شركات التأمين تحلّ مكان الدولة في تونس

06 ديسمبر 2020
هل استطاع تأمين شيخوخته؟ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

يلجأ المواطنون التونسيون إلى شركات التأمين خوفاً على حياتهم وصحتهم ومالهم، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وخصوصاً أن صناديق الرواتب التقاعدية تواجه صعوبة في دفع رواتب الموظفين بعد بلوغهم سنّ التقاعد
وتكشف البيانات الرسمية للهيئة العامة للتأمين زيادة الإقبال على التأمين على الحياة والأموال بمعدّل 18 بالمائة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فيما زادت مدخرات التونسيين من خدمات التأمين من 221 مليون دينار تونسي (نحو 82 مليون دولار أميركي) عام 2013 إلى 507 ملايين دينار (نحو 187 مليون دولار) عام 2018.
ويدفع تقلّص الدور الاجتماعي للدولة المواطنين إلى البحث عن بدائل لتغطية مصاريف علاجهم وزيادة رواتبهم بعد سنّ التقاعد. ويعدّ التأمين على الحياة والأموال ثقافة جديدة لدى شريحة كبيرة من التونسيين الذين يعتبرون أن الدولة هي المسؤولة عن تأمين الخدمات الاجتماعية في مقابل الضرائب التي يدفعونها والمساهمات التي تقتطع شهرياً من رواتبهم خلال سنوات عملهم.  
ويؤكّد وكيل إحدى شركات التأمين، سيف الله الحنشي، أن التونسيين بدأوا ينخرطون في ثقافة التأمين على الحياة، مدفوعين بعوامل نفسية تجعلهم يبحثون عن وسائل للحماية الاجتماعية. يضيف لـ "العربي الجديد" أن الإقبال على خدمات التأمين على الحياة يظل، رغم ارتفاع نسبته، محصوراً لدى فئة معينة من التونسيين الذين يتمتعون بتأمينات عمل جماعية أو أصحاب الأموال، بالإضافة إلى أولئك الذين يستطيعون دفع بدل خدمات التأمين على الحياة. 

ويُرجَّح استمرار ارتفاع الإقبال على التأمين على الحياة، سواء كانت الدوافع اجتماعية أو نفسية أو اقتصادية. ويخلص إلى أن ثقافة التأمين لدى العموم ما زالت محدودة بشكل عام، خصوصاً لدى الطبقات محدودة الدخل بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطن التونسي، ما يحدّ من الهامش المتوافر لديه للادخار، وبالتالي من قدرته على اللجوء إلى شركات تأمين تساعده على الادخار.
وكانت أنظمة التقاعد الإجبارية توفّر للعمال في القطاع العام بدلات تقاعد محترمة تسمح لنسبة جيدة من المنتمين إلى الطبقة الوسطى تأمين نفقاتهم المعيشية وتغطية مصاريف علاجهم لدى التقدم في السن. إلا أن الأزمة المالية وعجز الصندوق عن دفع الرواتب دفعا المواطنين إلى البحث عن بدائل من خلال شركات التأمين، وخصوصاً أن دراسات اجتماعية تؤكد أن 40 في المائة من التونسيين يحتاجون إلى مساعدة ذويهم بعد بلوغهم سن التقاعد.

كانت أنظمة التقاعد الإجبارية توفّر للعمال في القطاع العام بدلات تقاعد محترمة


ويقول رضا السنوسي (41 عاماً) إنّه قرّر الاشتراك في خدمة التأمين على الحياة، ليدفع مبلغاً شهرياً قيمته 100 دينار (نحو 37 دولاراً) لشركة التأمين لمدة 10 سنوات، مشيراً إلى أنه اختار تأميناً متكاملاً ليضمن لنفسه تقاعداً مريحاً نسبياً. ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّه يتقاضى أجراً يقدّر بـ 1400 دينار (نحو 517 دولاراً) حالياً عن عمله في إحدى الدوائر الحكومية، فضلاً عن الحوافز والمنح السنوية. لكنّه يلفت إلى أن التضخّم جعله بالكاد قادراً على تأمين أساسيات العيش. ومن خلال شركة التأمين، حرص على الادخار على فترة طويلة، خوفاً من مصير مجهول قد يواجهه بعد التقدم في السن وتراجع دخله بعد التقاعد. ويقول إن المستقبل هاجس يشغل جلّ التونسيين، ولا سيما الطبقة الوسطى والموظفون في القطاع الحكومي، ممّن ظلوا لعقود طويلة تحت الرعاية الاجتماعية للدولة.

واقترح مشروع موازنة العام المقبل حوافز ضريبية جدیدة (الزيادة في  الامتيازات الضريبية على الادخار الموجه الى عقود التأمين على الحياة) لدفع قطاع التأمين قدماً، خصوصاً التأمين على الحياه. ویأتي ھذا الاقتراح في ظل عجز صناديق رواتب التقاعد عن تأمين ضمانات للمتقاعدین مستقبلاً، نظراً إلى الصعوبات التي تمرّ بھا خلال السنوات الأخيرة. 
وتقول الباحثة الاجتماعية صابرين الجلاصي، لـ "العربي الجديد"، إن شعوراً عاماً بالخوف من المستقبل يطغى على التونسيين بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وهو ما يفسّر مساعيهم إلى تأمين مستقبلهم خارج الأطر الكلاسيكية للنظام الاجتماعي للدولة. 
وترى الجلاصي أن التأمين على الحياة والأموال يُعَدّ إحدى وسائل الأمان التي يلجأ إليها التونسيون، علماً أنه ينحصر في فئة معينة، في وقت يُحرَم الفقراء حلولاً أو بدائل يمكن أن تساعد في ضمان شيخوخة مريحة لهم. تضيف أن الحكومة مطالبة بوضع استراتيجيات متماسكة وإجراءات شاملة حول الشيخوخة على مستوى السياسات العامة لتلبية الاحتياجات الصحية والاجتماعية لكبار السن والاستجابة لمطالبهم التي ستزداد مستقبلاً، معتبرة أنّ التأمين حلّ تكميلي وغير شمولي.

المساهمون