أطباء لبنان لن يستقبلوا المرضى لأسبوع احتجاجاً على حكم ضدّ خطأ طبي

أطباء لبنان لن يستقبلوا المرضى لأسبوع احتجاجاً على حكم قضائي ضدّ خطأ طبي أفقد طفلة أطرافها الأربعة

10 مايو 2021
الطفلة اللبنانية إيلا طنوس فقدت أطرافها الأربعة بخطأ طبي (فيسبوك)
+ الخط -

اعتصم أطباء لبنانيون، الاثنين، أمام قصر العدل في العاصمة بيروت، احتجاجاً على قرار دفع غرامة مالية ضخمة في قضية الطفلة إيلا طنوس، والتي فقدت أطرافها الأربعة بسبب خطأ طبي عام 2015.
وأصدرت محكمة استئناف الجنح في بيروت، برئاسة القاضي طارق البيطار، حكماً يلزم مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، ومستشفى سيدة المعونات في جبيل، والطبيبَيْن عصام معلوف ورنا شرارة، بأن يدفعوا للطفلة طنوس مبلغ تسعة مليارات ليرة لبنانية (6 ملايين دولار تقريبا) بدلَ عطل وضرر، بالإضافة إلى دخل شهري لمدى الحياة يقدر بأربعة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور، ولكلّ من الوالدَيْن مبلغ 500 مليون ليرة لبنانية.
ودعت نقابة الأطباء إلى إضراب تحذيري يبدأ اليوم الاثنين، ولمدّة أسبوعٍ، والتوقف عن العمل باستثناء الحالات الطارئة، أو تلك التي لا يمكن تأجيلها، وأعلنت مستشفيات لبنانية التوقف عن استقبال المرضى في الأقسام والعيادات، باستثناء الحالات الطارئة والحرجة في قسم الطوارئ ومرضى العلاج الكيميائي.
واعتبر نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف أن قرار القاضي "جائر وظالم"، مشدداً على أنّ "المبالغ المالية تبقى قليلة مقارنة مع حالة الطفلة طنوس، بيد أنها باهظة على من عمل بضمير وإنسانية، سواء بملاحقته قضائياً بالسجن، كما حصل بدايةً، أو الحكم الصادر أخيراً الذي نعترض عليه، لما يشكل من خطرٍ على الأمن الصحي، بحيث أن أحداً لن يتجرّأ على العمل في الحالات الصعبة والنادرة عندما تكون التبعات بهذا الشكل".
وقال أبو شرف من أمام قصر العدل في بيروت: "هناك مضاعفات تحصل إما نتيجة الالتهاب، مثل حالة الطفلة إيلا، أو عند تناول أدوية بطريقة غير صحيحة، أو غيرها من الأخطاء. لكن لا نية جرمية، بل النية شفاء المريض، وهذا ما على المجتمع أن يفهمه. الأطباء لا يمكنهم العمل تحت الضغط الذي نراه، سواء بمحاكمة علنية من دون وقائع وإثباتات، أو من دون وجود اختصاصيين ملمّين بالشأن الطبي في القضاء".
وأضاف نقيب الأطباء: "أتينا إلى وزيرة العدل ماري كلود نجم لنطلب منها أولاً العمل على إبطال مفعول الحكم الظالم والجائر الصادر عن القاضي البيطار، وإنشاء هيئة مختصّة بالأمور الطبية في القضاء تناط بها مهمة دراسة هذا النوع من الملفات عند حصول مشاكل معينة".
وأعلن المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت التوقف عن استقبال المرضى في جميع أقسامه الاستشفائية والعيادات الخاصة، مؤكداً أنه سيواصل استقبال وعلاج مرضى الحالات الطارئة والحرجة.

في المقابل، قال والد الطفلة، حسان طنوس، لـ"العربي الجديد"، إنّ تكاليف علاج إيلا تتخطى 10 ملايين دولار، وكلفة تغيير الأطراف الاصطناعية كلّ سنة تصل إلى عشرين ألف دولار، عدا عن تكاليف أخرى من بينها عمليات تجميل في مكان حصول البتر، وعلاج فيزيائي، وعلاجات غالبيتها لا يغطيها الضمان الاجتماعي، إضافة إلى مصاريف كثيرة ترتبط بأسلوب حياتها اليومية.

 وأشار إلى أنّ "هذه التكاليف مفصّلة بتقارير طبية معدّة من مراكز مختصة وأطباء تابعوا حالتها، والقضاء لا يتخذ أحكاماً بتعويضات عشوائية"، واستغرب حسان وقفة الأطباء وقرار المستشفيات بإقفال أبوابها في وجه المرضى، معتبراً أنها "حتماً تتعدّى قضية إيلا، وربما هي رسائل للدولة للإضاءة على وضع المستشفيات وأزمتها المالية، والقضاء سبق أن شكل لجنة تحقيق طبية برئاسة النقيب أبو شرف، وعضوية 9 أطباء، وحصل إقرار بالخطأ الطبي ومسؤولية المستشفيين، وطالبنا بإحالة الملف إلى المجلس التأديبي، فكان الجواب حينها الإتيان بحكم قضائي، وللأسف، عند صدوره، يحصل ما نشهده اليوم".
وأضاف الأب: "المستشفيات لم تقبل التكفل بعلاج إيلا أو دفع تعويضات، ولا يريدون مجلساً تأديبياً، ولا اتخاذ إجراءات بحق الأطباء، وعند صدور أحكام قضائية ينتفضون ضدها، ويتمردون عليها. هذه ديكتاتورية".

من جهتها، قالت نقابة أصحاب المستشفيات إنّ "الحكم القضائي الصادر في قضية الطفلة إيلا طنوس مفصلي، بمعنى أن العلاقة بين المؤسسات الاستشفائية والمريض بعد هذا الحكم لن تكون كما قبله. لن ندخل في سجال إذا ما كان هناك خطأ طبي أم لا، فالآراء متعددة ومختلفة، إنما في مطلق الأحوال، فإن المبالغ التي حددها الحكم كتعويضات شخصية هي مبالغ فاحشة، ولا تتناسب مع الواقع اللبناني، ولا مع واقع القضية، وارتداداته ستكون سلبية على العلاقات بين المؤسسات الاستشفائية والمرضى، وسيؤدي إلى الإفراط في الحذر لدى المؤسسات تجنباً للتعرض لملاحقات قانونية".

وأضافت النقابة أن تبعات الحكم "ستزيد من كلفة الاستشفاء، إذ ستضطر المستشفيات والأطباء إلى المبالغة في إجراء الفحوص، وزيادة مبالغ التأمين"، وأملت أن "يتم تصويب الأمور من خلال المسار القانوني لحكم لم يشهد له لبنان مثيلاً".

وكانت القاضية الجزائية في بيروت رلى صفير أصدرت، في فبراير/شباط 2020، حكماً بإدانة مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت و"الرهبانية المارونية" بصفتها مالكة مستشفى سيدة المعونات الجامعي في جبيل، والطبيبين عصام معلوف ورنا شرارة، بجرم خطأ طبيّ تسبب بإيذاء الطفلة إيلا طنوس وبتر أطرافها الأربعة، وتقرّر حبس معلوف مدة شهرين، ومن ثم الاكتفاء تخفيفاً بمدة توقيفه، وحبس شرارة مدة شهرين، ومن ثم إبدال العقوبة تخفيفاً بغرامةٍ مالية قدرها مليونا ليرة لبنانية.

المساهمون