كيف تجد الطيور طريقها؟

كيف تجد الطيور طريقها؟

06 ديسمبر 2020
طيور مهاجرة (يي يونغ ثو/ Getty)
+ الخط -

ربما تكون طيور الكركي أو الرهو التي تتجه جنوباً في أسراب على شكل حرف V، وتطلق صراخها ليلاً نهاراً أثناء عبورها، هي الصورة الكلاسيكية للهجرة في لبنان وغيره في هذه الأيام الخريفية. تميل الطيور التي تعشش في نصف الكرة الشمالي إلى الهجرة شمالاً في الربيع للاستفادة من تزايد أعداد الحشرات وبراعم النباتات ووفرة أماكن التعشيش. ومع اقتراب فصل الشتاء وتناقص الحشرات والمواد الغذائية الأخرى، تتحرك الطيور جنوباً مرة أخرى. يعد الهرب من البرد عاملاً محفزاً، ولكن العديد من الأنواع، بما في ذلك الطيور البالغة الصغر، يمكنها تحمل درجات الحرارة المتجمدة طالما توفر الإمداد الكافي من الغذاء. 
تطورت هجرة الطيور، خصوصاً ذات المسافات الطويلة، على مدى آلاف السنين، ويتم التحكم فيها جزئياً على الأقل من خلال التركيب الجيني للطيور. كما أنها تتطور إستجابة للمناخ والجغرافيا ومصادر الغذاء وعوامل أخرى، منها عدد ساعات طول النهار الذي يبلغ في أوروبا خلال الربيع أكثر من 16 ساعة، وهي كافية ليس فقط لجمع الغذاء لصغارها في العش، بل من أجل تنشيط هرموناتها الجنسية المرتبطة بنسبة ومدة دخول الضوء إلى عينيها، ومن ثم إلى دماغها وإلى غدتها النخامية، ومن خلال هذه الأخيرة إلى الغدد الجنسية. 
ويمكن للطيور المهاجرة أن تغطي آلاف الكيلومترات في رحلاتها السنوية، وعادة ما تسافر في المسار نفسه عاماً بعد عام مع القليل من الانحراف. وغالباً ما تقوم طيور السنة الأولى، أي الصغار اليافعة القادرة على الطيران، بهجرة لأول مرة بمفردها، أي أنها تسبق أهلها في التوجه نحو أماكن الإشتاء (السبات الشتوي) منطلقة من شمال القارة الأوروبية إلى جنوب القارة الأفريقية، قاطعة 8000 إلى 12000 كلم، فتعثر بسهولة على منزلها الشتوي على الرغم من عدم رؤيته من قبل، وتتمكن هذه الفراخ من العودة في الربيع التالي إلى المكان الذي ولدت فيه من دون أن يرشدها أحد.
في الواقع حتى اليوم، لم يتم فهم أسرار المهارات الملاحية المدهشة تماماً لهذه الطيور المهاجرة. ويعود ذلك جزئياً إلى أن الطيور تستخدم عدة أنواع مختلفة من الحواس عند التنقل. يمكن للطيور الحصول على معلومات البوصلة من الشمس والنجوم ومن خلال استشعار المجال المغناطيسي للأرض. كما تحصل أيضاً على معلومات من موقع غروب الشمس ووجود القمر ومن مواقع النجوم ومن المعالم التي شوهدت أثناء النهار كمجاري الأنهار والسواحل على البحر. ففي لبنان، تمر الطيور الحوامة على مسافة وسطية بين الساحل اللبناني ومجرى نهر الليطاني، أي على مسافة 7-12 كيلومتراً من البحر ومن النهر، معتمدة بذلك على نظرها القوي.
من جهة أخرى، هناك دليل على أن حاسة الشم تلعب دوراً في هجرة الطيور، على الأقل بالنسبة للحمام الزاجل وبالنسبة للنسور التي تمتاز عن غيرها من الطيور بقوة حاسة الشم. 
تتبع بعض الأنواع، خصوصاً الطيور المائية وطيور الكركي أو الرهو وطيور البجع المسارات المفضلة في هجراتها السنوية، وغالباً ما ترتبط هذه المسارات بمواقع التوقف المهمة التي توفر الإمدادات الغذائية الضرورية لبقاء الطيور مثل المستنقعات والبحيرات والأراضي الرطبة الأخرى، إذ إنها في لبنان تستخدم نهر الليطاني ومستنقع عميق وبحيرة القرعون لهذه الغاية. أما في فلسطين المحتلة، فإنها تستخدم بحيرة الحولة.
وتميل الطيور الصغيرة إلى الهجرة على جبهات واسعة عبر الموائل الطبيعية، وتكون هجرتها أسرع من الشمال إلى الجنوب، ولكنها أبطأ من الجنوب إلى الشمال لأنها تتلهى على الطريق ريثما تستشعر بأن الطقس سيكون جيداً لها في أماكن التفريخ. 

موقف
التحديثات الحية

وكشفت الدراسات في بداية القرن الماضي أن بعض الطيور تسلك طرقاً مختلفة في الربيع والخريف، عادة ما تكون على شكل عروة القميص للاستفادة من الأنماط الموسمية في الطقس والغذاء. على سبيل المثال، يفضل اللقلاق سلوك الجهة الغربية من لبنان في هجرة الربيع، بينما يقوم بسلوك السلسلة الشرقية والبقاع خلال هجرة الخريف. مع كل ذلك، ينبغي أن نعرف أن بعض أنواع العصافير اليتامى تفقد اتجاهها في غياب من يدلها على طريق الهجرة، وأن بعض العصافير الهجينة لا تعرف المسار الذي عليها أن تسلكه.
(اختصاصي في علم الطيور البرية)

المساهمون