المصريون في السودان... عالقون يحاولون المغادرة بجهود ذاتية

المصريون في السودان... عالقون يحاولون المغادرة بجهود ذاتية

25 ابريل 2023
تكتفي سفارة مصر في الخرطوم بتكرار نصائح وتحذيرات (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

مات الشاب المصري صابر في غربته بالسودان الذي يشهد اشتباكات دامية قبل أن يكتمل حلمه بأن يصبح طبيباً عقب تخرجه من كلية طب الأسنان بإحدى الجامعات السودانية. كانت الوفاة بسبب غيبوبة سكر، حسب رفقائه في السكن، والذين نقلوا وصيته في مقاطع فيديو، إذ كان طلبه الأخير أن يُدفن في مصر.
حاول رفقاء السكن والدراسة جهدهم توفير سيارة لنقل الموتى تحمل جثمان صديقهم الراحل إلى مصر عبر الطريق البري، رغم العثرات والمشاق المحدقة بالرحلة التي لن تكون آمنة، ربما حتى على جثمان صديقهم الميت، لكنه على الأقل لن يشعر بتلك المخاطر وهو في طريقه إلى مثواه الأخير.
على صفحات خاصة بالمصريين في السودان في موقع "فيسبوك"، وفي تعليقات أسفل منشورات لسفارة مصر بالخرطوم، كرر عشرات المغتربين المصريين الشكوى من تقصير السفارة بحقهم، وعدم قيامها بأي مساع لإجلائهم منذ بداية الأزمة، كما فعلت سفارات دول أخرى، وذلك في ظل تسارع عمليات إجلاء الرعايا لحمايتهم من تبعات النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وفي معرض تبرير إرجاء الإجلاء، يقول بعض مؤيدي النظام إن السبب يعود إلى "دواع أمنية"، إذ تخشى الحكومة المصرية من كون كثير من الموجودين في السودان من المعارضين، أو ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، رغم أن القاهرة لطالما طالبت الخرطوم بضرورة تسليم المعارضين والمطلوبين، وجرى قبل شهور اعتقال معارض مصري من على متن طائرة كانت متجهة من السودان إلى دولة أخرى أثناء "ترانزيت" في مطار الأقصر.
يحاول المصريون الاعتماد على جهودهم الشخصية للفرار إلى الشمال، ويتواصلون معاً بشأن توفير الحافلات، ومناطق التجمع، كما يواصلون الاطمئنان على بعضهم بعضاً، وتبادل المساعدات المعنوية والمادية بعدما تقطعت بهم السبل، ونفدت أموال كثيرين منهم، وخصوصاً الطلاب الذين يدرسون بالجامعات السودانية، وسط تساؤلات عن غياب أي دور للسفارة المصرية.

الصورة
شكاوى من تجاهل سفارة مصر في الخرطوم للجالية (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
شكاوى من تجاهل سفارة مصر في الخرطوم للجالية (أشرف شاذلي/ فرانس برس)

عقب وفاة الطالب صابر، أصيب أحد موظفي السفارة المصرية في الخرطوم بطلق ناري خلال الاشتباكات الدائرة، وقيل إن ذلك حدث أثناء مساع للمساعدة في إجلاء المصريين، بحسب تصريح صحافي للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية  أحمد أبو زيد، نشرته الصفحة الرسمية للوزارة في موقع "فيسبوك"، من دون الكشف عن اسمه أو حالته الصحية.
وأكد أبو زيد أن "إصابة عضو السفارة تشير إلى أن العقيدة وميثاق العمل الراسخين لدى الدبلوماسي المصري تفرض عليه أن يكون آخر من يغادر ميدان عمله بعد الاطمئنان على استكمال عملية إجلاء كل من يرغب من أعضاء الجالية في المغادرة"، وضرب مثالاً على ذلك بما حدث أخيراً في دول مثل ليبيا وأفغانستان وأوكرانيا، حيث نجحت سفارات مصر في إتمام عمليات الإجلاء الآمن للجالية المصرية.
وفي معرض رده على استفسار من عدد من المحررين الدبلوماسيين حول الموقف بشأن عملية إجلاء المصريين من السودان، وأعضاء البعثة الدبلوماسية والبعثات الفنية الرسمية، أوضح أبو زيد أن "الدول التي لديها أعداد كبيرة من المواطنين تتجاوز عشرة اَلاف، مثل مصر، تحتاج إلى عملية تخطيط مُحكمة وآمنة ومنظمة لضمان سلامة ودقة عمليات الإجلاء، خاصة في ظل التصاعد الخطير لحجم المخاطر".


وفي رد على سؤال لـ"العربي الجديد" حول تفاصيل عمليات الإجلاء، عبر حساب على تطبيق "واتساب" خاص بالسفارة المصرية في الخرطوم، وردت جملة من التعليمات، من بينها ضرورة متابعة صفحة السفارة المصرية على "فيسبوك"، وتوجيه بضرورة التسجيل في استمارة وزارة الهجرة المصرية، وتحذير من النزول إلى الشارع، أو فتح باب المسكن لأي شخص غير معروف الهوية، كما جاء في الرد تحذيرات من الطريق البري لخطورته، إذ تبلغ المسافة نحو ألف كيلومتر، وأن العودة عبر معبر وادي حلفا لا خطر فيها.


