زواج الأقارب في أفغانستان... اختيار للمشكلات

زواج الأقارب في أفغانستان... اختيار للمشكلات

30 ابريل 2024
المشكلات الصحية للأطفال في أفغانستان من نتائج زواج الأقارب (وكيل كوشار/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أفغانستان، الزواج بين الأقارب يواجه تحديات بسبب الأمراض الوراثية والمشكلات الأسرية، مع مقاومة المجتمع لتغيير هذه العادات رغم الإدراك المتزايد لضرورة التغيير.
- قصص مثل زينت ومحمد إلياس تبرز الآثار السلبية للزواج بين الأقارب، بما في ذلك الضغوط الأسرية والمادية التي تدفع بعض الأفراد للنظر في الزواج من خارج الأسرة.
- يرى عالم دين وزعيم قبلي أن الحل يكمن في تغيير التقاليد مثل الزواج من أقارب والعيش المشترك للأسر الكبيرة، لتحسين الصحة العامة والرفاهية الأسرية.

يخلّف الزواج بين الأقارب أمراضاً للأطفال ويتسبب في مشكلات أسرية. ويعتقد كثيرون في أفغانستان بأنه يجب تغيير هذه العادات، لكنها لا تزال موجودة في مجتمع تحكمه آراء خاصة تقيّد تطوره.

قبل عشر سنوات، تزوجت زينت ابن عمها محمد إلياس في ولاية بادغيس غرب أفغانستان، وكان يكبرها بـ 15 عاماً. كانت أسرة محمد إلياس فقيرة، ما جعله غير قادر على الزواج من امرأة من عائلة أخرى، فألح والده عليه أن يتزوج زينب، بنت عمه، وأجري الزواج بتكلفة قليلة جداً، وجمع عدداً محدوداً من الناس. 
الأهم أن الجميع فرحوا بزواج محمد إلياس الذي كان في الـ32 من العمر، ببنت عمه زينب (17 عاماً)، لأنه كان الابن البكر ومحبوباً لدى كثيرين. وفكر والد زينب بأن محمد إلياس ابن له إلى جانب كونه ابن أخيه.
وفعلاً لم يخذل محمد إلياس عمه في تنفيذ دور الابن، واعتبر زوجاً حنوناً لزينب التي كانت سعيدة في حياتها معه. وكانت المشكلة الوحيدة التي واجهها الزوجان مع باقي أفراد العائلة هي القلق من أن جميع أولاد زينب ومحمد إلياس جاؤوا معوقين إلى الدنيا، وهما حاولا أن يتعالجا لكن بلا جدوى. ذهبا إلى رقاة ومعالجين روحانيين، كما قصدا أطباءً وتوجهوا إلى مستشفيات، لكن كل ذلك كان بلا جدوى.
يقول محمد إلياس لـ"العربي الجديد": "سلكنا كل الطرق التي عرفناها أو التي أوصينا باتباعها كي نرزق بأولاد سليمين، لكن من دون فائدة. حين وُلد ابني الأول معاقاً قلنا إنه قدر، ثم حصل الشيء نفسه مع الابن الثاني فقصدت مع زوجتي أطباء في قندهار ثم كابول حيث رأينا أطباء وخضعنا لفحوصات لم تثمر عن شيء، ثم ذهبنا إلى باكستان حين كانت الأمور سهلة قبل سبع سنوات، وأعطانا أطباء أدوية، وقالوا لنا إن سبب مشكلات الإنجاب هو زواجي ببنت عمي".

