سلمى مخيمر... عادت لتزور عائلتها في غزة فارتقت شهيدة

غزة

آية شاهين

avatar woman.jpg
آية شاهين
آية شاهين
27 أكتوبر 2023
+ الخط -

كأي فلسطيني يتشبث بأرضه ووطنه، ويحن إليه ولأهله، توجهت الصحفية سلمى عمر مخيمر (31 عاماً)، التي تسكن في العاصمة الأردنية عمّان، إلى قطاع غزة بداية أغسطس/ آب الماضي، في زيارة مفاجئة لعائلاتها التي تقطن مدينة رفح جنوب قطاع غزة، من دون أن تعلم أنها الزيارة الأخيرة، هي التي ارتقت شهيدة مع طفلها الرضيع ووالدها ووالدتها وشقيقها واثنتين من شقيقاتها وعدد من الضيوف، خلال قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنزل عائلتها يوم الاثنين الموافق لـ 24 من أكتوبر/ تشرين الأول، في اليوم الثامن عشر للحرب على غزة.
الصحفية سلمى مخيمر الحاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية والصحافة والإعلام من الجامعة الإسلامية في غزة، غادرت البلاد عروساً، وزُفت إلى زوجها الدكتور علاء أبو شاور قبل ثلاثة أعوام في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني، ووضعت مولودها البكر علي في الثلاثين من أكتوبر 2022، من دون أن يتسنى لها أن تحتفل بعيد ميلاده الأول.
تروي صديقتها الصحفية مفاز يوسف، التي تسكن في الهند منذ سنوات، لـ "العربي الجديد"، حديثها الأخير مع رفيقة القلب والروح، قائلة: "كانت سلمى تقول لي الحمد الله مائة مرة أنني مع أهلي في الحرب، فذلك أهون من أن أموت مائة مرة في الغربة وحدي".

تتابع مفاز: "كانت سلمى تحب الحياة، وكنا نخطط معاً لما سنفعله لدى توجهي إلى غزة. وقررنا أننا سنذهب إلى البحر، فهو المكان الوحيد الذي لم يستهدفه الاحتلال بصواريخه بعد تدمير كل ما في غزة من مرافق ومعالم سياحية وترفيهية". وتوضح: "حلمنا بالذهاب إلى بوظة كاظم وفلافل السوسي ومناقيش الزعتر من الخولي وشراء القهوة من البسطات. أردنا أن نودع بعضنا البعض قبل أن تذهب إلى زوجها في الكويت، وأنا إلى أميركا، وقبل أن تبعد المسافات في ما بيننا".
وتقول: "سلمى فاجأت أهلها قبل أقل من شهرين، وذهبت إلى غزة من دون إخبارهم، وكانت تنوي البقاء لفترة محدودة على أن تعود إلى زوجها بعد انتهائه من تجهيز أوراق إقامتها هي وابنها في الكويت، وتثبيت عملها في إحدى المدارس"، مضيفةً: "كانت تحب الأطفال. بكاها الجيران الصغار والكبار، ونادوا عليها من تحت الردم. الجميع يحبها وكانت رائحة المسك تفوح من الشارع حيث استشهدت".
لم ينجُ من هذه المجزرة التي نفذها الاحتلال بحق عائلة عمر مخيمر سوى ابنته آيات التي كانت موجودة في بيت زوجها، وشقيقها موسى الذي ما زال يقبع في العناية المشددة في المستشفى الأوروبي ووضعه غير مستقر حتى اللحظة.

الصورة
الشهيدة سلمى مخيمر وصديقتها مفاز يوسف (العربي الجديد)
الشهيدة سلمى مخيمر وصديقتها مفاز يوسف (العربي الجديد)

