المقدسية نورة تقاوم للبقاء في منزلها رغم أنف المستوطنين

المقدسية نورة تقاوم للبقاء في منزلها رغم أنف المستوطنين

08 يونيو 2023
تعيش نورة وسط بؤرة استيطانية (العربي الجديد)
+ الخط -

في ما بقي من حجرات بيتها الكائن في عقبة الخالدية في البلدة القديمة من القدس، والمطل على المسجد الأقصى مباشرة، تعيش المرابطة المقدسية نورة صب لبن لحظات ترقب وانتظار لما سيحدث يوم الحادي عشر من يونيو/ حزيران الجاري، وهو الموعد النهائي الذي حدده لها الاحتلال لإخلاء بيتها لصالح المستوطنين الذين سبق أن استولوا قبل سنوات عدة على جزء علوي من المبنى وجزء آخر منه. أما شقتها، فتتوسط المبنى إلى جانب عائلات من المستوطنين.

لا تخفي نورة قلقها مما سيؤول إليه كامل العقار المتاخم للمسجد الأقصى، بعدما يستكمل المستوطنون استيلاءهم عليه كما استولوا خلال السنوات الماضية على عقارات عدة في الخالدية والسرايا، ورفعوا فوقها أعلامهم التي تشير إلى أن العديد من عقارات البلدة القديمة من القدس باتت عناوين لهؤلاء المستوطنين المحتلين.

موقع بيت نورة كما كل بيوت البلدة القديمة من القدس يتمتع بقيمة خاصة، إذ يطل على الصخرة المشرّفة. تقول لـ"العربي الجديد": "أرى الصخرة والقبة الذهبية من نافذة البيت، وأحتاج إلى خمس دقائق لأكون في المسجد الأقصى".

الحضن الدافئ

عاشت نورة حياتها في هذا البيت، وتصفه بأنه الحضن الدافئ الذي يضمها. واليوم، تواجه الحقيقة المرّة في انتظار الحادي عشر من يونيو/ حزيران الجاري. "أهلي إشي بالتربة، وإشي بالغربة، والبيت أسير، ويوماً ما سيرجع هذا البيت وترجع هذه الأرض"، تقول لـ"العربي الجديد" في منزلها. وتتحدث عن علاقة حميمة تربطها بكل حجر من حجارة البيت، تتلمس جدرانه التي كتبت عليها عبارات عن فلسطين والقدس والحرية.

تقول نورة: "من حقي العيش في بيت أمي وأبي، البيت الذي ولدت وتربيت فيه. توفي نصف أفراد أسرتي، فيما النصف الآخر في الغربة. وهذا البيت، حيث تسكن أرواح أهلي، يريدون حرماني حقي فيه. هل بعد هذا الظلم ظلم؟".

إصرار على الحق

ويدّعي المستوطنون ملكية العقار الذي تقيم فيه نورة، لكنها تقول: "لا أؤمن بأن لهم عقاراً واحداً في أرضنا. هم يكذبون ويزورون، بينما المجتمع الدولي يقف عاجزاً أمامهم. لماذا لا يقف المجتمع الدولي معنا؟ ولماذا هو يكيل بمكيالين؟ الغائبون بقوا غائبين. مع ذلك، استولوا على أملاكنا ويواصلون الاستيلاء عليها وسرقتها".

الصورة
منزل العائلة نورة (العربي الجديد)
منزل نورة من الداخل (العربي الجديد)

وتوضح نورة أن المعركة على هذا البيت ليست وليدة اليوم، بل تعود لسنوات طويلة، "استولوا على الجزء الأول من المبنى في عام 1976، وكان جيراني آنذاك من عائلة الكركي، ثم استولوا في عام 2010 على الحانوت الذي كان والدي يعتاش منه، ثم هم كالسرطان يواصلون استيلاءهم عليه جزءاً جزءاً"، تقول نورة.

وتشدد على أنهم إن سيطروا على منزلها، فإنه منزل أسير سيعود، وتقول: "أنا متشبثة بالأمل، دائماً ثقتي بربي كبيرة، يوماً ما سيرجع هذا البيت، وترجع هذه الأرض، لن تبقى حكومة الاحتلال، ولن تبقى سيطرتهم على أرضنا وحياتنا أو مقدساتنا".

معاناة بين الاستيطان

تعيش نورة اليوم وسط بؤرة استيطانية، وهي محاطة بالمستوطنين من كل ناحية. تقول: "فوق شقتي مستوطنون، وإلى جانبي مستوطنون أيضاً. وأسفل الشقة مستوطنون. ألقاهم صبحاً ومساءً ولا يتوقفون عن مضايقتي، وخصوصاً ربة العائلة التي تقطن فوق شقتي. في إحدى المرات، حين كنت في ساحة البيت، ألقت مياهاً عليّ. وحين سألتها: لماذا تفعلين ذلك؟ ردت: لماذا أنت في البيت؟ أخرجي منه، فهو ليس لك".  

الصورة
منزل العائلة نورة (العربي الجديد)
فقدت عائلة نورة الخصوصية (العربي الجديد)

فقدت عائلة نورة الخصوصية التي تتمتع بها كل البيوت بسبب الحضور الدائم للمستوطنين في المبنى، وبالتالي تضطر في كل حين إلى ارتداء المنديل (الحجاب) حتى لو خرجت إلى الساحة الداخلية للبيت. تعتقد أنه لا يمكن العيش أو التعايش مع المستوطنين المحتلين، فهم لا يريدون مسلماً ولا فلسطينياً واحداً في هذه الأرض، لكنها تؤكد: "نحن أقوى منهم، وجذورنا عميقة في أرضنا وفي قدسنا. هذه الأرض لنا ولن نخرج منها".

صرخة

عائلة المرابطة المقدسية أصدرت الشهر الماضي نداء مناشدة دعت فيه إلى التدخل العاجل والفوري لوقف تهجيرها من منزلها، الذي تعيش فيه نورة وزوجها السبعيني مصطفى صب لبن، بحجة أن المنزل "أملاك يهودية".

ولفت النداء إلى أن المنزل الذي تقطنه العائلة مستأجر من دولة الأردن منذ عام 1953، ويخضع للإجارة المحمية. وعام 2010، ادعت جمعية جاليتسيا الاستيطانية أن منزل العائلة وقف يهودي، فقررت محاكم الاحتلال إنهاء الإجارة المحمية للعائلة وإخلاء المنزل. وسبق ذلك جلسات عدة وقرارات مختلفة بدأت في ثمانينيات القرن الماضي، في محاولة لانتزاع ملكية المنزل.

الصورة
منزل العائلة نورة (العربي الجديد)
المعركة على هذا البيت ليست وليدة اليوم (العربي الجديد)

وفي سابقة حدثت مع العائلة عام 2016، أصدرت ما تسمى المحكمة العليا للاحتلال قراراً يقضي بمنع وجود الأبناء والأحفاد، "بهدف منعهم من المطالبة بحق الحماية كجيل ثالث مع بقاء الزوجين فيه لمدة 10 سنوات حتى عام 2026، لكنهم فوجئوا عام 2018 بالملاحقة وقضية إخلاء جديدة انتهت بقرار إخلاء نهائي، وتحديد دائرة الإجراء الموعد لذلك.

وتعيش عائلة نورة في مبنى ضخم، وقد استولي عليه خلال السنوات الماضية بيتاً تلو آخر، حتى باتت العائلة وحيدة داخل بؤرة استيطانية وتتحمل المضايقات والاستفزازات اليومية في سبيل الحفاظ على حقها فيه.

المساهمون