عادات رمضانية موروثة تقاوم التغيير في المغرب
يصر كثيرون في المغرب على التمسك بعاداتهم وتقاليدهم الخاصة في شهر رمضان، أو "سيدنا رمضان" كما يحلو لهم تسميته لتفضيله على بقية أشهر السنة، فيحرصون على جعل الشهر الفضيل مناسبة للتفرغ للعبادة، وعلى إحياء عادات وتقاليد موروثة رغم أزمة الغلاء غير المسبوقة.
يقول أستاذ التربية الإسلامية، أحمد البوشيخي، لـ"العربي الجديد": "نعيش في رمضان أجواء الصيام والتعبد، وإحياء تقاليد عمرها قرون. فضلاً عن توافد المصلين بكثافة على المساجد لتأدية الصلوات، خصوصاً صلاة التراويح، فإن المغرب يتميز بعادات روحانية من بينها الدروس اليومية في المساجد بعد صلاة العصر، أو بين صلاتي المغرب والعشاء، وفي شكلها الرسمي من خلال (الدروس الحسنية) التي تنظم منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، ويترأسها ملك البلاد، وتعرف استضافة علماء دين من العالم الإسلامي، ومن مختلف المذاهب الدينية".
ويوضح الباحث في مركز "معارف للدراسات والأبحاث"، مصطفى بنزروالة، أن المغاربة يولون أهمية كبيرة لشعيرة الصيام، وما يصاحبها من عادات وتقاليد؛ مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "رمضان يرتبط في المخيلة المغربية بكونه شهر التطهر والتوبة، وتنطلق التحضيرات والاستعدادات المادية والرمزية قبل حلوله بشهور، كما تزداد فيه الرقابة الأخلاقية الذاتية، وهو يرتبط في المخيال الجمعي بمجموعة من القيم والممارسات الروحية".
ويتابع بنزروالة: "صيام شهر رمضان عرف عدة تحولات تبعاً لتحول البنية الاجتماعية، وتبعا لتغير المنظومة القيمية، إذ نلمس نوعاً من تراجع الهالة التي كانت تسبق رمضان، وانتقال الممارسات التعبدية نحو الفردية، وتراجع قيم التضامن والتراحم إلى علاقات أكثر تعاقدية، ويتزامن ذلك مع تعالي الأصوات التي تطالب بحرية المعتقد، وإلغاء تجريم الإفطار العلني".
ويشير المرشد الديني، سمير بلمعلم، إلى تجدد عادات وتقاليد مغربية ورثتها الأجيال مع قدوم شهر رمضان، ويحاول المغاربة جاهدين الحفاظ على العديد منها، خصوصاً تناول الإفطار مع الأهل والأصدقاء، وقضاء الأوقات سوية بعد صلاة التراويح، ويضيف لـ"العربي الجديد": "أجمل الأوقات تكون مع العائلة والأقارب والأصدقاء حول مائدة الإفطار واحدة، وهذا العام حرصت كثير من العائلات على عادة اللمة، ومن عادات المغاربة أن يكون إفطار اليوم الأول عند كبير العائلة، ومع توالي أيام الشهر، تمتد العادة إلى بقية أفراد العائلة والأصهار والأصدقاء، خاصة في أيام نصف رمضان، وليلة 27 منه، والأمهات والجدات يشجعن الشباب على مواصلة تلك التقاليد".
وتبرز العادات الرمضانية المتوارثة في ليلة السابع والعشرين، والتي يعتقد كثير من المغاربة أنها توافق "ليلة القدر"، ويحرص كثيرون فيها، فضلاً عن قيام الليل والاعتكاف في المساجد، على إحيائها من خلال تقاليد وطقوس خاصة ما تزال معظم الأسر المغربية تحافظ عليها.
تقول حنان المرجاني لـ"العربي الجديد": "ليلة القدر مناسبة خاصة عند جميع المغاربة، والكل يحرصون على إحيائها من خلال تقاليد لا تتكرر في أية مناسبة أخرى، وهناك عادات أخرى متوارثة مثل الاحتفاء بالصوم الأول للأطفال، إذ تحتفل الأسر بهذا الحدث المميز من خلال تحضير أطعمة خاصة، وارتداء الملابس التقليدية عند الجلوس حول مائدة الإفطار، وإقامة مراسم منها أن يمنح الطفل الصائم بيضة خاصة يقشرها بنفسه ليفطر عليها، ويستتبعها بالحليب والتمر، وتخضب أيادي الفتيات بالحناء، ويتم تزيينهن بزينة العرائس، ثم اصطحاب الأطفال في جولات على مختلف مساجد المدينة، وتقديم الهدايا تحفيزاً لهم على ممارسة شعيرة الصيام".
وبينما يرتبط رمضان في الذاكرة الشعبية بتقاليد وعادات متنوعة، يحرص المغاربة المغتربون على العودة لقضاء بعض أوقات الشهر مع أهلهم. من بين هؤلاء المغترب لحسين فرات، والذي يقول: "رغم إقامتي في فرنسا، أحرص دائماً على استقبال رمضان مع أهلي في منطقة سوس (جنوب)، حيث التقاليد والعادات الروحانية حاضرة من خلال التئام سكان القرية ضمن ما يسمى (المعروف)، والذي يتمثل في منح الصدقات في ليالي رمضان، ويغلب على السمر الليلي الجانب الروحاني من الذكر والمدائح النبوية وشرح صحيح البخاري وتلاوة القرآن وختمه في العشر الأواخر".
ويضيف فرات لـ"العربي الجديد": "قرى منطقة سوس لا تختلف كثيرا عن باقي مناطق المغرب من حيث الطقوس التي تجسد روح شهر رمضان، والتي تتميز بتشبث سكانها بعاداتهم التي يمارسونها منذ القدم، وترسخ تقاليد الترابط الاجتماعي بين الأجيال".