ألزهايمر في الجزائر...باحثة تستحدث برنامجاً لمقاومة النسيان

ألزهايمر في الجزائر...باحثة تستحدث برنامجاً لمقاومة النسيان

21 نوفمبر 2021
يعتمد على نفسه (مونيك جاك/ Getty)
+ الخط -

تحصي الجزائر أكثر من 200 ألف مصاب بمرض ألزهايمر في البلاد، بحسب ما جاء في آخر تقرير لوزارة الصحة الجزائرية صدر في هذا الإطار في عام 2019. وقد سبق ذلك في عام 2017 إطلاق السلطات مشروع مركز مخصّص لمرضى ألزهايمر، هو الأكبر في المغرب العربي. ويستقبل المركز كل يوم نحو 10 مصابين جدد، معدل أعمارهم يتراوح بين 65 و 85 سنة، سبعة منهم عادة يبلغون مراحل متقدمة من المرض. كما يضمّ المركز وحدة طبية متخصصة في علم الجينات من أجل البحوث، علماً أنّ العيّنات تُرسَل إلى فرنسا للتحليل. والبحث التطبيقي هو لمصلحة الأساتذة المتخصصين في المجال من مختلف الجامعات الجزائرية.
"قبل 12 سنة، علقت في ذهني صورة جارنا في الحي محمد التهامي الذي كان يمضي في أحد شوارع مدينة قسنطينة، شرقي الجزائر، من دون أن يتعرّف إليّ. وجّهت إليه التحية لكنّه لم يردّ. وعند عودتي إلى البيت، علمت أنّ جارنا الذي تجاوز السبعين مفقود منذ ثلاثة أيام، قبل أن يتمّ العثور عليه في أحد أحياء المدينة وفي حالة يرثى لها. هو أصيب بمرض ألزهايمر، فلم يعد يتذكّر أحداً أو شيئاً. لم يعد يتذكّر اسمه ولا أبناءه ولا مدخل الزقاق حيث يسكن ولا باب بيته في المبنى". بالنسبة إلى الباحثة المتخصصة في العلوم العصبية المعرفية، وهيبة فتيحة، كانت هذه القصة الدافع الرئيسي لشقّ طريق البحث في شؤون هذا المرض، لا سيّما أعراضه ونسيان الفرد ماضيه وأحبابه وأولاده ومحيطه القريب، بالإضافة إلى كيفية علاج المصابين به. وهكذا انهمكت طوال مسارها الأكاديمي في البحث عن حلول والتخفيف على المريض وأهله. وبعد خمس سنوات من الأبحاث، خاضت فتيحة تجربة تحت عنوان "أثر الاستثارة العصبية المعرفية لذاكرة الأحداث على توظيف اللغة الشفهية لدى مرضى ألزهايمر درجة متوسطة"، وذلك "من خلال بناء برنامج تأهيلي باستخدام السندات البصرية والسمعية واللمسية". والبرنامج الذي يقوم على تلك الاستثارة يتوجّه إلى المرضى وذويهم، فيُصار إلى استثارة حواسهم بالإضافة إلى تعليمهم أبجديات البرنامج.

