وسط الحروب والنزاعات وما يرافقها من نزوح وتراجع في الخدمات الصحية والنظافة ونقص في المياه والغذاء وغير ذلك، يُسجَّل تدهور صحي بين المتضرّرين من تلك الأحداث. وهذا ما هو حاصل بالفعل في قطاع غزة المحاصر، راهناً، في ظلّ ما يتعرّض له الفلسطينيون من عدوان إسرائيلي متواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وفي حين تستغيث المستشفيات بسبب النقص في الإمدادات الخاصة بالمواد والمستلزمات الطبية والأدوية وكذلك بالوقود، يتعرّض النازحون في قطاع غزة لاضطرابات صحية وأمراض. ويأتي ذلك في ظلّ انعدام مقوّمات الحياة الأساسية والنظافة، وسط الاستهداف الإسرائيلي العنيف والحصار الخانق اللذَين يؤديان إلى انهيار المنظومة الصحية، الأمر الذي ينذر بتحوّل مراكز النزوح إلى بؤر للأمراض، لا سيّما تلك الجلدية وكذلك الأمراض التنفسية.
ويفيد نازحون فلسطينيون بأنّ أطفالهم أصيبوا بحالات إسهال وغثيان وبالسعال وارتفاع بالحرارة في مراكز الإيواء المكتظّة، علماً أنّ منشآت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تستقبل اليوم مهجّرين بما يفوق قدرتها الاستيعابية بأربع مرّات.
ومنذ 20 يوماً، يواصل الاحتلال الإسرائيلي شنّ غارات جوية مكثّفة على قطاع غزة أدّت إلى تدمير أحياء سكنية بأكملها وإلحاق أضرار بمؤسسات صحية وغيرها، مخلّفةً أكثر من سبعة آلاف شهيد ونحو 19 ألف جريح، إلى جانب نحو ألفَي مفقود تحت الأنقاض.
وفي تصريح إلى وكالة الأناضول، يقول رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف إنّ 70 في المائة من سكان القطاع نازحون ويعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة من جرّاء القصف الإسرائيلي. يضيف أنّ "1.4 مليون مواطن في غزة نزحوا إلى مراكز إيواء"، وهم موزّعون على 223 مركزاً، من بينها مستشفيات ومدارس وكنائس ومراكز رعاية صحية.
ويؤكد معروف أنّ العائلات الفلسطينية في مراكز الإيواء تفتقر إلى أدنى مقوّمات الحياة، في ظلّ العدوان على القطاع الذي قطع الاحتلال منذ بدايته إمدادات الكهرباء والمياه والوقود والعلاج.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية قد أعلنت، أمس الأربعاء، أنّ مراكز الرعاية الأولية في قطاع غزة سجّلت إصابات بأمراض وبائية، معظمها بين الأطفال. وحذّرت الوزارة، في بيان، من "موجة وبائية كبيرة قد تجتاح غزة ولا يمكن السيطرة عليها، بسبب البيئة غير الصحية التي يعيشونها (النازحون) من جرّاء الحرب".
ومنذ بداية العدوان، يقطع الاحتلال عن سكان قطاع غزة إمدادات المياه والغذاء والأدوية والوقود، الأمر الذي تعدّه منظمات عديدة، من بينها منظمة العفو الدولية، ممارسةً "قد ترقى إلى مستوى جريمة حرب".
النازح سلمان علي سالم عليوة (64 عاماً) يفترش اليوم مع عائلته رصيفاً يقع بجوار مستشفى، بحسب ما يقول لوكالة الأناضول، مشيراً إلى أنّ لا أغطية متوفّرة ولا فرش ولا مياه، وأنّ أطفاله يعانون من الحمّى في غياب الأدوية، حتى مسكّن الألم وخافض الحرارة. ويؤكد أنّ عائلته تشرّدت بعد استهداف منزلها، علماً أنّ زوجته مصابة بالشلل. يضيف عليوة أنّه "منذ 20 يوماً، لم أستحمّ وكذلك أولادي، ونحن ننام على الرصيف"، ويتابع: "نحضر زجاجتَين من المياه من المساجد القريبة يومياً".
