الحرّ في جنوب الولايات المتحدة الأميركية يحوّل السجون إلى "جحيم"

الحرّ في جنوب الولايات المتحدة الأميركية يحوّل السجون إلى "جحيم"

09 يوليو 2023
زنازين أشبه بأفران في سجن "إستل" بولاية تكساس (بريت كومر/ Getty)
+ الخط -

في الرابع من يوليو/ تموز الجاري، وفيما كانت الولايات المتحدة الأميركية تحتفل بعيد استقلالها بإطلاق المفرقعات في مختلف أنحاء البلاد، فقد جوزف مارتاير الوعي في زنزانته في تكساس (جنوب)، إثر تعرّضه لوعكة صحية، من جرّاء القيظ الذي يحوّل السجون إلى ما يشبه "الجحيم".

في هذه المؤسسات ذات الجدران المشيّدة من الخرسانة والطوب والفولاذ، يدخل الهواء بواسطة مراوح صناعية كبيرة، من دون توفّر مكيّفات في أكثر الأحيان. وعندما تتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية، يمكن أن يكون الحرّ أقوى في الداخل.

ولأنّ الوضع مزرٍ، فقد وصل الأمر إلى حدّ تعمدّ سجناء سدّ المراحيض لكي تفيض، حتى يتمكّنوا من النوم على الأرض المبللة، طلباً لبعض الانتعاش، بحسب ما أفاد سجناء حاليون وسابقون وأقارب لهم وكالة فرانس برس.

وقد أصيب جوزف مارتاير، البالغ من العمر 35 عاماً، بأربعة أمراض مرتبطة بالحرارة في أسابيع قليلة. وقال لعائلته التي اتّصل بها عبر الهاتف من سجن "إستل" في هانتسفيل بولاية تكساس، حيث يقبع منذ 16 عاماً: "لقد فقدتُ الوعي، لكنّ أحداً لم يأتِ لإنقاذي". واتّصل أقاربه بإدارة السجن لطلب المساعدة.

وبحسب مارتاير، في حال وقوع مشكلة، يعتمد السجناء على تضامن السجناء الآخرين الذين يصرخون لجذب انتباه الحرّاس، لأنّ ثمّة نقصاً في أعداد العاملين. ثمّ نُقل إلى منطقة إدارية في السجن تتوفّر فيها مكيفات هواء، يطلق عليها السجناء اسم ركن "الراحة"، ويحاول مارتاير دائماً البقاء في هذه النقطة لأطول فترة ممكنة. هو قال لعائلته: "لديّ مشكلات صحية بسبب الحرارة، ولا أريد أن أضيف مزيداً إليها".

الصورة
سجن واين في تكساس (شانتال فاليري/ فرانس برس)
كثر في سجن "واين" بولاية تكساس محكومون بـ"الإعدام" فقط لأنّهم لا يتحملون الحرارة (شانتال فاليري/ فرانس برس)

وتقول رئيسة منظمة الدفاع عن سجناء تكساس أميته دومينيك إنّ "ما يختبره هؤلاء السجناء أشبه بالاحتجاز في داخل مقصورة الركاب بسيارة وسط حرارة تبلغ 40 درجة مئوية، ومحاولة تخفيف وطأة الحرّ من خلال فتح النافذة قليلاً أو استخدام مجفّف الشعر للحصول على قليل من الهواء".

وبحسب صحيفة "تكساس تريبيون" المحلية توفي ما لا يقلّ عن تسعة أشخاص في يونيو/ حزيران الماضي في سجون هذه الولاية، بسبب نوبات قلبية أو لأسباب غير معروفة قد تكون مرتبطة بارتفاع درجات الحرارة.

وتفيد المتحدثة باسم إدارة سجون تكساس أماندا هيرنانديز بأنّ الوفاة الأخيرة الناجمة عن ارتفاع الحرارة تعود إلى عام 2012. ومع ذلك، فهي تؤكد أنّ سبع وعكات صحية في يونيو الماضي تطلّبت تدخّلاً طبياً بخلاف الإسعافات الأولية. وتشرف هذه الإدارة على سجون يُحتجز فيها 126 ألف شخص. وبحسب بياناتها، فإنّ 32 سجيناً توفّوا في يونيو الماضي لأسباب لا علاقة لها بالطقس. لكنّ دومينيك تعترض على هذه الرواية، وتقول إنّ "الطبيب الشرعي يسجّل الوفيات عموماً بأنّها ناجمة عن سكتة قلبية"، وهي من الأعراض المرتبطة بحسب قولها بضربة شمس. وتلفت دومينيك إلى أنّ السجون "لا تتمتّع بتهوية جيدة"، و"إذا نجا السجناء من الموت فإنّهم سوف يُصابون حتماً بالجنون".

ويبدو أنّ الوضع ليس في طريقه إلى التحسّن. فقد توقّع تقرير نشرته في عام 2022 منظمة "كلايمت سنترال" المناخية غير الحكومية أنّه بسبب تغيّر المناخ، سوف تسجّل تكساس في عام 2050 ما معدّله 115 يوماً من الحرّ "الخطر أو الخطر جداً"، مع حرارة تصل أو تتجاوز 39.4 درجة مئوية مقارنة بنحو 60 يوماً حالياً.

من جهته، أمضى شون آدامز، البالغ من العمر 36 عاماً، محكوميته في سجن آخر بتكساس، هو سجن "كليمنس" الذي يُشبّه بـ"الجحيم". وفي هذه المنشأة المشيّدة من "الطوب الأحمر المستخدم في الأفران" بحسب ما يقول آدامز، عندما تكون الحرارة الخارجية عند مستوى 38 درجة مئوية، فهذا يعني أنّها أعلى بعشر درجات في الداخل. لكنّ إدارة السجون تشير إلى أنّ في الزنازين ثلجاً ومياهاً، وأنّ السجناء قادرون على الاستراحة في أماكن مكيّفة.

في سياق متصل، تقول سامانثا، والدة سجينة تبلغ من العمر 25 عاماً، تفضّل عدم كشف اسمها، إنّه في يونيو الماضي، أودت موجة الحرّ بثلاث نساء في سجن "لين موراي" حيث تقبع ابنتها. وتصف الوضع في ذلك السجن بأنّه "غير إنساني".

أمّا ميشيل ليفلي، خطيبة شون ماكماهون، البالغ من العمر 49 عاماً في سجن "واين"، فتقول إنّ "ثمّة (سجناء) يُحاكَمون على جرائم بسيطة مثل المخدّرات، لكنّهم في الواقع محكومون بالإعدام لأنّهم لا يتحملون الحرارة".

بدورهم يشتكي الموظفون، وهم بأعداد غير كافية في السجن، من تدهور ظروف العمل، بسبب موجات الحرّ هذه، متحدّثين عن قيامهم بجولات وسط حرارة تتخطّى 43 درجة مئوية، يُضطرّون خلالها إلى ارتداء سترات واقية من الرصاص في مواجهة السجناء الغاضبين من الحرارة.

وبحسب ما تشير دومينيك، فقد قُدّمت مشاريع قوانين لجعل تكييف الهواء إلزامياً في السجون، لكنّ الأغلبية المحافظة في مجلس شيوخ ولاية تكساس كانت ترفض ذلك باستمرار.

(فرانس برس)

المساهمون