المغرب: إجراءات "متأخرة" لمواجهة نقص المياه

المغرب: إجراءات "متأخرة" لمواجهة نقص المياه

25 يناير 2024
تثير مشكلات ندرة المياه مخاوف كبيرة في المغرب (كارل كورت/ Getty)
+ الخط -

باشرت سلطات أقاليم محلية في المغرب تطبيق تدابير مشددة لمحاربة السحب غير القانوني في شبكات توزيع مياه الشرب والآبار وينابيع المياه وقنوات الري، وتفعيل مراقبة المخالفات لاتخاذ إجراءات رادعة، لأن الوضع المائي يسير نحو الأسوأ. 

تسابق السلطات المغربية الزمن لمواجهة مشكلات ندرة المياه التي تثير مخاوف كبيرة باتت تلقي بظلالها على قطاعات حيوية عدة تواجه تحديات نقص المياه بعد سنوات من الجفاف.
وأصدرت سلطات أقاليم محلية عدة أخيراً قرارات استباقية وتدابير مستعجلة قررت تنفيذها بصرامة من اجل ترشيد استهلاك المياه، أبرزها جدولة كميات المياه التي تحصل عليها أحياء سكنية، وتقليص أيام عمل الحمامات ومحلات غسل السيارات، ومنع زراعة البطيخ.
ومنعت سلطات إقليم سيدي قاسم (غرب) ري المساحات الخضراء والحدائق العمومية، وغسل الشوارع والساحات العمومية، وأيضاً ملء المسابح الخاصة والعمومية أكثر من مرة واحدة سنوياً مع إلزامها بتركيب أنظمة لإعادة تدوير المياه.
أيضاً، أجبرت السلطات المحلية في إقليم بني ملال (وسط) الحمامات ومحلات غسل السيارات على الإغلاق 3 أيام أسبوعياً من الاثنين إلى الأربعاء، وحصر عملها من الخميس إلى الأحد.
وجاءت هذه الإجراءات بعدما كشف وزير التجهيز والماء نزار بركة، خلال جلسة مساءلة شفوية في البرلمان، أن الفترة بين عامي 2019 و2023 صنّفت بأنها بين الأكثر جفافاً بمجموع ضعيف جداً لواردات المياه بلغ 15.3 مليار متر مكعب، كما سُجلت أدنى واردات سنوية على الاطلاق في عامي 2021 و2022، والتي لم تتجاوز 1.98 مليار متر مكعب، ما انعكس سلباً على المخزون المائي في السدود، وساهم في تدني الكميات المملوءة.
وأكد بركة أن السنة الهيدرولوجية عرفت خلال الفترة الممتدة من الأول من سبتمبر / أيلول الماضي حتى 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، عجزاً في التساقطات المطرية قدرت نسبته بنحو 70 في المائة، ما انعكس سلباً على مستوى مخزون المياه في السدود الذي لم يتجاوز نسبة 23.2 في المائة حتى 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، بدلاً من 31.5 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي. ولم تتجاوز الواردات المائية في السدود 621 مليون متر مكعب أوجدت عجزاً مقداره 84 في المائة مقارنة بالمعدل السنوي لواردات الفترة نفسها من العام الماضي.
يقول رئيس جمعية "المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ"، الخبير في شؤون البيئة والمناخ، مصطفى بنرامل، لـ"العربي الجديد": "تأتي الإجراءات التي أقرّتها السلطات في سياق دعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال جلسة عمل خصصت لبحث إشكالية الماء في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، إلى إعادة النظر في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة ندرة الماء وحالة الإجهاد المائي التي تعيشها البلاد"، واعتبر أن "هذه الإجراءات استباقية لن تقتصر على منطقة بعينها، بل ستشمل كل مدن المغرب".

