"المحيا" يضيء تركيا بعد عام الزلزال

"المحيا" يضيء تركيا بعد عام الزلزال

21 مارس 2024
المحيا تزين أحد المساجد (آدم كوتوسو/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- زينة المحيا بين مآذن المساجد في تركيا تعد تقليداً رمضانياً يعكس الحفاظ على التقاليد الإسلامية، بدأت قبل 455 عاماً وتطورت لتصبح مسؤولية مديريات الأوقاف، وقد عادت بقوة هذا العام بعد تراجعها بسبب الزلزال العام الماضي.
- الطقوس الرمضانية في تركيا تشمل العبادة، صلاة التراويح، تنظيم حلقات تحفيظ القرآن، والإفطارات الجماعية، مع زيادة الصدقات لمساعدة الفقراء، مما يعكس روح التكافل والعودة للإنسانية.
- كهرمان يلديز، وريث مهنة تركيب المحيا، يتولى تركيبها في كبرى مساجد الدولة العثمانية، مؤكداً على استمرار هذه التقاليد العريقة التي تعبر عن الهوية الثقافية والدينية للأتراك في رمضان.

منذ القرن السابع عشر، تزين العبارات المضاءة ما بين مآذن مساجد تركيا. وإن تراجعت العام الماضي جراء الزلزال، إلا أنها عادت اليوم بإصرار على الحفاظ على الموروثات والتقاليد.

لرمضان في تركيا وقع خاص وطقوس لا تزال مستمرة. يحرص الناس على العبادة وأداء صلاة التراويح وتنظيم حلقات تحفيظ القرآن وغير ذلك. وتتجلى ميزة موطن آخر الخلافات الإسلامية حتى اليوم، من خلال الإفطارات الجماعية في الساحات العامة والمساجد، بالإضافة إلى أمسيات الفرح في الحدائق والأحياء. أما المحيّا أو تزيين ما بين مآذن المساجد الكبرى بعبارات مضاءة، فهي عادة سنّها السلطان أحمد باني الجامع الأزرق، ولا تزال سارية حتى اليوم رغم خطورتها، وقد توارثها معلقوها عن المحياجي الأشهر كهرمان يلدز.
وتتفاخر السيدة تفيدة كان (69 عاماً) بعادات رمضان التركية التي تراها "عودة للإنسانية والله"، وسط مشكلات الحياة وغلاء المعيشة وانشغال الناس بالهموم اليومية. وتقول لـ "العربي الجديد" إن التكافل والشعور مع الفقراء هما من سمات المجتمع التركي، والتي تتجلى خلال شهر رمضان الذي يصفه الأتراك بسلطان الشهور. وتشير إلى أن "الأتراك يزيدون صدقة الفطر وهي 130 ليرة (الدولار يساوي 32 ليرة تركية)، كما حددتها هيئة الشؤون الدينية لهذا العام، بسبب الغلاء وزيادة احتياجات الصائمين، إذ أصبح كيلو التمر الجيد بـ 400 ليرة".
وفي ما يتعلق بطقوس رمضان، تقول إن هناك عودة، ومنذ سنوات، إلى العادات القديمة. "عاصرت العديد من الرؤساء والحكومات، وأذكر موائد الرحمن في الساحات العامة، وزيارة جامع الخرقة الشريفة بحي الفاتح، والمسحراتي، بالإضافة إلى بعض الأطعمة الصامدة على رغم تطور مناحي الحياة، مثل بيدا رمضان والحلويات التقليدية البيضاء". وترى أن المحيا من أهم ميزات تركيا القديمة المستمرة التي تتفرد بها بين الدول الإسلامية.

