اسكندنافيا تستعد لأشهر شتاء صعبة... ترشيد الكهرباء وزينة ميلاد باهتة

اسكندنافيا تستعد لأشهر شتاء صعبة... ترشيد الكهرباء والماء وزينة ميلاد باهتة

24 سبتمبر 2022
السويد ترشد استهلاك الطاقة خلال أعياد الميلاد (كلوديو بريسياني/فرانس برس)
+ الخط -

يربط متخصصون في الاقتصاد الاجتماعي بين غلاء أسعار الغذاء في المجتمع السويدي وبين التغيرات المناخية وتداعيات العقوبات المفروضة على روسيا، والتزامن مع موجات جفاف يبدو أنها أثرت على سلة الغذاء الأوروبي، ويحذر مراقبون لمستوى معيشة الأسر من أن الشتاء الإسكندنافي سيحمل معه مصاعب عدة.
وعلى الرغم من أن السويد لديها مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة، إلا أنها أقفلت العديد منها منذ مطلع الألفية، وتعد فاتورة الكهرباء أحد أكثر الأمور المقلقة والمؤرقة لعجلة الرفاهية، ليس فقط لأصحاب الشقق والمنازل، بل لأصحاب المتاجر والمصانع كذلك. 
خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ركزت وسائل الإعلام في السويد على دفع المواطنين القلقين من القدرة على تجاوز أزمات الشتاء على طرح أسئلة على خبراء، والحصول على إرشادات ونصائح للتغلب على ارتفاع الفاتورة المعيشية.
لم يستطع المتخصصون سوى شرح أسباب الانعكاسات السلبية المتوقعة بسبب التغيرات المناخية، والتي تؤثر بشكل مباشر على مواسم الزراعة، وعلى تبخر المياه الناتجة من ذوبان الأنهار الجليدية، والمخاوف على مستوى المياه الجوفية خلال الصيف القادم. لكنهم رغم كل ذلك يحاولون التعامل مع الأزمة المتوقعة خلال أشهر الشتاء القادمة القاسية على المنطقة، وعلى أوروبا كلها. 
ويعني نقص المياه الجوفية في بلد يحتوي على بحيرات كثيرة في رأي المتخصصين، أن السويد قد تضطر إلى تحديد أولويات لتخفيف العواقب على المجتمع، من بينها إعطاء الأولوية للمجمعات الصناعية والمشافي وغيرها من القطاعات الحيوية في الحصول على كميات الكهرباء والمياه اللازمة، ما يؤشر إلى أن المواطن السويدي سيواجه خيارات غاية في الصعوبة. 
بشكل عملي، قد يعني ذلك إمكانية انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق بفعل سياسة ترشيد قد تضطر إليها حكومة استوكهولم، فضلاً عن تخفيف الإنارة العامة، وإطفاء أنوار معالم حكومية في وقت مبكر. وعلى الأغلب فإن سياسات ترشيد استهلاك الكهرباء، وبالتبعية المياه، ستستمر حتى أواخر يناير/كانون الثاني القادم، وهو موعد انتهاء العمل بإعادة تشغيل المفاعل النووي "رينغهالس4". 
في أنحاء الدول الإسكندنافية الشمالية، تضاء كثير من الشوارع والمباني قبل شهرين من حلول أعياد الميلاد بحسب التقويم الغربي في ديسمبر/كانون الأول، ما يمنح مجتمعات هذه الدول التي تغيب عنها الشمس سريعاً لتعيش في ظلام مبكر، بعضاً من القدرة على التغلب على كآبة الشتاء.
لكن العام الحالي يبدو مختلفاً بسبب التقليص الذي يطاول زينة أعياد الميلاد، وإعلان بلديات عدة أنها ستنصب أشجار الميلاد ولكن بإضاءة أقل، كما أعلنت كبريات مراكز التسوق التي تضيء في العادة كامل واجهاتها أنها لن تفعل ذلك خلال الشهر القادم، وسيمتد ذلك في السويد والدنمارك إلى أسواق الميلاد الشعبية التي تقام سنوياً، بسبب استهلاكها الكبير للكهرباء. 

