عيد الفطر في لبنان: ترحّمٌ على ماضٍ جميل

عيد الفطر في لبنان: ترحّمٌ على ماضٍ جميل

23 ابريل 2023
تكلفة العيد باهظة على اللبنانيين (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

مع احتفال المسلمين بعيد الفطر، اقتصرت فرحة العيد في لبنان على من يتقاضون رواتبهم بـ"الفريش دولار"، و"محظوظين" بوجود مغترب في عائلتهم. طقوس وعادات بدّلتها الأحوال الاقتصادية الراهنة. فالعيد لم يعد كالسابق، والحلويات لم تعد أولوية والملابس الجديدة "مجرد ترف يمكن الاستغناء عنه"، أما الزيارات العائليّة فضيقة جداً، والمشاوير والمطاعم والأماكن السياحية والترفيهية، باتت من الماضي الجميل.

لم يبقَ من العيد سوى عيديّات الأطفال بالقدر المستطاع. وحتى زيارة المقابر للترحّم على الموتى لم تعد ممكنة في بلد يترحّم شعبه على نفسه، وهو حيّ يُرزق. يقول الطالب الجامعي هادي الفرو لـ"العربي الجديد": "تقتصر ضيافة العيد على المعمول، نظراً إلى ارتفاع سعر الشوكولاته. وحضّرنا مائدة العيد في المنزل، ولم نقصد مطاعم في ظل الغلاء الفاحش والتكلفة الباهظة للوقود. باتت المشاوير محدودة جداً والزيارات معدومة، وقررنا أن نكتفي ببضع زيارات عائلية، إذ لم تعد تستطيع العائلات معايدة جميع الأقارب، وأهل البلدة".
يضيف الشاب المتحدر من محافظة البقاع: "كبرنا على شراء ثياب العيد وتلقي العيديّة التي لن نحرم بالطبع أطفالنا منها. ووفق مشاهداتي، يبدو الوضع مقبولاً نوعاً ما بفضل دعم المغتربين والجمعيات الخيرية عدد من العائلات، أو لأن عائلات تملك دخلاً بالفريش دولار، ما يعزّز صمودها في ظلّ الأزمة، غير أنّ العيد ونمط حياة اللبنانيّين بشكل عام بات محصوراً بالطعام والشراب. كانت الناس قديماً تقصد منطقتنا لشراء الذبائح أو اللحوم، لكن هذه السنة اقتصرت الحركة على مغتربين طلبوا منا توزيعها على عدد من الأسر".
بدورها، تقول أميرة، وهي أم لثلاثة أولاد، لـ"العربي الجديد: "لا ثياب جديدة ولا عيد، فنحن أصلاً في حال حداد، لكننا نبقي على الأقل عادة تقديم عيديّات للأطفال علّنا نفرح قلوبهم وسط السواد الذي نعيشه من جراء الأزمة".
أيضاً تخبر مروة ناصيف "العربي الجديد" أن عائلتها كانت تستهل كل عيد بزيارة الجد والجدة من جانبي الأم والأب، ثم تكمل لفّة العيلة (جولة العائلة)، وتقول: "كنّا نقصد بيت جدّتي في الجنوب لقضاء أيام العيد في الضيعة (القرية)، أما اليوم فلم نستطع زيارتها لأن تكلفة الوقود باهظة للوقود، وهي قررت بدورها البقاء في منزلها ببيروت. إذ لا قدرة لأحد على زيارتها في بلدتها شبعا" (على الحدود مع الجولان وفلسطين المحتلين).
وتتابع الخرّيجة الجامعيّة التي تقيم في جبل لبنان: "قد تقتصر زياراتنا على جدتي، لكننا لن نزور الأقارب، وطبعاً لا مشاوير، ولا مطاعم، ولا سينما، ولا زيارات لمعالم سياحية، ولا حتى نزهة في البرية، وهي عادات كنّا نثابر عليها في ثاني وثالث أيام العيد. واليوم، انعدمت قدرتنا على توفير تكلفتها، فوالدي متقاعد من الجيش اللبناني وراتبه زهيد جداً".

