد" أنّ "المسبح الشعبي لم يُفتتَح رسمياً بعد، لكنّه بحسب القانون لا يحقّ لأيّ كان أن يمنع أيّ شخص من النزول إلى الشاطئ، والسباحة على مسؤوليته الخاصة، وباللباس الذي يريد. لكنّه في الوقت نفسه، يتوجّب علينا احترام خصوصية صيدا، تماماً كما نحترم خصوصية كلّ منطقة لبنانية ونراعي الجوّ العام. كذلك فإنّ لافتة الالتزام باللباس المحتشم ليست الأولى التي تُرفع عند الشاطئ، إذ سبق وضعها في السنوات السابقة".

وإذ شدّد المصدر نفسه على "تميّز صيدا بالعيش المشترك والانفتاح والحريات"، قال "نلتزم بما ينصّ عليه القانون وبقرارات البلدية. لكنّنا تفاجأنا بالحادثة وتواصلنا مع المعتدين، وما زلنا في طور معالجة المسألة".

وشرح أنّ "بياننا الأخير يأتي في سياق تنفيس الاحتقان وتهدئة الأمور والبحث في طرق العلاج الأنسب. فلا مصلحة لأحد بأيّ صدام فيما نحن مُقبِلون على موسم سياحي واعد".

المساهمون