صدّ المهاجرين... صرامة الأوروبيين لن توقف المحاولات

صدّ المهاجرين... صرامة الأوروبيين لن توقف المحاولات

06 ديسمبر 2021
تطلب مساعدة للجوء إلى ألمانيا (صفا كاراشان/ الأناضول)
+ الخط -

بعدما شهدت الأيام الأخيرة غرق 27 مهاجراً سرّياً لدى عبور زورق صغير نقلهم عبر بحر المانش إلى السواحل البريطانية، وكشفت تقارير إعلامية اختناق أشخاص داخل حافلات وسيارات شحن، ومقتل آخرين لدى هروبهم من دوريات الشرطة، بدأ ممثلو دول الاتحاد الأوروبي مناقشة آليات التعامل مع اللاجئين وتحسين التعاون الأمني والقانوني والإنساني، واتخاذ تدابير أكثر صرامة ضد مهربي البشر الذين ينقلون المهاجرين بطرق سرّية من أجل جعل خططهم ومهماتهم أكثر صعوبة على صعيد التنفيذ، فيما يتكثف الحديث عن شبكات دولية تنشط في عدد من الدول الأوروبية.
وشرحت رسالة سرّية بعثتها الشرطة الأوروبية (يوروبول) إلى أجهزة الأمن في دول منطقة "شينغن"، كيف يعمل المهربون ضمن شبكات نقل المهاجرين السرّيين من الحدود بين بيلاروسيا وبولندا إلى غرب أوروبا. وأوضحت أن معظمهم من رعايا دولة ثالثة، مثل تركيا وأفغانستان وسورية وأوكرانيا وجورجيا، يعيشون في ألمانيا وهولندا، ويتلقون مئات من اليورو عن كل شخص ينقل إلى الحدود. كما توصل محققو "يوروبول" إلى أن المهربين يقدمون خدماتهم عبر منتديات مغلقة على الإنترنت، ويستأجرون شاحنات وحافلات تنقل المهاجرين السرّيين من مناطق تحدد لهم عبر رسائل هاتفية.
وأفادت صحيفة "دي فيلت" الألمانية بأن "المهربين يتعمدون بث شائعات تستهدف المهاجرين، وتتحدث عن وجود توجه وشيك لفتح الحدود والانتقال إلى بلد معين. وهذا ما علم به المهاجرون الذين قصدوا الحدود بين بولندا وبيلاروسيا حين تبلّغوا بأن وارسو وافقت على فتح الحدود. والشائعات هي محاولات يبذلها المهربون لجني مكاسب مادية من التقاط المهاجرين من المناطق الحدودية. وقد حذرت وزارة الداخلية الألمانية من فرض عقوبات جنائية على أي شخص يساعد مهاجرين على الدخول بلا نيل تصاريح".

موت واعتقالات
في غضون ذلك، تزداد التقارير عن موت مهاجرين داخل وسائل نقل. وعثر على أحدهم جثة هامدة في مؤخرة شاحنة صغيرة من نوع "رينو" ضمت أيضاً 30 لاجئاً عراقياً أقلهم سائق على طريق ترابي، قبل أن يفر ويعتقل لاحقاً في العاصمة الهولندية أمستردام، ويحال إلى القضاء.
وكشفت صحيفة "بيلد" الألمانية أيضاً أن سبعة مهاجرين، بينهم امرأة، قضوا في حادث سير حصل غرب اليونان، ونتج من فقدان المهرّب السيطرة على سيارة أقلتهم لدى محاولته الفرار من حاجز للشرطة التي كثفت في الفترة الأخيرة عمليات التفتيش على طول الطريق السريع الذي ينتقل المهاجرون عبره من منطقة نهر ايفروس على الحدود مع تركيا إلى غرب اليونان، ومنها إلى وسط أوروبا وغربها، وذلك لتفادي إجراءات تسجيلهم في أثينا خوفاً من إعادتهم لاحقاً إلى أول بلد أوروبي دخلوا أراضيه.

