الفاتيكان يجرّد كاهنين لبنانيين من رتبتيهما على خلفية اعتداءات جنسية

الفاتيكان يجرّد منصور لبكي وكاهناً لبنانياً آخر من رتبتَيهما لاعتدائهما جنسياً على أطفال

28 سبتمبر 2022
لم يعد منصور لبكي كاهناً.. كذلك الأمر بالنسبة إلى جورج بدر (فيسبوك)
+ الخط -

جرّد بابا الفاتيكان فرنسيس الأول ومجمّع عقيدة الإيمان الكاهن اللبناني المونسينيور منصور لبكي من رتبته الكهنوتية وأعاده إلى "الحالة العلمانية"، وذلك على خلفية التهم الموجهة إليه المتعلقة باعتداءات جنسية في حقّ أطفال، كذلك شمل القرار المتّخذ الكاهن جورج كريم بدر، وكلاهما يتبعان إلى أبرشية بيروت المارونية.

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت محكمة الجنايات في كاين، غربيّ فرنسا، عقوبة بالسجن لمدّة 15 عاماً في حقّ الكاهن لبكي، وذلك بعد إدانته بتهم الاعتداء جنسياً على أطفال، في وقتٍ اتّهم ناشطون حقوقيون ومدنيون ومتابعون للملف الكنيسة المارونية في لبنان بالدفاع عن لبكي وحمايته والتواطؤ في قضيته، من خلال صمتها المستمرّ عن لبكي عند خروج جرائمه إلى العلن، ومحاولتها إلى جانب وسائل إعلامية محلية تلميع صورته. يُذكر أنّ الفاتيكان كان قد دان لبكي قبل سنوات وأصدر حكماً كنسياً في حقه في عام 2013، واجهته سريعاً السلطتان السياسية والقضائية في لبنان بالإضافة إلى المرجعيات الكنسية التي حصرت الملف من ضمن اختصاصها.

وكان لبكي قد اشتهر بتأليفه التراتيل الكنسية، وكان مثالاً يركن إليه في المدارس الخاصة المسيحية، وشكل في حقبات الماضي حالة وطنية لبنانية بعمله لصالح الأيتام قبل أن ينفضح أمره، وتظهر شهادات تؤكد ممارساته بحق قاصرات في باريس وذلك في التسعينيات، وامتنع لبنان عام 2016 عن تسليمه، بينما كان يحاكم غيابياً في فرنسا، وقد صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية تطالب بتسليمه لمحاكمته على الأراضي الفرنسية، فيما اعتبر البطريرك الماروني بشارة الراعي عام 2016 أن هناك حملة تجنٍّ على لبكي.

وتوقّف ناشطون وإعلاميون عند قرار البابا فرنسيس في تغريدات عبر موقع تويتر للمدوّنات الصغرى، وأثنوا في خلالها على الخطوة المتّخذة، مطالبين المرجعيات الدينية في لبنان، على رأسها بكركي (البطريركيّة الأنطاكيّة السريانيّة المارونيّة)، برفع الحماية عن لبكي، وكذلك مطالبين القضاء اللبناني سريعاً بالقيام بدور كان قد نأى بنفسه عنه على مرّ السنين.

في سياق متصل، يؤكد رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام في لبنان الأب عبدو أبو كسم لـ"العربي الجديد" أنّ "لبكي صار اليوم بلا أيّ صفة إكليريكية، ولا يمكنه بالتالي ممارسة أي سرّ من أسرار الكنيسة".

ويشدّد أبو كسم على أنّ "البطريرك الماروني بشارة الراعي عبّر عن احترامه القرارات القضائية، والكنيسة تحرّكت من ضمن الإجراءات المحددة لها، لكنّ الأمور تبقى داخلية ولا يمكن الإفصاح عنها". ويقول أبو كسم: "نحن نلتزم بالقرار الصادر عن البابا فرنسيس، فهو السلطة العليا في الكنيسة وله الحق وحده بناءً على قرار من مجمع عقيدة الإيمان اتخاذ القرار المناسب، وربّنا وحده يعرف الخفايا بكلّ الأحوال"، مضيفاً أنّ "القرار حتماً ليس اعتباطياً وكلّ ما يصدر عن البابا هو صائب".