وحالياً يواجه محمد إلياس مشكلة أكبر تتمثل في أن أسرته تلح عليه في الزواج مرة ثانية من خارج الأسرة هذه المرة، في حين يؤكد أنه يحب زوجته. ويقول: "أحب زوجتي حباً جمّاً، أفرح لفرحها وأحزن لحزنها، كما أحب أولادي رغم إعاقتهم. أحبهم أكثر من حياتي. وضعي المادي متواضع للغاية، والأسرة تضغط علي كي أتزوج، وهو ما لا أستطيع فعله في أي حال. لا أدري ماذا سأفعل، أنا في حيرة".
من جهته تزوج خليل الله من بنت خالته هنية قبل أكثر من ثمانية أعوام، وكانت العلاقات بين أمه وشقيقتها جيدة جداً، وأيضاً بينها وبين زوجته التي كانت تنظر إليها مثل ابنتها. وبقيت علاقة الحب والوداد بين أمه وزوجته في الأشهر الأولى من الزواج، ثم تغيّرت وتدهورت بلا سبب. 

زواج جماعي في هرات (محسن كريمي/ فرانس برس)
زواج جماعي في هرات (محسن كريمي/ فرانس برس)

ويقول خليل الله الذي يسكن في منطقة شينواري على الحدود بين باكستان وأفغانستان بولاية ننغرهار شرق أفغانستان، لـ"العربي الجديد": "كانت أمي تحترم زوجتي وتعاملها برفق وشفقة في الأشهر الأولى من الزواج، وهو ما كانت تفعله قبل الزواج أيضاً، لكن تغيّر فجأة وبلا سبب تعاملها مع زوجتي. كانت تغضب وتصرخ عليها كثيراً، وكانت زوجتي تسأل عن السبب، فسألت بدوري أمي مرات لماذا تفعل ذلك، وكانت ترد بأن زوجتي لا تعرف بأمور المنزل وكيف تطبخ، وأنها تخرّب المكان، وتتأخر في غرفة النوم ولا تنفذ أموراً أخرى لا تستحق عادة أن نتشاجر من أجلها. من هنا قلت لزوجتي أن تصبر وتتحمل لأنها أمي وخالتها أيضاً، ففعلت ذلك لكن أمي لم تهدأ وكانت تذهب لدى حصول أي شيء إلى خالتي (أم زوجتي) وتشتكي عندها، وهي كانت تعاتبنا بدورها وتغضب علينا. وعلى سبيل المثال كنت أنام خلال أيام إجازتي الأسبوعية حتى وقت متأخر في الغرفة وزوجتي معي، وكانت أمي تغضب وتسألني لماذا أستيقظ متأخراً، علماً أنني كنت أفعل ذلك خلال أيام الإجازة قبل الزواج، ولا تقول شيئاً لي. وهكذا تدهورت الأمور بمرور الزمن، وكانت زوجتي تبكي طوال الليل والنهار. كنا نتوقع أن تغضب أمي في أي لحظة، والحقيقة أنها لم تكن تتحمل أن يشاركها أحد المطبخ والمنزل.

بعدها استأجر خليل الله منزلاً لزوجته، وبات يدفع مصاريف منزلين، الأول لسكن أمه مع اثنين من أخواته، والثاني منزله مع زوجته، علماً ان المنزل الذي ورثه من أبيه وتعيش فيه أمه يتضمن الكثير من الغرف، لكنه مضطر أن يستأجر منزلاً له. وفي كل الأحوال تدهورت العلاقات بين أسرته وأسرة زوجته، لكن ذلك لم يؤثر على العلاقة بينه وبين زوجته.
ويقول عالم الدين الزعيم القبلي سيد شفقت الله لـ"العربي الجديد": "من أعراف الأفغان أنهم يعيشون مع بعضهم البعض حتى بعد الزواج، وبعد أن يكثر عدد الأولاد. من الطبيعي أن تحدث مشكلات فكلما زاد العدد زادت المشاكل. أيضاً من عادات الأفغان أنهم يتزوجون من أقاربهم، ما قد يتسبب في نزاعات أسرية ومشاكل اجتماعية جمّة. نحتاج إلى تغيير بعض التقاليد، وتوزيع الأسرة إلى أسر عدة لتجنب أن يكثر العدد وتتفاقم المشكلات فنتوزع اضطرارياً. أيضاً لا بدّ من تغيير عادة زواج الأقارب، والزواج من أشخاص بعيدين نجعلهم أقارب".

المساهمون