كذبة فتح بولندا الحدود أحد إغراءات المهربين (صفا كاراشان/ الأناضول)
كذبة فتح بولندا الحدود أحد إغراءات المهربين (صفا كاراشان/ الأناضول)

أيضاً، أوقفت الشرطة اليونانية ثلاثة مهربين مشبوهين، وحققت مع 17 آخرين بتهمة التواطؤ معهم في الاتجار بالبشر.
وفي النمسا، اعتقلت قوات الأمن 15 شخصاً يشتبه بتورطهم في نقل حوالي 300 شخص عبر مركبات قادها سائقون من مولدوفا وأوكرانيا وأوزبكستان تلقوا أجوراً شهرية، وعبروا بها من مناطق على الحدود بين صربيا والمجر.
وترجح تقارير تقاضي المهربين بين 2000 و3000 يورو (2263 و3395 دولاراً) عن كل شخص، فيما أوردت صحيفة "بيلد ام زونتاغ" أن الشرطة الألمانية اعتقلت 329 مهرباً بينهم 14 مواطناً أحضروا مهاجرين من بيلاروسيا.

دعوات لطرق هجرة قانونية 
ودعت منظمات إغاثة دول الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ تدابير حاسمة لإنشاء طرق قانونية للهجرة. وقال رئيس منظمة "لوبيرج دي ميغران" الفرنسية، فرنسوا غينوك: "تخفي الحكومات مسؤولياتها حين تتهم المهربين بنقل اللاجئين على طرقات خطرة"، فيما اعتبرت وكالة اللاجئين الكاثوليكية في باريس أن "السياسات المتبعة تروّج لشبكات التهريب"، ما يشكل دعوة صريحة لتأمين حماية قانونية للاجئين.
لكن ذلك لا يلقى صدى في القارة العجوز، إذ تعتزم المفوضية الأوروبية تعليق بعض أحكام اللجوء وحقوق الحماية للمهاجرين في بولندا وليتوانيا ولاتفيا لمدة ستة أشهر، ما دفع نشطاء حقوق الإنسان إلى دق ناقوس الخطر، مشددين على أن التعليق المؤقت "يشكل انتهاكاً مقلقاً للحقوق الأساسية للمهاجرين، ويسهّل ترحيل أصحاب طلبات اللجوء المرفوضة، وإبقاءهم طوال فترة النظر في طلباتهم في مراكز استقبال قرب الحدود لا يسمح لهم بمغادرتها".
وقالت منظمة "أوكسفام" إن "الاقتراح يضعف الحقوق الأساسية لطالبي اللجوء"، فيما وصفته منظمة "برو ازول" بأنه "مقلق جداً".

تفتيش عربة بحثاً عن مهاجرين في بولندا (ميتوس سلودكوفسكي/ فرانس برس)
تفتيش عربة بحثاً عن مهاجرين في بولندا (ميتوس سلودكوفسكي/ فرانس برس)

وتشير الشرطة الألمانية في بيانات نشرتها على موقعها الإلكتروني إلى أن 10425 شخصاً دخلوا سراً من الحدود البولندية إلى البلاد هذا العام، بينهم 5285 في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و2582 حتى 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، رغم أن الشرطة الاتحادية تنفذ بالتنسيق مع حرس الحدود البولندي عمليات تفتيش ومراقبة كثيفة في المناطق القريبة من الحدود.
كذلك، رصدت شرطة الحدود في ولاية بافاريا زيادة كبيرة في عمليات تهريب المهاجرين، والتي حددت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" نسبتها بـ 45 في المائة مقارنة بعام 2020. وأوضحت الشرطة أن رجالها عثروا على مهاجرين مختبئين في حاويات شاحنات على الحدود الجنوبية لبافاريا مع النمسا، علماً أن أجهزة الشرطة في دول أوروبية عدة باتت تستخدم جهاز الكشف عن ضربات القلب الذي يتعرف على الأشخاص المختبئين داخل الشاحنات، وطائرات مسيّرة لمراقبة حركة الاقتراب من النقاط الحدودي.

