حرائق الأمازون... رئة الأرض والشعوب الأصلية في خطر

حرائق الأمازون... رئة الأرض والشعوب الأصلية في خطر

07 سبتمبر 2022
تُدَمر الغابات في البرازيل لمصلحة كارتيلات دولية (جواو بابلو غيماريش/فرانس برس)
+ الخط -

بالتزامن مع احتفال البرازيل حالياً بـ"يوم الأمازون"، تشهد أكبر غابة مطيرة على كوكب الأرض، حرائق مستعرة عادلت في خلال أربعة أيام فقط أكثر من ثلثي حرائق شهر سبتمبر/ أيلول 2021 بمجمله، والذي سجلت فيه 16.742 من حرائق الغابات.

ورصد المعهد الوطني لأبحاث الفضاء أكثر من 12 ألف حريق في منطقة الأمازون خلال الفترة من 1 إلى 4 سبتمبر، أي أكثر بنسبة 70 في المائة من العدد المسجل خلال هذا الشهر بأكمله من العام الماضي، بعد أن عرفت الغابات أسوأ شهر أغسطس/ آب منذ 12 سنة، ويُخشى من أنه إذا استمر تسجيل أكثر من 3000 بؤرة حريق كل يوم، فقد يكون شهر سبتمبر من الأسوأ في التاريخ.

وتقول منظمة "مرصد المناخ" غير الحكومية إن غابات الأمازون "تتعرض لهجمات مجرمين يتسببون، بتشجيع من الحكومة، في أكبر موجة تدمير للغابات منذ ما يقرب من عقدين من الزمن"، ويتهم دعاة حماية البيئة الرئيس اليميني جايير بولسونارو، والذي يسعى للبقاء في الحكم خلال الانتخابات التي ستُنظم خلال أقل من شهر، بإهمال الحفاظ على الأمازون لصالح أنشطة الزراعة والتعدين.
ومنذ وصول بولسونارو إلى السلطة في يناير/ كانون الثاني 2019، زاد متوسط إزالة الغابات في منطقة الأمازون في البرازيل بنسبة 75 في المائة مقارنة بالعقد السابق. ويتجاهل بولسونارو الانتقادات بقوله إن البرازيل "تحافظ على غاباتها أفضل بكثير من أوروبا". ويؤثر حرق واقتلاع مساحات ضخمة من غابات الأمازون، خصوصاً في البرازيل، سلباً على حياة البشرية، من خلال ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ما يعني أن رئة الأرض باتت تعاني بعدما فقدت الغابات المطيرة نحو 8 في المائة من مساحاتها.

في أواخر يوليو/ تموز الماضي، كشفت منظمة غرينبيس المعنية بشؤون البيئة، أرقاماً جديدة عن أحوال الغابات المطيرة في العالم. وأوردت أن النصف الأول من العام الحالي وحده شهد تدمير 3988 كيلومتراً مربعاً من غابات الأمازون، أي خمسة أضعاف مساحة مدينة نيويورك الأميركية. 
وإلى جانب تدمير الغابات ضمن عمليات، لا تستبعد منظمات بيئية حصولها لمصلحة كارتيلات دولية تخدم مشاريع تنفّذها شركات عملاقة، حيث تدمر هذه التصرفات حياة السكان الأصليين في مناطق الغابات أيضاً.
وتؤكد بيانات حديثة نشرها مركز أبحاث الفضاء البرازيلي اتساع نطاق التدمير الذي يدفع فرع "غرينبيس" في هذا البلد إلى تكرار اتهامه حكومة الرئيس جايير بولسونارو بـ"تشجيع الجريمة البيئية، والعنف ضد الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية". حتى أنّها وصفت بولسونارو في أحد تقاريرها بأنه "أخطر رجل في العالم"، وطالبت الاتحاد الأوروبي بوقف العلاقات معه. 