استشهدت سلمى وابنها بين أحضانها ودفنا في قبر واحد، ودُفنت معها أحلامها بالاستقرار في الكويت وبدء حياة جديدة مع عائلتها الصغيرة، وكانت ترغب في إنجاب المزيد من الأطفال. وتقول مفاز: "ارتقت سلمى فجراً، ووصل جثمانها إلى المستشفى الإماراتي في رفح. من هول الصدمة، تواصلتُ مع زوجها لأخبره بالمصيبة، فرد علي: سايق عليك الله ما تقوليها (أستحلفك بالله ألا تقوليها)... ما أصعبها أن تخبر أحداً أن أحباءه رحلوا".
تضيف: "كان الخبر مفجعاً لكل من أحب سلمى وأهلها. كانت زهرة الدار، تحب الطهي وإعداد الحلويات وتوزيعها على الجيران. وكانت تحب مفاجأة صديقاتها بأعياد ميلادهن".
أما الزوج علاء، فيقول: "أنا ابن شهيد وزوج شهيدة وأب شهيد"، ورثى زوجته وابنه بالقول: "راحو الحبايب وما خبرونا،
راحوا ووراهم خلونا، وجعوا قلبي ووجعي الجبال ما تحملونا... يا سلمى يا رفيقة دربي ويا أم العيونا، كسرتي ظهري يا حبيبتي وطب الكون والله ما يجبرونا... يابا يا علي يا حبيب أبوك و يا ساكن جوا الجفونا، تركتني بأول الطريق يا حبيبي وأنا لسه ما فرحت في هالعيونا، ربي صبرني من عندك وأجبر كسري يا رب الكونا".

من جهتها، تتحدث صديقتها إسراء المدلل التي تسكن في العاصمة التركية إسطنبول، عن فاجعتها برفيقة دربها وصديقتها المخلصة التي عايشتها في مدينتها ومسقط رأسها رفح منذ أكثر من 15 عاماً، خلال المدرسة والجامعة، قائلة إنها "الأخت والسند في كل المراحل". تضيف: "سلمى كانت شاهدة على كل مراحل حياتي الصعبة وداعمة لي في كل خطوة. سلمى رفيقة الغربة، رفيقة الفرح والسعادة التي لم تنس للحظة أي شيء عايشته. سلمى كانت توثق ذكرياتنا الجميلة وخططنا ومحطات حياتنا. لا أحد كسلمى".
وتؤكد أن صديقتها الشهيدة محبة للحياة ومتمسكة بها، كانت قادرة على إسعاد نفسها بأي شيء، ولم تتوقف عن الاجتهاد والعمل والطموح. وتردف: "سلمي كحيلة العينين، طاهية محترفة، تحتفي بصديقاتها. كانت تجمعنا وتهون علينا مصاعب الحياة، وتعد لي كعكة عيد ميلادي وتفاجئني". وتشير إلى أنها غير قادرة على اختزال سنوات العمر الجميلة بعدد من الكلمات، موضحة أن رفيقتها الراحلة كانت شديدة التعلق بالأهل وابنها الذي عاد طيراً إلى السماء.
رحلت سلمى مخيمر تاركة خلفها حلماً بالسلام والحياة والأمل. رحلت مع عائلتها التي دفعها الحنين والاشتياق إلى زيارتها العام الماضي وقضاء أسابيع عدة معها، دون أن تدري أن القدر سيجمعهم شهداء في لحظة واحدة.

ذات صلة

الصورة
لا بهجة بعيد الأضحى في غزة، 15 يونيو 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يطلُّ عيد الأضحى هذا العام على أهالي قطاع غزة وسط أجواء من الحسرة والفقد والنزوح والبعد عن منازلهم، التي أجبروا مكرهين على تركها تحت تهديد القصف.
الصورة
الصحافية الفلسطينية مها الحسيني

منوعات

حصلت الصحافية الفلسطينية مها الحسيني على جائزة الشجاعة في الصحافة لعام 2024، التي تقدّمها المؤسسة الدولية لإعلام المرأة (IWMF)
الصورة
عشرات الشهداء في مجزرة مخيم النصيرات (محمد الحجار)

مجتمع

خلفت مجزرة مخيم النصيرات عشرات من الشهداء والجرحى الذين كانوا من بين الناجين من مجازر إسرائيلية سابقة، وآخرين عاشوا مرارة النزوح المتكرر والجوع.
الصورة
تظاهرات الدعم لغزة/من التظاهرة التي خرجت أمس في عمّان دعماً لغزة (العربي الجديد)

سياسة

خرجت اليوم الجمعة، تظاهرات الدعم لغزة وفلسطين في عدد من العواصم والمدن العربية، وتحديداً في الأردن والمغرب واليمن، ولا سيما بعد صلاة الجمعة.
المساهمون