يضيف: "ستقلل هذه الإجراءات حجم استنزاف الفرشة المائية، وتؤثر إيجاباً في المواطنين الذين سينتبهون إلى معضلة ندرة المياه، وإلى أن مكافحتها لا تحصل فقط عبر تقليص استعمالها في الحمامات".
وكانت الحكومة المغربية وضعت في وقت سابق خطة طوارئ تتضمن مجموعة إجراءات على المدى القصير، منها التعبئة المثالية لموارد السدود والآبار ومحطات التحلية ، وإنشاء تجهيزات للطوارئ تسمح بنقل المياه والتزود بها، وتقييد استعمال مياه الري وكميات التوزيع كلما اقتضى الوضع.
أيضاً أعلنت الحكومة تسريع وتيرة إنجاز مشاريع مؤثرة على المدى المتوسط، خصوصاً السدود التي لا تزال في طور التشييد، ومشاريع الربط بين أحواض سبو وأبي رقراق وأم الربيع، والبرنامج الوطني لمحطات تحلية مياه البحر، وبرنامج إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، وبرنامج اقتصاد المياه الصالحة للشرب وتلك للري في شبكات النقل والتوزيع.

ترشيد استهلاك المياه هدف أساسي للسلطات المغربية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
ترشيد استهلاك المياه هدف أساسي للسلطات المغربية (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

ويرى رئيس جمعية "بييزاج لحماية البيئة"، رشيد فسيح، أن "الإجراءات الحالية مهمة لتعامل الوزارة ووكالات الحوض المائي والمكتب الوطني للماء والكهرباء ووكالات التوزيع والسلطات المحلية مع مشكلة ندرة المياه، وتدبير المخزون المائي المطلوب حتى الصيف المقبل"، لكنه يعتبر أن "السلطات الحكومية تأخرت في اتخاذ إجراءات التعامل مع الأزمات ومشكلات هدر الزمن التنموي والبيئي". 
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "لم تعالج الوزارات المتعاقبة أزمات الموارد المائية والندرة التي لاحظنا مؤشراتها قبل سنوات، علماً أن الجمعية دقت ناقوس الخطر خلال اجتماعات عقدتها مع الوزارة عام 2013، وقالت حينها إنه إذا كنا نتحدث عن إجراءات للتعامل مع معطيات خطيرة فكيف سيكون الحال بعد 10 سنوات أو 20 سنة. واليوم نقع في الإشكالية التي نبهنا اليها بعدما اطلعنا على مؤشرات التساقطات المطرية غير المنتظمة، وتتالي مواسم الجفاف وتداخل الفصول".
يتابع: "لم تنفذ السلطات واجباتها قبل عشر سنوات في حين تسارع الزمن حالياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على صعيد تدبير الموارد المائية الضئيلة للتزود بمياه الشرب، لكن هذه الخطوة، تأتي متأخرة كثيراً لأسباب موضوعية عدة منها أن ترشيد استهلاك الماء يجب أن يكون ضمن سلوكيات يومية للمزارعين والعاملين في المقاولات والوحدات الصناعية والإدارات العمومية والخاصة والمواطنين، وليس إجراءً مرحلياً فقط. كما أن التربية على اقتصاد الماء وحماية البيئة والتكيّف مع التغيّرات المناخية يجب أن يكون سلوكاً تربوياً في مقررات الدراسة".

ويلفت فسيح إلى تأخير أعمال بناء محطات لتحلية مياه البحر التي كانت موضع دراسات قبل عقود، كما يتحدث عن تراجع الفرشاة المائية الجوفية والسطحية للموارد الاعتيادية نتيجة الاستغلال الفلاحي غير المستدام، وتوجيه نحو 90 في المائة من الموارد للفلاحة في ظل تراجع خطير لمتوسط التساقطات المطرية عاماً بعد عام.
ويعتبر فسيح المغرب من بين البلدان التي تشهد إجهاداً مائياً مرتفعاً جعله يحتل المركز 22 بين 164 بلداً في تقرير أصدره معهد الموارد العالمية.
وقدّر تقرير نشره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المغربي (مؤسسة دستورية استشارية) عام 2019 نسبة الفرد من الموارد المائية في المغرب بأقل من 650 متراً مكعباً، مقارنة بـ2500 متر مكعب عام 1960. وتوقع التقرير حينها أن تنخفض حصة الفرد عن 500 متر مكعب بحلول عام 2030. وأشار أيضاً إلى أن الدراسات الدولية تظهر أن التغيّرات المناخية قد تتسبب في اختفاء نسبة 80 في المائة من موارد المياه المتاحة في المغرب خلال 25 سنة. 

المساهمون