الصورة
تعتقد منظمات دولية بأن الحرائق المفتعلة واقتلاع الأشجار الضخمة لم يحصل بلا علم السلطات (ماتوس موربيك/ فرانس برس)
الحرائق المفتعلة واقتلاع الأشجار الضخمة لا يمكن أن يحصل دون علم السلطات (ماتوس موربيك/ فرانس برس)

فعلياً، تمتد الغابات المطيرة في أميركا الجنوبية على مساحة أكثر من خمسة ملايين كيلومتر مربع، وتتقاسمها عدة دول هي البرازيل وكولومبيا وفنزويلا والإكوادور وبوليفيا وغويانا وسورينام، وغوايانا الفرنسية، ما يعكس أهميتها في صحة الأرض. 
ومع مخاطر التغيّرات المناخية والتقلبات المتطرفة في مسار تيارات المحيطات، يؤثر انحسار رقعة الغابات سلباً في عملية تنقية الأجواء من الغازات الضارّة، ويزيد المخاطر على مستقبل البشرية على المدى البعيد، وتؤكد تقارير دولية أن مساحات الغابات التي أزيلت "تشير إلى فداحة ما تفعله البشرية بنفسها".
وبين عامي 2000 و2018 فقدت الغابات المطيرة في منطقة الأمازون البرازيلية أكثر من 513 ألف كيلومتر مربع من مساحتها، بحسب ما يكشف تقرير أصدرته "شبكة المعلومات الاجتماعية والبيئية للأمازون"، ما يشكل نسبة 62 في المائة من الغابات التي تقع في البرازيل. وقد دمّر الإنسان وحده 425 ألف كيلومتر مربع من هذه المساحة عن طريق افتعال حرائق أو اقتلاع أشجار ضخمة، علماً أنّ "غرينبيس" وشبكة المعلومات الاجتماعية والبيئية للأمازون استبعدتا حصول ذلك من دون علم السلطات.

وفيما ترى الشبكات المعنية بالحفاظ على الغابات المطيرة ومستقبل حياة السكان الأصليين في المجتمعات المحلية بالبرازيل، أن دوافع السلطات للتدمير هي المال فقط، لم تتردد حكومات، من بينها فرنسا، في اتهام حكومة البرازيل بتجاهل ما يحصل، وأكدت أن جني المال من الزراعة والصناعة والتعدين والأخشاب يقابله صدّ الناشطين والمهتمين بالحفاظ على الغابات، وتهديدهم بالقتل. 
وقد واجهت منظمات محلية ودولية قدمت خططاً لحماية الغابات المطيرة مقاومة كبيرة من المؤسسات الصناعية النافذة التي ساندتها الرئاسة البرازيلية ونخبة الحكام النافذين في البلاد، من خلال تسهيل قوانين الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين، ودعم إزالة أجزاء هائلة من الغابات لمصلحة مشاريعهم. 
وخلال الفترة بين أغسطس/ آب 2019 والشهر ذاته من عام 2020، اقتُلعت أشجار بمساحة لا تقل عن 11 ألف كيلومتر مربع، أي بمقدار مساحة دولة جامايكا، أو لبنان، علماً أن حجم الزيادة بلغ 9 في المائة عن أكبر مساحة اقتلاع منذ عام 2008، وفقاً لأرقام معهد أبحاث الفضاء البرازيلي.
وظلت دول مختلفة في العالم تموّل لسنوات مشاريع الحفاظ على الغابات المطيرة، ومنع التعديات عليها، وبينها غالبية الدول الإسكندنافية التي ضخت مليارات. وقدمت النرويج وحدها نحو مليار دولار لـ "مؤسسة الأمازون" قبل أن يحلها بولسونارو عام 2019 لمصلحة شركات تعدين وسعّت نشاطاتها في الغابات.
في خريف العام الماضي، تظاهر آلاف من السكان الأصليين أمام مكاتب الحكومة البرازيلية للاحتجاج على تدمير حياتهم والاستيلاء على الأراضي. ورغم أن هؤلاء مثلوا بحسب "غرينبيس"، نحو 140 قبيلة من الشعوب الأصلية، بدا أن حكم بولسونارو لا يأبه كثيراً لمآسي 350 مليون شخص من السكان الأصليين الذين تتأثر حياتهم بسياسات حرق الغابات المطيرة في دول أميركا اللاتينية، علماً أن معاناتهم ليست جديدة، بل بدأت مع بداية الاستعمار الأوروبي، إذ طرد عدد كبير منهم طوال أكثر من 100 عام لمصلحة مزارع التبغ ومشاريع الرجال البيض.

