طريق سيناء مليء بالكرم في رمضان

طريق سيناء مليء بالكرم في رمضان

29 مارس 2023
يتفقد أهالي سيناء بعضهم بعضاً خلال رمضان (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

لا يمكن أن تسير على الطرق الرئيسية في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، للقدوم إليها أو الخروج منها، خلال شهر رمضان، وقبل موعد الإفطار تحديداً، من دون أن تجد عشرات الشبان والفتيان الذين يتنافسون على تقديم وجبات إفطار خفيفة للصائمين من عابري الطرق.

ويشكل ذلك موروثاً تناقلته الأجيال طوال عقود ثم انقطع سنوات نتيجة الإرهاب الذي عطل نواحي الحياة في المحافظة. ويحضّر أبناء سيناء بعد صلاة العصر الماء والعصائر والتمور وبعض الأطعمة لتقديمها إلى المسافرين على الطريق الدولي الممتد من قناة السويس غرباً وصولاً إلى مدينة رفح شرقاً، والذي تعبره مئات من السيارات والشاحنات للانتقال بين سيناء وبقية المحافظات المصرية، وبين مدن شمال سيناء نفسها.

ويدرك عدد كبير من المسافرين وقت الإفطار وهم على طرق لا تتضمن معظمها محلات تجارية لشراء احتياجات الإفطار، لكن شبان وأطفال سيناء ينتظرون الصائمين لتقديم الإفطار لهم.
ويلقى كرم أبناء سيناء استحسان المسافرين على الطرق في شمال سيناء، لما يلقونه منهم من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة. وفيما تشق سيارات الطريق بين قسمين من صحراء شبه جزيرة سيناء "تلمع" أكياس الإفطار في أيدي الأهالي، في انتظار الضيوف القادمين أو الخارجين من سيناء.
يقول الشاب يوسف أحمد، من قبيلة البياضية، لـ"العربي الجديد": "اعتدنا منذ سنوات طويلة توزيع المياه والتمور والعصائر على طريق القنطرة. ويتسابق جميع سكان المناطق المحاذية لهذه الطريق على توزيع الإفطار. وهذه السنة مميّزة بالنسبة إلينا، إذ عدنا إلى المبادرة الأصيلة في سيناء، بعد سنوات من الغياب بتأثير انتشار الإرهاب الأسود والهجمات الدموية التي طاولت كافة المناطق حتى رمضان الماضي، والآن تلاشت وانتهت بعد سيطرة قوات الجيش والقبائل على الوضع الأمني في المحافظة".
يضيف: "لا يقبل أهالي سيناء أن يضعوا الطعام في أفواههم فيما يوجد أشخاص على الطرق لم يفطروا. نعتبرهم ضيوفنا الذين يجب إكرامهم، وتقديم ما يلزم لهم. ويبدأ توزيع المواد قبل نصف ساعة من أذان المغرب، ويستمر إلى ما بعد نصف ساعة أيضاً من صلاة المغرب لضمان تناول جميع الذين على الطريق الإفطار وكسرهم صيامهم. ثم يغادر الشباب والفتيان الطريق لتناول الإفطار مع عائلاتهم التي تنتظرهم في المنازل، وذلك بعد الانتهاء من مهمة إطعام عابري الطريق من مسافرين وعاملين، وكذلك العناصر الحكومية والطبية والأمنية التي تتحرك خلال ساعة الإفطار".

الصورة
حياة أبناء سيناء مليئة بالكرم في رمضان (مات موير/ Getty)
حياة أبناء سيناء مليئة بالكرم في رمضان (مات موير/ Getty)

ويشير يوسف إلى أن "الشبان الذين ينتظرون المسافرين على الطريق لتقديم وجبات الإفطار لهم يدعون كل من يقابلونهم للنزول واستكمال الإفطار في المجالس والمنازل الخاصة بهم وبعائلاتهم. وفعلياً تطبخ العائلات التي تقطن على الطريق كميات طعام أكبر من احتياجاتها تحسباً لوصول أي عابر سبيل أو من قد تتقطع بهم السبل خلال التنقل على الطريق الصحراوي.

وعائلات سيناء يسعدها جداً دخول ضيوف إلى مجالسها وتناولهم طعام الإفطار والسحور فيها، ولطالما كانت بيوتهم مفتوحة لقوات الأمن وطواقم الإسعاف خلال سنوات الإرهاب وعدم وصول الدعم اللوجيستي والمواد التموينية بشكل صحيح، وكذلك للمسافرين الفلسطينيين الذين يمرون في اتجاه معبر رفح المؤدي إلى قطاع غزة".
إلى ذلك، يتفقد أهالي مدن شمال سيناء بعضهم بعضاً، ويتبادلون أطباق الطعام بين المنازل لتأكيد أنهم بخير ولديهم ما يكفيهم للإفطار. يقول الحاج محمد الدويغري، الذي يسكن في منطقة بئر العبد، لـ"العربي الجديد": "يصنع أهالي بئر العبد المقتدرون الطعام ويوزعونه على منازل العائلات المتعففة، كما يتبادلون أطباق الطعام مع بقية البيوت لسببين، أولهما عدم شعور المحتاج أنه يتلقى الطعام وحده من خارج بيته، والثاني لتأكيد وجود طعام في كافة البيوت، ما يعني أنه عندما يرسل شخص طبق طعام لجاره يطمئنه بوجود طعام لديه، ويرد المتلقي بالإشارة نفسها عبر إرسال طبق طعام ممّا أعدّه لإفطار رمضان".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويوضح أن "التكافل الاجتماعي في سيناء نموذج يجب أن تحتذي به كل أسرة مصرية مقتدرة تستطيع أن تقدم ولو الشيء اليسير، وذلك من باب الشعور بحال الآخرين، فالوضع الاقتصادي السيئ في مصر يلقي بظلاله على سيناء أيضاً، لا سيما أن أهاليها انتهوا من موجات الإرهاب ثم اصطدموا بموجات الغلاء، لكن من دون أن تتغيّر عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بإكرام الضيوف في رمضان، والسؤال عن الجيران، وإطعام عابري السبيل"، ويشير إلى أنه "يجب تكريم هذه المبادرات العائلية والفردية والاحتفاء بها والعمل لتمددها في كافة مناطق وشوارع مصر".
يشار إلى أنّ من أبرز مظاهر شهر رمضان في سيناء إقامة موائد الإفطار وإقامة صلاة التراويح في المناطق المفتوحة، والجلسات العائلية والقبلية في مجالس الدواوين التي تشتهر بها سيناء، والولائم التي تقام يومياً، وذبح الخراف والجمال، إضافة إلى إعداد أكلة "القرصة" في ليالي رمضان، وزيارة العائلات بعضها بعضاً، والأسواق الشعبية، وكذلك الخروج إلى المناطق البرية خارج نطاق المدن، وتبادل الأطباق بين الجيران والأصدقاء.
وتعيش محافظة شمال سيناء ظروفاً حياتية سيئة للغاية منذ الحصار العسكري الذي فرض عليها خلال سنوات الحرب على الإرهاب، والتي توقفت فيها كل تفاصيل الحياة، فيما هدم الجيش المصري عشرات المصالح الاقتصادية التي كان يعيش منها المواطنون، وأزال آلاف المساحات الزراعية التي كانت بمثابة سلة غذائية تكفي سكان المحافظة مع تصدير جزء منها إلى بقية المحافظات المصرية، ما أدى إلى وجود جيش من العاطلين من العمل. وحتى الآن لا توجد أيّ خطة حكومية واضحة لمعالجة الآثار المعيشية للحرب على الإرهاب.

المساهمون