إسلام عليان... حكاية سورية قاومت رغم الحرب والجائحة

إسلام عليان... حكاية سورية قاومت رغم الحرب والجائحة

08 مارس 2021
ركزت في منظمة "نقطة بداية" على الدعم النفسي (العربي الجديد)
+ الخط -

"صقلتني الحرب كما لم يصقلني شيء آخر، شهدت مجزرة وحصار داريا الواقعة غربي العاصمة دمشق، عشت الخوف أشهراً طويلة وحطّمتني بدايتها لكنني خرجت أقوى"، بهذه الكلمات تلخّص إسلام عليان (29 عاماً) حصيلتها من الحرب السورية التي امتدت لـ10 سنوات، وواجهتها عندما كانت شابة جامعية، صدمت بفقدان أقارب وأصدقاء وجيران، مرّت أشهر وهي تدرس على ضوء الشموع، وأخيراً تركت الدراسة لأن الأمر لم يعد يحتمل، على حد تعبيرها.

تقول إسلام التي تدير مركزاً للدعم النفسي في مدينة سرمدا شمالي إدلب شمال غربي سورية، لـ"العربي الجديد": تركت مجزرة داريا الكبرى التي ارتكبتها قوات النظام في أغسطس/ آب 2012 في نفسي أثراً سلبياً كبيراً، كنت أفكر في اللحظة والطريقة التي سيتم قتلي وأهلي فيها، كنت أتخيل أي صوت على أنه بدء لمداهمة المنزل، وبعد مرور أكثر من ثماني سنوات ما زلت أشعر بالخوف، بت أخشى أي صوت قوي، وأشعر بالاكتئاب لساعات وأيام طوال بعد كل حدث محزن. حاول أهلي حينها إعادتي إلى الحياة، بدأت بممارسة مهامي اليومية باعتياد لكن الأمر لم يطل، فقد طوّقت قوات النظام المدينة وبدأت بالقصف والاعتقال وممارسة كافة أصناف الانتهاكات دون رادع".

الصورة
إسلام عليان (العربي الجديد)

ما عانته الشابة إسلام عليان كان جزءاً صغيراً مما عانته نساء المدينة آنذاك، تضيف "بدأ الأهالي بالنزوح والحياة أصبحت شبه معدومة في المدينة، نزحنا إلى منطقة قريبة، بقيت لمدة عام كامل في المنزل، بعزلة تامة ودخلت بحداد مطوّل على فقد البيت والأرض، وحينها كانت الحالة النفسية سيئة جداً، وزاد من ذلك الشعور بعدم الاستقرار، وخلال أشهر قليلة تنقّلنا بين عدة منازل، كنت حينها في سنتي الجامعية الرابعة، في قسم علم الحياة بجامعة دمشق، أوقفت دراستي ومعها أحسست أن حياتي كلها توقفت، وبعد محاولات من العائلة بهدف إخراجي من المنزل عدت للدراسة، وتخرّجت ودرست دبلوم التأهيل التربوي".

الصورة
إسلام عليان (العربي الجديد)

وتواصل "أحسست حينها أنني بدأت أتأقلم مع الوضع الذي سيطول، فتزوجت واستقررت مع زوجي في قرية صغيرة في ريف دمشق الغربي، وبعد سنة من الزواج، حاصرت قوات النظام المنطقة وبدأ القصف الجوي والمدفعي، وكنت قد رزقت بطفلة عندما اشتد القصف والحصار، في ذلك الوقت ملأت رائحة الموت الشوارع والأحياء، وانتشرت المجاعة بين الناس، وبسبب كثرة الضغط اضطررنا للقبول باتفاقية التهجير القسري إلى الشمال السوري، وافقنا مجبرين لأنه لم يكن لدينا خيار آخر".

التهجير إلى الشمال السوري

"وصلنا إلى الشمال السوري أواخر عام 2016 وصدمنا بواقع جديد" تقول عليان، "فالمعيشة صعبة جداً على النساء من كافة النواحي، الحمل والإنجاب لهما صعوبتهما، بسبب دمار معظم المستشفيات والمراكز الصحية نتيجة القصف وهجمات قوات النظام، والسيدات الأرامل اللواتي ترملن بعمر صغير وقدمن من ريف دمشق، اصطدمن بالواقع أيضاً، بقين دون معيل، لفت انتباهي هذا الأمر، فحاولت دعمهن ومناصرتهن، ومع كل الظروف المعيشية الصعبة بمناطق الحرب حاولت البحث عن شيء إيجابي، وعزمت ألّا أكرر تجربة الحداد المطول التي عشتها عندما هجّرت من مدينتي داريا".