الصورة
يهدد انحسار رقعة الغابات مستقبل البشرية على المدى البعيد (كارل دو سوزا/ فرانس برس)
يهدد انحسار رقعة الغابات مستقبل البشرية على المدى البعيد (كارل دو سوزا/ فرانس برس)

وشهد عام 2012 تراجعاً في التعدي على غابات البرازيل، لكن الإجراءات تسارعت بإيقاع غير مسبوق مع وصول بولسونارو إلى الحكم، ووعده بزيادة صناعات التعدين والتنقيب، ومساحات الأراضي الزراعية وتلك المخصصة لتربية المواشي، إذ أصبحت السياسات أكثر عدوانية تجاه السكان الأصليين الذين يرفضون ما يجري.
والملاحظ أن الصراع المستمر منذ عقود بين شعوب اعتادت العيش في انسجام مع الطبيعة وبين الحكومات المتعاقبة في الدول التي تتشارك أجزاء الغابات المطيرة الأكبر في العالم، بات أكثر عنفاً وعدوانية، وأكثر كلفة على صعيد الأرواح. 
وأعلن مجلس التبشير الكاثوليكي المعني بحقوق الشعوب الأصلية في البرازيل مقتل 20 من دعاة حماية البيئة، وأشار إلى تزايد القتل بنسبة 63 في المائة خلال عام 2020. وأوضح تقرير أصدرته منظمة "غلوبال ويتنس" أن "75 في المائة من عمليات القتل حصلت في منطقة الأمازون، ولم تستهدف الناشطين والصحافيين فقط، بل طاولت عشرات من السكان الذين يرفضون سياسات الحكومة".
وقالت الباحثة النرويجية في مؤسسة شيشرو لسياسات المناخ في البرازيل، سولفاي أومودت، إن "113 عملية قتل من أصل 182 لم تفض إلى عواقب قانونية، إذ نفذت الاغتيالات في الليل غالباً حين تواجد الضحايا وحدهم"، وشبهت تلك الاغتيالات بما يجري في المناطق التي تسيطر عليها عصابات المخدرات في المكسيك. لكنّ الناشطين والمنظمات الدولية يراهنون على الانتخابات المقررة في الخريف القادم لإسقاط حكم بولسونارو، وإعادة البلاد إلى سياسة الحفاظ على الغابات المطيرة كما كان الحال عام 2012، لكن تزايد قوة المؤسسات الصناعية التي تمتد مشاريعها عبر الحدود، تخلق عقبات تتأثر أيضاً بالأزمات الاقتصادية المعيشية العالمية التي يتوقع أن تتفاقم في السنوات القادمة. 
وتفيد بيانات منظمة مراقبة البيئة في البرازيل بأن اقتلاع  أشجار الأمازون وحرق أجزاء هائلة منها زاد الغازات وثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي نحو 13 في المائة. ويقدر علماء عمر غابات الأمازون بـ 50 مليون عام على الأقل، ويشيرون إلى أن ثلث أنواع النباتات والحيوانات والحشرات المعروفة في العالم تعيش في تلك الغابات، وأن مليارات الأشجار والنباتات فيها تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وعندما تحترق الغابات المطيرة وتقطع، يتم إطلاق مخازن الكربون ليزيد الاحتباس الحراري.

وتقول أومودت إن "استمرار سياسة حرق وتدمير أشجار الغابات يعني فشل البشرية في السيطرة على الاحتباس الحراري، وفشل تحقيق هدف خفض ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية".

المساهمون