قضايا وناس
التحديثات الحية

والعلاج التي عملت عليه فتيحة يعتمد على طريقتين، تقضي الأولى بتزويد المصابين بالأدوية لإبطاء المرض ومواجهة تغيّر سلوكياتهم التي تُعَدّ من أعراض المرض والعمل على تحسّنهم ذهنياً، أمّا الثانية فمعالجة نفسية من خلال طرق مغايرة من قبيل التشجير وغرس الأزهار في الحديقة والتأهيل الحركي والخياطة ومشاهدة الأفلام واللقاءات بين المرضى. وكلّ ذلك بهدف تفادي التعقيدات التي تنجم عن إبقاء المريض في المنزل مستلقياً في سريره. وقد ساهم ذلك في إبطاء تفاقم المرض والتخفيف من أعراضه وتقليل الضغط على أقارب المصابين به، خصوصاً في ما يتعلق بفقدان الاستقلالية الذاتية لدى المريض وتدهوره المعرفي بالإضافة الإرهاق العاطفي الذي يصيب المهتمّين به.
تقول فتيحة لـ"العربي الجديد" إنّ "آلافاً من مرضى ألزهايمر يعانون في صمت، فيما نظنّ أنّهم لا يدركون ما يجري من حولهم"، لكنّها تشير في الوقت نفسه إلى أنّ "هذا المرض يؤلم الأهل والعائلة قبل المريض". الباحثة، وهي تقنية ذات مؤهلات عليا في الإعلام الآلي، وضعت خوارزمية إلكترونية لتحديد تجاوب المرضى مع العلاجات وقياس أثر ذلك على لغة المريض والتواصل التي يقوم بها. وقد عرضت هذا البرنامج أمام مجلس علمي في قسم علم النفس التابع لجامعة البليدة، جنوبي العاصمة الجزائرية، وتطمح الى تعميم استخدامه في مختلف المستشفيات الجزائرية. والبرنامج يعتمد على العلوم العصبية المعرفية، أي "إعادة تأهيل قدرات المريض المعرفية عن طريق سندات أو مثيرات بصرية وسمعية ولمسية".
في بحثها، تناولت فتيحة عيّنة من 18 مصاباً بألزهايمر وخصصت لهم ثلاث ورش للمثيرات اللمسية وللمثيرات البصرية وللمثيرات السمعية، فعمدت إلى صور وأصوات وأشياء ملموسة لتحريك الذاكرة وإثارة الدماغ. فيُصار إلى "إحياء الأحداث التي عاشها المريض في السابق، وهي بدورها تثير التعبير اللغوي لديه. أي يصير المريض قادراً، بعد التدريبات، على تذكّر الماضي والتعرّف إلى محيطه والتعبير بالكلام بطريقة أسهل". 
وتؤكّد فتيحة أنّ البرنامج يستهدف كسر حاجز الصمت الذي يعيشه المريض، وهو "جدار يتمدد مع مرور الزمن، ليفصل الفرد عن محيطه شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن. بالتالي يُفصل المريض عن محيطه ثمّ واقعه، والنتيجة انسحابه التام من المجتمع، ما يسفر عنه ضمور القشرة الدماغية وتلفها".

الصورة
رجل عجوز في الجزائر (Getty)
الكلّ معرّض للإصابة (Getty)

ويسهم البرنامج في رفع قدرات المرضى المعرفية. وفي حالة امرأة عجوز شملها البحث، ارتفعت الكلمات لديها من 15 اسماً ومفردة إلى ما بين 40 و50 كلمة تتذكرها سريعاً. وهذا أمر إيجابي قد يتعزّز مع مرور الوقت، خصوصاً في حال استهداف المرضى بورش متواصلة وأخرى لذويهم. وتحكي فتيحة أنّها استطاعت إقناع عائلات المرضى بالتدرّب على كلّ الخطوات اللازمة لتتمكن من تطبيقها مع مرضاها واستثارة حواسهم، كذلك أشرفت على تدريب عشرات الأشخاص على تعلّم هذا البرنامج كطريقة علاج.
وهذا البرنامج الذي يُعَدّ الأوّل من نوعه في الجزائر يسعى بحسب فتيحة إلى "إعادة دمج مرضى ألزهايمر في المجتمع وإنقاذهم من الوِحدة والكآبة"، لافتة إلى أنّ طموحها يقضي "بإيجاد بدائل عن العلاج الذي يقدّمه الأطباء مثل الوصفات الدوائية التي تكتفي الأسرة بتقديمها للمريض بانتظام". تضيف أنّه "يستهدف كذلك المرضى الذين يواجهون مشكلة في التواصل مع الآخرين، الأمر الذي يؤدّي بهم إلى التقوقع على أنفسهم واختيار العزلة والعيش على الهامش في البيت والمجتمع كذلك"، علماً أنّ "الدراسة كانت قد توصّلت إلى أنّ ثمّة أسراً جزائرية تلجأ إلى الحلّ الأسهل في مواجهة مرض ألزهايمر وهو الإغلاق على المريض في البيت، مخافة الهروب إلى الشارع، بالإضافة إلى إخفاء حقيقة المرض، خصوصاً أنّ كثيرين وصلوا إلى حالة يأس قصوى إزاء تحسّن حال مرضاهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ وهيبة فتيحة كانت تحلم بأن تصير طبيبة متخصصة في جراحة الأعصاب، لكنّها لم تحقق ذلك. فهي انقطعت عن الدراسة عشرين سنة قبل أن تعود لتجتاز امتحانات البكالوريا في عام 2010 وهي في الثامنة والثلاثين من عمرها. بعد ذلك، تابعت دراستها لتحصل على درجة الدكتوراه في العلوم العصبية المعرفية، وتتخصّص في أمراض اللغة والتواصل، وهو تخصّص علمي يتقاطع مع الطبّ.

المساهمون