الفقر يجبر الباكستانيين على الهرب... ثم الموت

الفقر يجبر الباكستانيين على الهرب... ثم الموت

24 يونيو 2023
تبكيان الضحايا (سجود قيوم/ فرانس برس)
+ الخط -

كان شهريار سلطان (25 عاماً) من بين عشرات الباكستانيين الذين هربوا من بلادهم أملاً في حياة أفضل في إحدى الدول الأوروبية، قبل أن يتحولوا إلى ضحايا بعد غرق قارب كانوا على متنه قبالة اليونان. ويقول الوالد شاهد محمود لوسائل إعلام محلية إن ابنه دفع مليونين و200 ألف روبية باكستانية (حوالي 7672 دولاراً أميركياً) إلى مهرب محلي للذهاب إلى اليونان، موضحاً أن الرجل أخذ المبلغ وأكد لابنه أنه سيوصله إلى أوروبا. يضيف أنه لم يكن مطمئناً إلى الأمر وحاول أن يقنع ابنه بالعدول عن قراره، لكنه رفض. 
يضيف أن ابنه لم يكن يملك جواز سفر، إلا أن المهربين أعدوا له كل الأوراق قبل أن يأخذوه من مدينة فيصل أباد بإقليم البنجاب ليتوجه إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث مكث يومين، ثم انتقل إلى مصر وبقي فيها ستة أيام، وبعدها إلى مدينة طرابلس الليبية، حيث بقي أربعة أشهر قبل أن يبدأ رحلته في القارب ليغرق مع العديد من الباكستانيين. ويوضح أن ابنه قضى أياماً صعبة في طرابلس، وكان يحاول إقناع ابنه بالعودة إلى البلاد، لكنه رفض. ويذكر أن ابنه اتصل به وهو على متن القارب، قبل أن ينقطع الإتصال.
أما أبو ذر (14 عاماً)، فقد اضطر والده إلى بيع المنزل الذي يملكه في مدينة كجرات، بإقليم البنجاب، ليرسل ابنه إلى اليونان على أمل أن تتحسن أحوالهم المعيشية، لكنه لم يكن يدرك أن الموت سيأخذه قبل الوصول إلى مبتغاه. كان تلميذاً في الصف التاسع في مدرسة محلية في قريته تاهلي، وكان والده يعمل سائقاً لحافلة المدرسة. وشقيقه من ذوي الاعاقة، فكان الأمل الوحيد لأسرته، ما دفع والديه إلى بيع المنزل لتأمين تكاليف ذهابه إلى اليونان. أحد المهربين في قريته وعده بإيصال ابنه إلى اليونان، إلا أن القارب غرق وأبو ذر لم يرجع إلى بيته أو يتمكن من الوصول إلى اليونان. 

وعجزت الحكومة عن تحسين الأوضاع المعيشية واكتفت بإطلاق الوعود بتوقيف المهربين. وتفيد هيئة المحاسبة الوطنية (إيف آي إي) بأن عدد الباكستانيين ضحايا القارب وصل إلى 209 أشخاص، وتعمل من أجل معرفة هوية الضحايا، مؤكدة أنها أخذت حتى الآن عينات دم من ذوي 167 شاباً باكستانياً كانوا على متن القارب، وتحاول بالتنسيق مع وزارة الخارجية الباكستانية معرفة هوية الضحايا ونقل جثامينهم. وأعلنت اعتقال عشرات المهربين والضالعين في تهريب الناس بوسائل غير شرعية، مؤكدة اعتقال 17 شخصاً من الضالعين في القضية في مدينة لاهور وحدها، ولا تزال حملة الاعتقالات مستمرة في البلاد.
من جهته، أعلن مكتب رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف تشكيل لجنة للتحقيق في القضية، والبحث عن حلول مناسبة للتصدي لظاهرة تهريب الشباب من البلاد، معرباً عن أسفه الشديد حيال الخسارة في أرواح المدنيين من جراء غرق القارب. وشدد على أن الحكومة ستتعامل بحزم مع الضالعين في تهريب الناس، وستتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع الشباب من الهروب من البلاد.
فيما قال وزير الدفاع الباكستاني خواجة محمد آصف، في خطاب له أمام جلسة البرلمان في 19 الشهر الجاري، حين أعلنت الحكومة الحداد العام، أن مشكلة الهرب من البلاد متجذرة، وللأمر ارتباط بالخلايا الموجودة في تركيا وليبيا، ويتوجب على السفارات الباكستانية في الخارج متابعة القضية، معرباً عن أسفه الشديد حيال وفاة المدنيين. وأكد أنه يتوجب على الحكومة اتخاذ خطوات جادة وطويلة الأمد من أجل التصدي لهذه الظاهرة القاتلة.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

إلى ذلك، يقول الناشط الباكستاني شاكر مهمند لـ"العربي الجديد" إن حل هذه المشكلة لا يقتصر على إطلاق حملات ضد المهربين أو اعتقالهم، وإن كان ذلك ضرورياً، إذ لا بد من معاقبة المهربين الذين يساهمون في تهريب الشباب بعد إطلاق الوعود بالوصول إلى أوروبا. يضيف: "بعض ذوي الضحايا قالوا إن المهربين وعدوا أبناءهم بالوصول إلى أوروبا خلال أسبوع مؤكدين أن الطريق آمن للغاية، إلا أنهم يطلقون الأكاذيب ولا بد من معاقبة هؤلاء الناس. وعلى المدى البعيد، الأمر مرتبط بوضع الناس المعيشي. الناس فقراء ولا يملكون قوت يومهم، وهم مستعدون لخوض أي تجربة مهما تكون قاسية وخطيرة من أجل الحصول على لقمة العيش.
وأظهرت بيانات صادرة عن وكالة التحقيقات الاتحادية الباكستانية أنّ ما لا يقلّ عن 209 باكستانيين هم من بين ضحايا قارب حمولته زائدة، انقلب وغرق في أعالي البحار قبالة ساحل اليونان. وذكرت أنّ 181 شخصاً من باكستان و28 آخرين من كشمير التي تخضع لإدارة باكستان، كانوا على متن القارب.

المساهمون