ابتكار أول علاج جيني لمرض القلب الوراثي

ابتكار أول علاج جيني لمرض القلب الوراثي

29 يوليو 2022
يعدّ هذا أول علاج لأمراض عضلة القلب الموروثة (Getty)
+ الخط -

ينكبّ فريق دولي من المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وسنغافورة، بعد الفوز بجائزة بقيمة 30 مليون جنيه إسترليني في مسابقة تابعة لمؤسسة القلب البريطانية، على تطوير ابتكار طبي لمرضى القلب الوراثي.

ويعدّ هذا أول علاج لأمراض عضلة القلب الموروثة، وذلك من خلال تقنيات العلاج الجيني الثورية فائقة الدقة التي يمكنها تعديل أو إسكات الجينات المعيبة التي تسبب هذه الحالات المميتة.

ومن شأن هذا العلاج أن يساعد المئات من الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في عضلة القلب الموروثة التي تقتل الشباب في مقتبل العمر.

العلاج الجديد سيكون من خلال القيام بعمليات حقن في الذراع توقف التقدم، وربما تعالج أولئك الذين يعيشون بالفعل مع اعتلال عضلة القلب الوراثي

تم اختيار فريق العلماء من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وسنغافورة من قبل لجنة برئاسة السير باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين لحكومة المملكة المتحدة. ووفق ما نقلته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية، فقد تم اختيار الفريق "تقديراً لجرأة طموحه، وحجم فائدته المحتملة للمرضى".

ما هي أمراض عضلة القلب الوراثية؟

تعرف أمراض القلب الموروثة على أنها تلك التي تنتقل عبر جينات الأهل، وهو مصطلح شامل يغطي مجموعة واسعة من أمراض القلب النادرة نسبياً، وتحدث بسبب خطأ - يُعرف أيضا باسم طفرة في واحد أو أكثر من  الجينات بحسب ما ذكرته "خدمة الصحة الوطنية" البريطانية.

  • يمكن أن تقتل أمراض القلب الموروثة 500 شاب كل عام في المملكة المتحدة.
  • تشير تقديرات أخرى إلى أن 12 شخصاً تحت سن 35 عاماً، قد يموتون بسبب حالة قلبية ناتجة عن مرض الاعتلال القلبي الموروث.

بحسب البيانات، فإن واحدا من بين كل 250 شخصاً في جميع أنحاء العالم - حوالي 260 ألف شخص في المملكة المتحدة - مصاب باعتلال عضلة القلب الجيني، مع وجود خطر بنسبة 50 في المائة في نقل جيناتهم المعيبة إلى كل طفل من أطفالهم. في كثير من الحالات، يصاب العديد من أفراد العائلة بفشل القلب، ويحتاجون إلى زراعة قلب.

تهاجم الحالات الموروثة القلب بطريقتين، إما عن طريق التسبب في تلف العضو تدريجياً بمرور الوقت، أو التوقف فجأة والتسبب في الموت القلبي.

لا تساعد العلاجات الحالية لاعتلال عضلة القلب الوراثي في علاج المرضى، إذ عادة ما يضطر الكثير من المرضى إلى القيام بعمليات زراعة للقلب.

 

كيف تعمل التقنية الحديثة؟

بحسب الخبراء، سيتم علاج المرضى من خلال الحقن باستخدام تقنية العلاج الجيني "فائقة التحديد" التي يمكنها تعديل الجينات، التي تسبب أمراض القلب الموروثة، أو القضاء عليها من خلال تعطيل عملها.

تساعد هذه التقنية الجديدة في تحرير الجينات الثورية، من خلال استخدام جزيئات تعمل مثل أقلام الرصاص الصغيرة لإعادة كتابة الطفرات المفردة المدفونة داخل الحمض النووي لخلايا القلب لدى الأشخاص المصابين باعتلال عضلة القلب الجيني. سيركز الفريق في هذه التكنولوجيا على مجالين:

الصورة
من شأن هذه التقنية أن تساعد مئات المرضى (Getty)

أولاً: عندما ينتج الجين المعيب بروتيناً غير طبيعي في آلية ضخ القلب، يهدف الفريق إلى تصحيح أو إسكات الجين المعيب عن طريق إعادة كتابة الأخطاء أو إيقاف تشغيل النسخة الكاملة من الجين المعيب.

ثانياً: عندما لا ينتج الجين المعيب بروتيناً كافياً لعضلة القلب لتعمل كما ينبغي، يخطط الفريق لزيادة إنتاج بروتينات عضلة القلب الصحية باستخدام الأدوات الجينية لتصحيح وظيفة النسخة المعيبة من الجين أو تحفيز النسخة الطبيعية للجين.

