المغرب: مطالبة بمدونة خاصة بالمسؤولية الطبية

المغرب: مطالبة بمدونة خاصة بالمسؤولية الطبية

05 ابريل 2023
فحص روتيني داخل عيادة في المغرب (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

عاد ملف الأخطاء الطبية إلى الواجهة في المغرب، بعدما أثار وفاة طفلة في مدينة تطوان، شمالي البلاد، من جراء خطأ طبي أدخلها في غيبوبة، جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، تزامناً مع دعوات لإعداد مدونة خاصة بالمسؤولية الطبية بدلاً من الاعتماد على القانون الجنائي في محاكمة الأطباء.
وكانت الطفلة سلمى الياسيني (8 سنوات) قد لفظت أنفاسها الأخيرة في الثامن من مارس/ آذار الماضي، في مستشفى "سانية الرمل" في تطوان، بعدما ظلت نحو 80 يوماً في قسم الإنعاش تصارع الموت بعد خضوعها لعملية جراحية لاستئصال اللوزتين. وتحولت قصة الطفلة إلى قضية رأي عام، وتوالت البيانات المطالبة بإجراء تحقيق طبي لتفسير أسباب تدهور حالة سلمى ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال الذي طاولها، على اعتبار أن مثل هذه العمليات بسيطة، ويستغرب أن تنتهي نهاية مأساوية.

وفي وقت ارتفعت فيه أصوات غاضبة للمطالبة بفتح تحقيق في وفاة الطفلة سلمى وتحديد المسؤوليات، وفي ظروف العمل في بعض المستشفيات المغربية، دعت فعاليات صحية وقانونية إلى إعداد مدونة خاصة بالمسؤولية الطبية، بدلاً من الاعتماد على القانون الجنائي في محاكمة الأطباء.
في المغرب، تمكن متابعة مقترف الخطأ الطبي بمقتضى المادة 432 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن "من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله، أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلاً غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم".
وقد يؤدي الخطأ الطبي إلى تعرض المريض لجرح على اختلاف مستوياته. في هذه الحالة، تنص المادة 433 من مجموعة القانون الجنائي على أنه يعاقب الطبيب بعقوبة جنائية قد تصل إلى سنتين إذا ثبت أن الجرح أو الجروح ناتجة عن عدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم والقوانين التشريعية والتنظيمية لمهنة الطب. 
يقول الكاتب العام لـ"المنظمة الديمقراطية للصحة بالمغرب" محمد أعريوة، لـ"العربي الجديد"، إن "قضية الخطأ الطبي بالمغرب تتطلب إجراء أبحاث طبية وتقنية وقانونية نظراً للفراغ القانوني الذي تعرفه الساحة، الأمر الذي يجعل تحديد مفهومه وإشكالية التعامل معه ضرورة ملحة ومستعجلة يتعين فتح حوار وطني بشأنها، في ظل ما تعرفه المنظومة الصحية بالمغرب من تغيرات تتمثل في إرساء قوانين جديدة.

الصورة
هناك مطالبة بالتحقيق في ظروف العمل في بعض المستشفيات المغربية (فاضل سنا/ فرانس برس)
هناك مطالبة بالتحقيق في ظروف العمل في بعض المستشفيات المغربية (فاضل سنا/ فرانس برس)

وإذا كان مفهوم الخطأ الطبي في القانون الجنائي المغربي الحالي يشمل "كل إخلال يمس من خلاله الطبيب القواعد والواجبات اللازمة في ممارسة مهنة الطب، أي مجموعة المبادئ العلمية والتقنية الخاصة بمهنة الطبيب، والتي يعد التقيد والالتزام بها أمراً واجباً أثناء مزاولة مهنة الطب، إلا أن مفهوم ذلك الخطأ يبقى واسعاً، ولا يشمل فقط "كل عمل خاطئ يصدر عن الطبيب ومساعديه وجميع العاملين بقطاع الصحة أثناء ممارستهم عملهم اليومي، سواء في مؤسسة طبية خاصة أو عامة"، وإنما معطيات أخرى يمكنها أن تسهل أو تمنع وقوع الخطأ الطبي، بحسب أعريوة.
ويوضح أنه على الرغم من اعتماد المشرع على مجموعة من فصول القانون الجنائي المغربي، لا سيما المادتين 432 و433، إلا أن المداخلات القانونية لا تأخذ في الاعتبار معطيات ومتطلبات وظروف العمل، ما يفرض مزيداً من الاجتهادات القانونية والبحث العلمي والتقني. 
ويشدد على ضرورة إعادة تعريف مفهوم الخطأ الطبي، لافتاً إلى أن ظروف العمل والتكوين وتوفر آليات التشخيص وبروتوكولات العلاجات المتطورة تبقى حاسمة في محددات الخطأ الطبي. كما يؤكد ضرورة مواكبة العاملين بقطاع الصحة لكل ما يعرفه قطاع الصحة من تطور تكنولوجي ووسائل تقنية وتكنولوجية باعتباره أمراً ضرورياً لإمكانية تحديد مفهوم تعريف الخطأ الطبي. ويلفت إلى أن هناك التأثير غير المرغوب فيه للأدوية أو المستلزمات الطبية، والذي قد يظل لسنوات غير مشخص من طرف الهيئات العلمية قبل تحديده وإزالتها من السوق، ويكون قد ساهم في الكثير من الأخطاء الطبية.
ويرى أن عدم دمج هذه الظروف في رؤية المشرع القانوني في تعريف مفهوم الخطأ الطبي يجعل التعاطي معه بنظرة نسبية لا توازي التطور التكنولوجي للطب ولا تتماشى معه، معتبراً أن التكوين والتتبع لكافة التطورات الطبية ضرورة يجب توفيرها وتطبيقها من الدولة لكافة الطواقم الطبية والتمريضية، وهي مسؤولية الطرفين.

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهة أخرى، يقول أعريوة إن عدم دمج جميع الأسباب في مكونات الخطأ الطبي قد يساهم في خلق خوف لدى الطاقم الطبي في القيام بدوره أو بعملية، الأمر الذي قد يضر بمصلحة المريض، مؤكداً ضرورة العمل على إرساء رؤية جديدة للتعاطي مع أي خطأ طبي وقع من خلال تسهيل حصول المريض أو أسرته على التعويضات والمستحقات القانونية، وذلك من خلال إدراج المبالغ المالية المحددة لجبر ضرر الحادث عن الخطأ الطبي في جميع ميزانيات المراكز الإستشفائية أو المصحات الخاصة لصون حقوق المصاب أو أسرته.
كذلك، يجب على جميع مقدمي الخدمات الصحية في القطاع الخاص من أطباء وممرضين توفير تأمين عن الحوادث لفائدة المرضى في حال حصول خطأ طبي أو حادثة طبية، والتفكير في إنشاء مدونة الحوادث والأخطاء الطبية، يقول أعريوة.


 

المساهمون