ويوضح أبو كسم أنّه "في العادة، كلّ إكليريكي تُرفع في حقّه دعوى قضائية، عليه أن يراجع رئيسه الكنسي للمثول أمام القضاء. واليوم لبكي صار خارج إطار الترتيب الكنسي، وإذا كانت ثمّة ملفات ودعاوى قضائية في حقّه، فإنّه سوف يخضع كأيّ مواطن لبناني للقوانين".

من جهته، يعلّق رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر على القرار، قائلاً إنّه "مهمّ جداً، فهو يعرّي عملياً الكنيسة المارونية بدعمها للكاهنَيْن، ويجعلنا نرى عمق الإشكالية عند رجال الدين في ما خصّ قضايا وجرائم التحرّش بالأطفال. واللافت في هذا الإطار أنّ اسم الكاهن بدر لم يُتداوَل من قبل أو يُذكر عنه أيّ شيء، وهذه نقطة سوداء في تاريخ الكنيسة بالتحفّظ بدلاً من فضح المرتكبين".

ويقول الأسمر لـ"العربي الجديد" إنّ "غموضاً كبيراً يلفّ مكان وجود لبكي. يُحكى أنّه موجود في دير، ربّما انتقل إلى مكان آخر.. لا نعلم. والدولة اللبنانية للأسف لم تتّخذ أيّ إجراء قانوني في حقّه، على الرغم من أنّه كان في إمكانها القيام بذلك حتى قبل صدور القرار هذا عن الفاتيكان. فهو طُلِب إلى التحقيق ومحكوم عليه في فرنسا، وكان يُفترَض على الدولة اللبنانية أن تسمح للسلطات الفرنسية بالتحقيق معه. وقانونياً، في إمكان القضاء اللبناني كذلك أن يوقف لبكي معتمداً على القرار الفرنسي".

لكنّ الأسمر يصف القرار بأنّه "غير كافٍ. من منطلق ديني، كان يتوجّب على الفاتيكان إلقاء الحرم الكنسي على شخص استغلّ منصبه كرجل دين للتحرّش بالأطفال، من ضمنهم أفراد من عائلته"، مشدّداً على "ضرورة أن تفضح الكنيسة كلّ انتهاك وتتابعه، وتتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة والرادعة لحماية الضحايا. لكن للأسف، يقتصر التحرك أو الإجراء في لبنان على نقل المتهم من مكان إلى آخر، مثلاً من رعيّة إلى أخرى، أو يُبدَّل محلّ إقامته فيوضع في منطقة معينة، أو ما شابه. وهذا ينطبق على كلّ المرجعيات الطائفية، وبالتالي لا يصار إلى توقيف المتّهم ومحاكمته وحبسه". ويرى الأسمر أنّ "المشكلة الأساسية تكمن في أنّ المؤسسات الدينية بكلّ أطيافها تغطّي على المجرمين من هذا النوع".

وفي هذا الإطار، يقول الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي وسام اللحام لـ"العربي الجديد" إنّ "لا حصانات لرجال الدين في الدعاوى الجزائية، وبالتالي لم يكن على القضاء اللبناني أن ينتظر تجريد لبكي من رتبته الكهنوتية وإعادته إلى حالته العلمانية لمحاكمته".

وكان اللحام قد لفت في تقرير مطوّل له حول حصانات رجال الدين نُشر في "المفكرة القانونية"، إلى أنّ "السلطة السياسية عمدت إلى تعزيز صلاحيات الطوائف الدينية، وتمّ ذلك بالنسبة إلى المسيحيين مع قانون تحديد صلاحيات المراجع المذهبية للطوائف المسيحية والطائفة الإسرائيلية الذي صدر في الثاني من إبريل/ نيسان 1951 ووسّع اختصاصات هذه الطوائف بشكل كبير، علماً أنّ توسيع الصلاحيات عند مراجعة القانون لم يشمل إطلاقاً المواضيع الجزائية، ما يعني أنّ الحصانة التي كان يتمتع بها سابقاً رجال الدين ما زالت ملغاة".

المساهمون