سيتم إجراء البحث لتطوير العلاج في مختبرات في جميع البلدان الثلاثة الأصلية للباحثين، مع خطط لإطلاق تجارب سريرية مبكرة خلال السنوات الخمس المقبلة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

"فرصة واحدة في العمر" لإيجاد علاج لاعتلال عضلة القلب الوراثي

يصف البروفيسور هيو واتكينز، الباحث الرئيسي والذي يعمل أيضاً في جامعة أكسفورد، هذه التقنية، بأنها "فرصة واحدة في العمر" لإيجاد علاج لاعتلال عضلة القلب الوراثي.

وقال بحسب صحيفة الغارديان البريطانية: "لقد أثبت الفريق بالفعل أن هذه الأساليب ناجحة في الحيوانات المصابة باعتلال عضلة القلب والخلايا البشرية، فبعد تجارب تخطت الثلاثين عاماً، تبين أن هناك مجموعة من الجينات والعيوب، المحددة المسؤولة عن اعتلالات عضلة القلب المختلفة، وكيفية عملها.

ووفق الخبراء، فإن العلاج الجديد سيكون من خلال القيام بعمليات حقن في الذراع توقف التقدم وربما تعالج أولئك الذين يعيشون بالفعل مع اعتلال عضلة القلب الوراثي. يمكن استخدام الحقن، لمنع تطور المرض لدى أفراد الأسرة الذين يحملون جينا معيبا ولكنهم لم يطوروا الحالة بعد.

الصورة
العلاج الجديد سيكون من خلال القيام بعمليات حقن في الذراع (Getty)

من جهتها، وجدت الدكتورة كريستين سيدمان من جامعة هارفارد  أن "هذه التقنية الجديدة ستكون جهداً عالمياً، وستكون نتائجه مفيدة لمرضى الاعتلال".

يعد هذا العلاج بحسب الخبراء لحظة حاسمة بالنسبة لطب القلب والأوعية الدموية، لا يقتصر دور العلاج على كونه أول العلاجات المبتكرة لأمراض عضلة القلب الموروثة، بل يمكنه أيضاً أن يساعد في علاج العديد من الأمراض خاصة الأمراض القلبية الدقيقة. بمجرد نجاح هذه التقنية، يمكن استخدام نفس ابتكارات تحرير الجينات لعلاج مجموعة كاملة من أمراض القلب الشائعة حيث تلعب الأخطاء الجينية دوراً في التسبب بها.

ترحيب المرضى

رحّب العديد من المرضى بهذه التقنية الجديدة بحسب ما نقلته صحيفة ذي إندبندنت البريطانية. فقد تم تشخيص ماكس جارمي (27 عاماً) بالإصابة باعتلال القلب الناتج عن انتظام ضربات القلب في سن المراهقة، لذا وجد أن هذه التقنية تساعده في تغيير حياته. فقد جارمي في سن الثالثة عشرة والده فجأة بعد سكتة قلبية ناجمة عن حالة تسمى اعتلال عضلة القلب البطيني الأيمن (ARVC ، وهو نوع من اعتلال عضلة القلب الوراثي).

بعد بضع سنوات، قيل لماكس إنه مصاب باعتلال عضلة القلب الناتج عن عدم انتظام ضربات القلب بعد موعد الفحص الروتيني. بعد فترة وجيزة، تم تشخيص شقيقه الأصغر توم جارمي.

يصف ماكس نفسه بأنه "مهووس بالرياضة" أثناء نشأته وتنافس في ركوب الدراجات الجبلية إلى مستوى عالٍ حتى 18، عندما كان تشخيصه يعني أنه اضطر إلى التخلي عنها.

يقول جارمي: "كانت الأشهر الستة الأولى بعد تشخيصي صعبة جداً، إذ كان من الصعب ممارسة نشاطاتي الحياتية بشكل عادي".

يعيش جارمي الآن مع جهاز مزيل الرجفان القلبي القابل للزرع (ICD)، وهو جهاز يقوم بصدمة قلبه للعودة إلى نظامه الطبيعي، مما يحميه من السكتة القلبية.

يخشى جارمي المستقبل، إذ قرر إنجاب أطفال سيكون من الصعب عليه نقل المرض، لذا وجد أن هذه التقنية تساعده في بناء حياة مستقبلية سليمة لعائلته.

المساهمون