 
لائحة سوداء لوسائل النقل
وبعدما أكدت المفوضية الأوروبية عزمها على معاقبة شركات النقل التي تشجع الأشخاص على دخول بلدان الاتحاد بطرق سرّية، أقرّ الاتحاد عقوبات ضد متورطين في تهريب مهاجرين إلى بيلاروسيا ووضعها قيد التنفيذ بعد نشرها في الجريدة الرسمية الخاصة به، وشملت شركة الطيران الحكومية ومنظمي رحلات سياحية في بيلاروسيا، وكذلك شركة "أجنحة الشام" السورية.
وكانت رئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين تحدثت عن "أساليب غادرة تهدد الاتحاد الأوروبي، وترتبط باستدراج نظام الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو وأنصاره الناس إلى الحدود عبر استراتيجية تعتمد على منظمي رحلات سياحية ووكالات متخصصة ومخربين وشبكات إجرامية، وتقدم حزمة شاملة للرحلات تشمل التأشيرات والفنادق وسيارات الأجرة والحافلات، من أجل إيهام الناس وخدعهم بوعود كاذبة".

منظمات إغاثة تتهم حكومات أوروبية بإخفاء مسؤولياتها (صفا كاراشان/ الأناضول)
منظمات إغاثة تتهم حكومات أوروبية بإخفاء مسؤولياتها (صفا كاراشان/ الأناضول)

واقترحت فون ديرلاين وضع لائحة سوداء لوسائل النقل المتورطة، تنفيذاً للاتفاقات الدولية الخاصة بالاتجار بالبشر وتهريبهم، والتي يفترض أن تحدد أنشطة الشركات غير القانونية والعقوبات التي يجب فرضها عليها، وبينها إلغاء حقوق هبوط وتحليق الطائرات وإعادة تزويدها بالوقود، وحظر تعاون الشركات المخالفة لنقل البضائع والركاب بحراً وبراً مع موانئ دول الاتحاد الأوروبي، أو عبورها أراضيها.
واستناداً إلى ذلك، يجب أن تتوقع الشركات الخضوع لتحقيق وفرض عقوبات عليها في حال العثور على مهاجرين سريين داخل مركباتها ومقطوراتها. وقد تصل عقوبات المنع إلى عام، وتلحظ نشر أسماء الشركات الخاضعة للعقوبات في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي. لكن تقارير تتحدث عن أن هذه الخطوات لن تمنع جذب مزيد من المهاجرين، وعن وجود عدد كافٍ من الرحلات الجوية من روسيا لنقل المهاجرين إلى بيلاروسيا .

منصات التواصل "المحفّزة"
وتلعب منصات التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في تحضير مهربي البشر عمليات نقل المهاجرين، في مقابل أموال باهظة. وكتبت صحيفة "بيلد" أن "المهربين يسوّقون بشكل أساسي نشاطاتهم على موقعي فيسبوك وتلغرام، ويزعمون من خلال منشوراتهم أنهم يهرّبون مجاناً عشرات من المهاجرين يومياً من بيلاروسيا إلى بولندا، ما يزيد حماسة المهاجرين للتدفق إلى المناطق الحدودية بين البلدين. كما يسرّب المهربون معلومات عن فتح الحدود، وينشرون تعليقات توجه المهاجرين إلى التواصل مع أصحاب حسابات معينة على هذه المواقع، والتنسيق معهم من أجل مرافقتهم إلى الحدود والفجوات غير المنضبطة فيها. ويتقاضى هؤلاء 3500 يورو (3961 دولاراً) عن كل شخص".

وتضيف الصحيفة أن "شركة فيسبوك أكدت أنها ستلغي حسابات هؤلاء الأشخاص، ولن تسمح بنشر إعلانات ومنشورات وصفحات تقدم هذا النوع من الأنشطة أو تروجها أو تنسقها عبر منصتها". وتنقل عن متحدث باسم الشركة لم يكشف اسمه تأكيده أن "الإدارة تزيل أي محتوى يتناول هذه الأنشطة بمجرد العلم به".
وفي السياق، أبلغ متحدث باسم المفوضية الأوروبية "بيلد" أن "الاتحاد يدرك أن حملة التضليل التي ينفذها نظام لوكاشينكو تحصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي في البلدان المستهدفة. وقد أثيرت هذه المشكلة مع البلدان الأصلية وبلدان العبور من أجل وقف استغلال الديكتاتور لوكاشينكو للمهاجرين، ونشدد على أن تنظيم نشاط المنصات وقواعد محتواها وتشغيلها من مسؤولية كل دولة، ما يعني أن المنصات يجب أن تمتثل للتشريعات المحلية، وتخضع للإجراءات القانونية اللازمة في حال حدوث انتهاكات".

المساهمون