الصورة
إسلام عليان (العربي الجديد)

تضيف، "بدأت أحضر دورات تدريبية بمجالات مختلفة لأطوّر نفسي أكثر، عملت في مجال الإعلام صحافية ومدوّنة، وانخرطت في السلك التعليمي وعملت مديرة لروضة أطفال في مدينة إدلب، وفي الوقت نفسه درّست في إحدى مدارس المدينة، وأخيراً حاولت التركيز على مجال العمل الإنساني والمدني ومع الناجين والناجيات من العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي مطلع عام 2020 تسلّمت إدارة مركز منظمة "نقطة بداية" الذي يعنى بالدعم النفسي في مدينة سرمدا".

نقطة البداية من جديد.. دعم نفسي واجتماعي

توضح عليان "ركّزنا خلال عملنا وانطلاقاً من الواقع على التوعية والتوثيق القانوني والدعم النفسي الاجتماعي، والمناصرة، والتوعية حول العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وبخاصة بعد أن أصبح الشمال السوري نقطة تجمّع لكل السوريين المهجّرين من منازلهم، وبينهم المعتقلون والمعتقلات السابقات، والسيدات اللاتي فقدن أبناءهن وأزواجهن وأقارب لهن خلال سنوات الحرب، وكنّ من أبرز محاورنا، فنظّمنا دورات دعم نفسي وجلسات مفتوحة وعلّمنا السيدات أشغالاً يدوية، وفنون الرسم والحياكة، بهدف إيجاد مساحة آمنة لهن، وبهدف مساعدتهن على تجاوز الأزمات النفسية التي تعرضن لها، وتركت في نفوسهن ندوباً تنام وتستيقظ معهن كل يوم".

الصورة
إسلام عليان (العربي الجديد)
المرأة
التحديثات الحية

جائحة كورونا ونشاط استثنائي

مع انتشار فيروس كورونا في الشمال السوري، تقول عليان "حملت بابنتي الثانية، ومع ارتفاع عدد الإصابات اضطررنا لإغلاق المركز، لكن ذلك لم يمنعني من مواصلة عملي". وتتابع، "تحوّلنا للتوعية عن بعد، فقمنا بحملة ضد العنف استمرّت 16 يوماً، ودرّبنا معنّفات ومعنّفين جنسياً على فنون الرسم والتطريز، ومع انتشار العنف المنزلي بسبب الحجر وطول فترة جلوس الأزواج معاً في المنازل، نظّمنا فعاليات للتوعية حول العنف المنزلي، واستهدفنا 14 مجموعة، تتألف من 150 من النساء والرجال واليافعين".

وفي الوقت ذاته، ساعدت عليان ناجيات، وقدّمت خدمة الدعم النفسي لسيدات تضررن نفسياً خلال سنوات الحرب، منهن من فقدن أقارب لهن، ومنهن من تأزمت حالتهن النفسية بسبب طول فترة الجلوس في المنزل، وفقدان الأزواج للعمل، وتشير إلى أنها أصيبت بكورونا هي وطفلتيها وزوجها، وفقدت والد زوجها نتيجة إصابته بالفيروس، وهذا دفعها للتركيز على توعية الناس بمخاطر الإصابة، وطرق الوقاية منه.

الصورة
إسلام عليان (العربي الجديد)

وفي ختام حديثها تؤكد أن كل ما وصلت إليه اليوم والنجاح الذي حققته، بالرغم من أن البعض يراه نجاحاً صغيراً، كان بفضل وجود أهل داعمين، وزوج مساند وداعم بشكل كبير، إضافة إلى أشخاص ومدربين كثر، بذلوا جهداً كبيراً أيضاً وكانوا خلف الكواليس، وكانوا دائماً مشجّعين وداعمين كلما واجهت المصاعب.

المساهمون