من جهته، يشكو النازح إبراهيم النحال (28 عاماً) في مجمّع الشفاء الطبي بمدينة غزة من أنّ "الوضع سيّئ جداً"، مضيفاً أنّ "ابني مريض وعلاجه صعب في الوقت الحالي"، وكلّ ما يُقدَّم له هو خافض حرارة كلّما ارتفعت. ويلفت النحال إلى أنّ "الناس هنا يعانون من سعال متواصل"، متحدّثاً عن تدهور في المستشفى مع "عدم توفّر مياه ولا كهرباء ولا دورات مياه".
في هذا الإطار، يقول المتحدّث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة لوكالة الأناضول إنّ "آلافاً من المواطنين نزحوا بعدما أجبرهم الاحتلال الاسرائيلي على ترك منازلهم وسط القصف، وقد لجأوا إلى مستشفيات قطاع غزة". ويفيد بأنّ "أكثر من 50 ألف نازح هم في مجمّع الشفاء الطبي بمدينة غزة، وعشرات الآلاف في مستشفيات أخرى في القطاع وفي المدارس".
ويوضح القدرة أنّ "هذا كله يؤدّي إلى عدم توفّر البيئة الآمنة للسكان، وبالتالي انتشرت أمراض عدّة بين النازحين"، مضيفاً: "رصدنا أكثر من ثلاثة آلاف حالة من الأمراض الجلدية والأمراض المعدية". ويتابع أنّ "عشرات حالات مرض الجدري المائي رُصدت، علماً أنّ المرض معدٍ وينتشر بصورة كبيرة بين النازحين".
من جهة أخرى، يشير القدرة إلى أنّ "عدم توفّر المياه والمستلزمات الخاصة بالنظافة الشخصية يؤدّي إلى التهابات لدى الجرحى في المستشفيات التي نزح إليها المواطنون".
ويحذّر القدرة: "نحن أمام كارثة إنسانية وصحية وبيئية كبيرة سوف تكون لها تبعات خطرة على المستقبل في غزة". ويشدّد على أنّ "آثار العدوان على المستوى البشري والصحة العامة تهدّد مستقبل الحياة والمعيشة في القطاع على المستويَين الصحي والإنساني".
وفي ما يتعلق بالمساعدات التي وصلت إلى قطاع غزة عبر معبر رفح البري في الأيام الأخيرة، يقول القدرة إنّها "لا تلبّي الحدّ الأدنى من المتطلبات الصحية أو الإنسانية".
ويكمل القدرة: "أعلنّا انهيار المنظومة الصحية بالكامل نتيجة عدم توفّر الإمكانيات الطبية من مستلزمات وأدوية وعدم توفّر الوقود". ويلفت القدرة إلى أنّ ثمّة مستشفيات في غزة، على الرغم من أنّها تفتح أبوابها، فإنّها لا تقدّم الخدمات الصحية لمن يحتاجها من جرحى ومرضى، مبيّناً أنّ تلك المستشفيات صارت ملاذاً للعائلات النازحة.
وفي سياق متصل، تفتقر مراكز الإيواء التي يتكدّس فيها آلاف النازحين إلى النظافة، وتنتشر النفايات في كلّ مكان. كذلك تخلو تلك المراكز من المياه ومواد التنظيف والتطهير، ويشرب النازحون مياهاً ملوثة، بحسب ما أعلنت الجهات الحكومية في غزة. ففي مجمّع الشفاء الطبي مثلاً، يفترش النازحون الأرض فيما يفتقرون إلى المياه للاستحمام. أمّا في مدارس وكالة أونروا، فيفتقر كذلك النازحون إلى سبل النظافة من قبيل المياه والصابون ومواد التطهير.
(الأناضول، العربي الجديد)