وتتعدّد الروايات حول تعليق المحيا. قبل نحو 455 عاماً، بدأ تزيين الجوامع وما بين المآذن بمصابيح زيتية، قبل أن تتولى مديريات الأوقاف بالولايات، كما اليوم، مهام التزيين وتعليق العبارات وفق قرار رئاسة الشؤون الدينية. ويقول رجل الدين والخطيب بحي باغجلار في إسطنبول، محمت حالف، إن كلمة محيّا على الأرجح فارسية الأصل وتعني نور الوجه، والغرض من تعليقها، إضافة إلى الزينة والاحتفال بسلطان الشهور، هو الإحسان والتذكير بالخير ونعم الله وفوائد الصوم.
يضيف أن رائد المحيا يدعى عبد اللطيف أفندي، وهو أول من علّق المحيا بشكلها المتداول اليوم بين مئذنتين في جامع السليمانية، وتوارث أولاده المهنة بعد وفاته عام 1787 لنرى بعد ذلك انتشار المحيا بين مآذن الجوامع الكبيرة في إسطنبول، مثل بيازيد والفاتح، بالإضافة إلى جامع السلطان أحمد الأزرق المقابل لجامع آيا صوفيا. وشهد جامع آيا صوفيا الذي تحوّل إلى مسجد عام 2019، تعليق أنوار المحيا التي تحمل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، بعدما تزينت مآذن الجوامع الكبرى في إسطنبول بعبارات المحيا المضاءة، كما الجوامع الكبرى بقونيا وبورصة وأنقرة وغيرها من الولايات التركية جنوبي البلاد، أي مرعش وعنتاب وأنطاكيا، بعد عام من الحزن شهدته تركيا العام الماضي حرم مساجد الولايات الجنوبية من الزينة خلال شهر رمضان.

خلال تزيين المسجد الكبير (مصطفى يلماظ/ الأناضول)
خلال تزيين المسجد الكبير (مصطفى يلماظ/ الأناضول)

أحد ورثة مهنة المحيا أو الأسطة اليوم هو كهرمان يلديز (72 عاماً)، ويتولى تركيب المحيا في كبرى مساجد عواصم الدولة العثمانية، وهي بورصة وأدرنة وإسطنبول. تعلم تركيب المحيا على يد المحياجي الأخير بالعهد العثماني الحاج علي جيلان، واستمر عمله في المهنة حتى عام 2013 حين تقاعد، لكنه عاد، بعد طلب وإلحاح، ليعلم فريقه "عزيز طوصيالي وسليمان كوك ورمضان قزل قايا وملك يوزطاش"، ويستمر في الإشراف عليهم، خصوصاً خلال تركيب المحيا بمساجد إسطنبول الكبرى، أي الأزرق والجديد وسلطان أيوب والسليمية بولاية أدرنة وجامع أولو ببورصة.
وتختلف مهنة المحياجي كهرمان يلدز عن مهنة من يتولى أعمال الصيانة والطلاء للمآذن. ومسؤول الصيانة هو توران ماطور المعروف في تركيا بـ "الرجل العنكبوت" نظراً إلى تسلقه المآذن خلال عمليات الترميم أو الطلاء.

وتغلب طقوس رمضان على مساجد تركيا البالغة 86700 مسجد والتي احتل جامع تشاملجا الذي دشّنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عام 2019، صفة الأكبر، ليبقى مسجد السلطان أحمد الذي شيّده السلطان العثماني أحمد الأول (1590 ـ 1617) بميزة المآذن الست، الأفخم.
وتتتالى المساجد الشهيرة بتركيا مثل أيوب سلطان نسبة للصحابي أبي أيوب الأنصاري ومسجد السليمانية الذي أنشأه السلطان العثماني سليمان القانوني (1494 ـ 1566)، ومسجد فاتح نسبة لمنشئه السلطان محمد الفاتح (1432 ـ 1481)، والجامع الجديد أو جامع والدة سلطان نسبة لمن أمرت بإنشائه وهي السلطانة صفية" زوجة السلطان مراد الثالث (1546 ـ 1595)، وافتُتِح للعبادة عام 1636، وشهدت مآذنه تعليق المحيا هذا العام. 

المساهمون