الصورة
"مشاوير" أقل هذا العام (حسام شبارو/ الأناضول)
"مشاوير" أقل هذا العام (حسام شبارو/الأناضول)

وترى مروة أنّ "العيد فقد رهجته، وتتذكّر كيف كانت العائلة تجتمع في آخر يوم من الشهر الفضيل من أجل إعداد حلويات المعمول والكعك، لكن هذه السنة لم نحضّر شيئاً منها بسبب تكلفتها العالية، واكتفينا بشراء كميات قليلة جداً. وفعلياً تخلّينا عن الكثير من العادات، وتخطينا العيديّات التي كبرنا عليها قبل سنوات، علماً أنني ما زلتُ أذكر فرحتنا خلال طفولتنا عندما كانوا يعايدوننا بألف ليرة لبنانية (أقل من دولار أميركي قديماً) أو خمسة آلاف ليرة، أما اليوم فلم يعد لهذين المبلغين أيّ قيمة، ولم تعد العائلات تقدم هدايا أو عيديّات، كما جعلها الوضع الصعب تتخطّى عادة جلب مفرقعات نارية".

تضيف: "في السابق كنا نتحمّس لشراء ثياب العيد، ونقصد الأسواق بدءاً من منتصف شهر رمضان، ثم نفرح بارتدائها والتقاط صور والتجوّل بها خلال الزيارات أو الكزدورة، حتى أنّنا كنا نذهب مع أولاد خالاتي لأخذ صور العيد في استوديو". وتتحسّر الشابّة اللبنانية على "ما سبّبته الضائقة المالية من تداعيات سلبية طالت حتى قدرتنا على زيارة أحباء فارقوا الحياة، إذ كنّا نزور المقابر في الضيعة في أول أيام العيد، ونقرأ الفاتحة على أرواحهم، أما اليوم فلا ضيعة ولا من يحزنون".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويرى المهندس علي شحرور الذي يُقيم في بيروت، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ "العيد لم يعد كالسابق. كانت الظروف المعيشيّة أفضل وكان المواطنون مرتاحين، بينما همّ كل عائلة على قدّها (حجمها) اليوم، وبات الشعور بفرحة العيد يقتصر على أصحاب الدخل بالفريش دولار. وهكذا لم يعد الجميع يستطيعون تنفيذ زيارات العيد، بسبب غلاء الوقود، ولم تعد الحلويات أولوية، وبالكاد يستطيع البعض تأمين طعام أساسي. تغيّرت كل الطقوس والعادات، والطبقة الوسطى انعدمت بالكامل".
ويتذكر أيضاً أن "الأولاد كانوا يشترون الألعاب ومسدّسات الخرز، أما اليوم فلم يعد ذلك في المتناول فسعر مسدس الخرز مثلاً يقارب خمسة دولارات، أي ما يعادل 500 ألف ليرة لبنانية وفق سعر الصرف في السوق الموازية، وهو مبلغ كبير يفوق قدرة الأهل، خصوصاً إذا كان الدخل الشهري لرب الأسرة لا يتجاوز 8 ملايين ليرة لبنانية (نحو 82 دولاراً وفق سعر الصرف الموازي)".
ويقول الموظف جمال الرز من عكار (شمال) لـ"العربي الجديد": "يختلف العيد كثيراً حالياً على صعيد الزيارات والمشاوير في ظل ارتفاع تكاليف النقل، لذا قررنا أن نزور الأهل والعائلة الصغيرة، ومعايدة الباقين عبر الهاتف. فس السابق، كنّا نشتري المعمول بأنواعه الثلاثة إلى جانب الشوكولاته والملبّس، أما اليوم فاكتفينا بصنف واحد للضيافة، علماً أنّ تكلفة إعداد الحلوى في المنزل مرتفعة أيضاً".

ويتابع الأب لستّة أولاد: "كنّا نشتري ثلاثة ألبسة بعدد أيام العيد، في حين اشترينا لباساً واحداً حالياً. وكنّا نصطحب الأولاد إلى مدينة الملاهي ومحلات شراء الألعاب والمطاعم، في حين سنجعلهم يختارون مكاناً واحداً هذا العيد، وإذا أرادوا الحصول على لعبة سنشتريها من دون أن يكونوا معنا لتفادي أيّ إحراج من جراء الأسعار المرتفعة". ويختم جمال بتمنّي "الفرج القريب، وعودة لبنان إلى سابق عهده".

المساهمون