الصورة
زينة الميلاد لن تكون بنفس الكثافة في استكهولم (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)
تقليص حجم زينة الميلاد في استكهولم (جوناثان ناكستراند/فرانس برس)

في العموم، تحولت تقييمات تأثير أزمة الطاقة على المجتمعات الإسكندنافية من منخفضة إلى مرتفعة، وأشار بيان نقلته صحيفة "أفتون بلاديت" عن مدير العمليات الإستراتيجية في وزارة الطاقة السويدية، إريك إيك، إلى أن بلاده تحتاج إلى استيراد الكهرباء، "وإلا فقد نضطر إلى قطع التيار الكهربائي عن بعض المستخدمين".
ولتخفيف وطأة الأزمة، تتجه استوكهولم إلى وقف تام لإنتاج الطماطم والخيار، وخضروات أخرى تزرع على أراضيها في موسم الشتاء، لأن ذلك يتم عبر بيوت بلاستيكية تغطي الاحتياجات المحلية، وهذه البيوت الزراعية تحتاج إلى كميات كبيرة من الكهرباء والمياه، وأعلن كبار منتجي مزروعات البيوت الدفيئة تخليهم عن الموسم الشتوي لأنهم عاجزون عن مسايرة الارتفاع في الكلفة الكهربائية، وغيرها من ضروريات الإنتاج.
وسيضطر المزارعون إلى البحث عن وسائل لتعويض الخسائر الضخمة المتعلقة بالزراعة، وأيضاً بالإنتاج الحيواني، ووجه رئيس نقابة الفلاحين السويدية، بال بورغستروم، نداء إلى الحكومة لتضمين الرعاية الحيوانية على رأس أولوياتها، واعتبارها "قضية هامة مجتمعياً".  

لم تعد الأزمة نظرية في المجتمعات الإسكندنافية، ففي المتوسط، ستزيد فاتورة المعيشة على الأسر التي لديها طفلان وتعيش في منازل الطبقة المتوسطة هذا العام ما بين 80 ألفا إلى 100 ألف كرونة سويدية (الدولار الأميركي يساوي نحو 11 كورونة) مقارنة بالعام الماضي، والأمر أصعب بكثير بالنسبة للأسر التي تعيش في مناطق الشمال الأكثر برودة والمظلمة في الشتاء، سواء تعلق الأمر بالتدفئة، أو وقود السيارات، أو الكهرباء.
ويخشى في هذه الدول من انهيارات مالية بسبب الرهن العقاري إذا ما أدت الارتفاعات في تكاليف المعيشة إلى تأثر الموازنات الصارمة لأصحاب البيوت، وتعثرهم في سداد الديون والفوائد للبنوك. 
وركزت معظم إرشادات الخبراء على مسائل بديهية تتعلق بوعي المواطنين، منها عدم إهدار المياه، وترشيد استهلاك الكهرباء، ونصائح تتعلق بمواقيت غسل الثياب، وأفضلية القيام بذلك في فترات الليل، وصولا إلى جمع مياه الأمطار لتوفير استخدام مياه الصنابير، وينصح بعض الخبراء السكان باستبدال الثلاجات القديمة، وغيرها من الأجهزة الكهربائية التي تستهلك كميات طاقة أكبر من تلك المصنوعة حديثاً، والتي تتماشى مع سياسات الطاقة الخضراء والمستدامة، بالإضافة إلى إرشادات حول كيفية إبقاء المنازل دافئة، ويمكن ملاحظة قيام الآلاف من ملاك البيوت بتغيير نوافذ وأرضيات بيوتهم، وعزلها لمواجهة موسم الشتاء القادم. 

المساهمون