وتعتبر عودة المصريين عبر الطريق البري محفوفة بالمخاطر، إذ يتعرض الأشخاص المسافرون عادة للعديد من الأخطار، بما في ذلك السرقة والاعتداء، وعدم القدرة على توفير الإمدادات الغذائية والماء خلال الرحلة، وتزيد هذه المخاطر في ظل تفشي الجريمة المنظمة، ووجود مجموعات مسلحة في المناطق الحدودية بين السودان ومصر.
وتتطلب رحلة العودة عن طريق البر تكاليف باهظة، إذ يجب على الأسرة المصرية القادمة من السودان دفع تكاليف النقل والإقامة على مدار الرحلة، وهي كلفة لا تستطيع كثير من العائلات توفيرها، خاصة الفقيرة منها.
وطالبت السفارة المصريين الراغبين في العودة عبر حافلات خاصة بتحمل مسؤولية ذلك القرار، مع التشديد على أن السفارة غير مسؤولة عن أي تصرفات فردية. ونشرت أرقام خطوط هاتفية لتلقي الاتصالات من المصريين بشأن موقف الجالية في السودان، وأكدت أن عمليات الإجلاء ستتم بالتواصل مع غرفة عمليات القطاع القنصلي.
بدورها، أكدت وزيرة الدولة للهجرة و شؤون المصريين بالخارج سها جندي أنها تتابع على مدار الساعة أوضاع الجالية المصرية بالسودان، وأنه سيتم إجلاء المواطنين وفقاً لخطة تراعي سلامتهم، وتشمل التحرك بأقصى درجات الحيطة والحذر.
وأوضحت وزيرة الهجرة، في تصريحات صحافية، أمس الأول الأحد، أن السلطات المصرية تقوم بالتنسيق بشأن عمليات إجلاء رعاياها مع السلطات السودانية من أجل ضمان أمن وسلامة المواطنين، ودعت "أبناء مصر الموجودين في خارج العاصمة الخرطوم، للتوجه إلى نقطتي التجمع المذكورتين في بيان وزارة الخارجية المصرية، وهما مقر القنصلية العامة المصرية بمدينة بورتسودان في ولاية البحر الأحمر، ومكتب وادى حلفا القنصلي بمدينة وادى حلفا بالولاية الشمالية".
وناشدت الوزيرة المصريين الموجودين بمدينة الخرطوم الابتعاد عن مناطق التوتر والاشتباكات والانفلات الأمني، والتزام مناطق سكنهم، ومتابعة صفحات وزارة الهجرة التي تقوم بنشر كل المستجدات والتعليمات، إلى أن يتم إجلاؤهم في أقرب وقت ممكن.


وتحدثت مصادر صحافية مصرية عن قيام عناصر من الجيش السوداني بمرافقة قوافل المصريين العائدين حتى وصولها إلى المعابر الحدودية، مشيرة إلى أهمية المبادرات الذاتية التي تقوم بها جمعيات خيرية ومؤسسات إنسانية سودانية لتقديم المساعدة للمصريين، وأن هذه المبادرات شهدت زيادة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، وتولت تقديم الدعم اللوجستي والمادي والنفسي للمصريين العالقين، وتخفيف المعاناة التي يعيشونها.
وقبل أيام، بدأت العديد من دول العالم في إجلاء دبلوماسييها ورعاياها من السودان، فأغلقت الولايات المتحدة سفارتها في الخرطوم، ودشنت عملية إجلاء لعشرات الموظفين الحكوميين وعائلاتهم على متن ست طائرات عسكرية، كما أعلنت دول، من بينها بريطانيا وفرنسا وتركيا وإيطاليا وألمانيا، تفاصيل عمليات إجلاء موظفيها ورعاياها، فيما تسعى دول أخرى لإتمام عمليات الإجلاء، بالتزامن مع توقف مطار الخرطوم عن العمل، وتعرضه لهجمات مُتكررة، ما يجعل عمليات الإجلاء بالطائرات غير ممكنة.

وتلعب الحكومة السعودية دوراً مهماً في تسهيل عملية عودة المصريين من السودان، إذ تقدم الدعم اللوجستي والمادي للعالقين هناك، وتساهم في توفير الرعاية الصحية والإمدادات الغذائية لهم، بالإضافة إلى تقديم دعم مادي للحكومة السودانية للمساعدة في تسهيل عمليات العودة، والتخفيف من المعاناة.
والخميس الماضي، أعلنت السلطات المصرية نجاح الوساطة الإماراتية في تأمين سلامة الجنود المصريين الذين كانوا محتجزين لدى قوات الدعم السريع السودانية، والذين تم تسليمهم إلى السفارة المصرية في الخرطوم، معربة عن تقديرها لجهود الصليب الأحمر الدولي، لما بذله لدعم عملية تأمين سلامة الجنود المصريين.
في اليوم ذاته، أكد الجيش المصري في بيان، أنه جرى تأمين وصول جميع الجنود إلى مقر سفارة مصر في الخرطوم، تمهيداً لإتمام إجراءات إجلائهم من الأراضي السودانية فور استقرار الأوضاع وتوافر الظروف الأمنية المناسبة لعودتهم، بالتنسيق مع الجهات السودانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

المساهمون