الجيل "الأسوأ" للطلاب الصينيين بعد كورونا

الجيل "الأسوأ" للطلاب الصينيين بعد كورونا

30 مارس 2023
تزداد بطالة الخريجين في الصين (Getty)
+ الخط -

تخرّج نحو 30 مليون طالب من الجامعات الصينية في السنوات الثلاث الماضية، أي بمعدل 10 ملايين طالب كل عام. وتفيد تقارير محلية بأن السنوات الأخيرة شهدت أسوأ مواسم لتخرّج الطلاب منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.
ويعزو مراقبون ذلك إلى جائحة كورونا التي عطلت الدراسة نتيجة الإغلاقات المتكررة والسياسات والقيود الصارمة التي فرضتها السلطات. ويلاحظ هؤلاء أن القاسم المشترك بين طلاب المواسم الثلاثة أنهم وُلدوا جميعهم في الألفية الثانية، لذا أطلق عليهم لقب "جيل ما بعد القرن العشرين في الصين" الذي يصنّف بأنه "بين الأسوأ"، مقارنة بأقرانه بسبب الظروف الطارئة التي مرت بها البلاد، وأثرت على توقعاتهم للمستقبل وفهمهم لموقعهم في المجتمع.
وقال 85 في المائة من الأشخاص الذين شاركوا في استطلاع حديث أجراه موقع يتساي الصيني، وهو منصة أكاديمية خاصة بشؤون الطلاب، إن "الوباء جعل حياتهم الجامعية أقل إشباعاً مما كانوا يتوقعون". كما أعلن أكثر من 75 في المائة منهم أنهم لا يشعرون بأمان، و70 في المائة منهم أنهم لا يثقون في المستقبل.

يقول جي جوان (22 عاماً)، الطالب في جامعة ووهان، لـ"العربي الجديد": "فقدت الرغبة في الدراسة، لأنني لا أملك أدنى فكرة عمّا ينتظرني في المستقبل، كما تبخرت خططي السابقة وأحلامي في التخرج بتفوق والعثور على وظيفة مرموقة بسبب جائحة كورونا، وما رافقها من إغلاقات في الجامعة والمدينة والحدود". ويوضح أنه في العام الأول لانتشار الوباء أصيب مع أكثر من 150 من زملائه بفيروس كورونا، فنُقل إلى مركز للعزل الصحي، حيث بقي ثلاثة أشهر، لأن الإصابات كانت تزداد يوماً بعد آخر. ثم أغلقت الجامعة وجرى تعطيل الدراسة طوال فصل كامل. ويقول: "شعرت في فترة العزل بأنني في عالم آخر، وكأن الحياة شارفت على النهاية. عشت أوقاتاً عصيبة اعتُبرت الأسوأ في حياتي. وبعد تراجع عدد الإصابات، استأنفت الدراسة عن بعد فخسرت عاماً دراسياً كاملاً، في حين أنني كنت أخطط للدخول إلى سوق العمل في سن مبكرة".

الصورة
حوّل وباء كورونا المرحلة الجامعية في الصين إلى كابوس (Getty)
حوّل وباء كورونا المرحلة الجامعية في الصين إلى كابوس (Getty)

من جهته، يقول وانغ تشون، وهو طالب يدرس العلوم التطبيقية: "كنت أخطط لاستكمال الدراسات العليا في بريطانيا في العام التالي من الجائحة، واستعددت للتخرج بعد فصل واحد، لكن تعطيل الدراسة وإغلاق الحدود وانتشار الوباء بشكل مخيف في المملكة المتحدة، جعلتني في ظروف يصعب وصفها في الجامعة، بسبب الحجر الإلزامي والإجراءات الصارمة التي طبقتها السلطات الصحية في البلاد". يضيف: "سيطر الخوف على الجميع، ليس فقط نحن الطلاب، بل حتى الحكومات المحلية التي واجهت اضطرابات في تطبيق سياسة صفر كوفيد، وارتكبت الكثير من الأخطاء والتجاوزات، ما جعلنا نشعر بأنه لا أفق ولا خطط واضحة حتى على مستوى الدولة للتعامل مع الجائحة، فكيف الحال بالنسبة لنا. كان الأمر صعباً، لذا فقدت الأمل ولم أعد أثق في أحد. وحتى بعد انتهاء الجائحة، لست على يقين بأن الأمر انتهى، إذ يراودني شعور دائم بأن ما حدث لنا قد يتكرر مرة أخرى، لذا أفضّل الآن أن أبتعد عن وضع تخطيط طويل الأمد لحياتي، ولا أفكر إلا في يومي وفي نفسي فقط.
بدورها، تقول لي تشينغ، وهي طالبة فقدت جدها أثناء الجائحة، لـ"العربي الجديد": "كان جدي كل شيء في حياتي، واجتهدت في الدراسة كي أجعله يفتخر بما حققته، لكنه توفي نتيجة إصابته بفيروس كورونا في العام الثاني من انتشار الوباء، ولم أستطع بسبب ضوابط مكافحة الفيروس رؤيته ووداعه".
تضيف: "طالبت إدارة الجامعة بالسماح لي بالمغادرة بسبب ظرفي الخاص، لكنها رفضت، فدخلت في حالة اكتئاب استمرت عاماً كاملاً انعزلت خلالها عن جميع زملائي. وكانت النتيجة أيضاً أنني انفصلت عن خطيبي بعدما كنا نخطط للزواج بعد التخرج. أما اليوم فانتهت الجائحة وتوقف العمل بسياسة صفر كوفيد، لكنني لا أملك أي رغبة في فعل شيء، مات جدي، وفقدت خطيبي، كما أنّ سوق العمل لا يبشّر الخريجين الجدد بمستقبل مشرق، البطالة تزداد، وطوابير الباحثين عن عمل لا تنتهي. كان يفترض أن تكون الجامعة أجمل مراحل حياتي، لكن الجائحة حولتها إلى كابوس ما زال يؤرقني حتى اليوم".

ويعلّق أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة كوانجو، تشو يان، بالقول لـ"العربي الجديد": "بعدما حققت الصين قفزات كبيرة خلال العقد الماضي في مجالات متعددة، وصل العديد من الطلاب إلى الحرم الجامعي مفعمين بالثقة والحيوية والنشاط، وكانوا يعتقدون بأنهم الجيل الأول الذي سيجني ثمار التنمية والازدهار والرخاء الاجتماعي، لكنهم اصطدموا بواقع مغاير مع ظهور الوباء، حيث طبقت الجامعات الصينية كما جميع المؤسسات في البلاد، قواعد صارمة بموجب سياسة صفر كوفيد الحكومية. وكان التنقل صعباً بسبب الإغلاق وكذلك تعطل الدراسة مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، وهي عوامل انعكست سلباً على حياة الطلاب ونظرتهم إلى المستقبل".
يتابع: "على سبيل المثال أثّر التحول إلى الدراسة عن بعد على درجات الطلاب، وكان ذلك أمراً صعباً عليهم لأن التجربة جديدة. كما أن تجربة العزل الصحي تركت آثاراً خطيرة على صحتهم النفسية والعقلية، خصوصاً أن جيل الألفية الثانية يختلف عن الأجيال السابقة على صعيد الاستعداد للتعامل مع الأوبئة والكوارث والأزمات الكبيرة، فهم جيل ظلت حياتهم محصورة بالحرم الجامعي، ولم تكن لديهم أي تجارب حياتية خارج بيئة الدراسة".

المساهمون