"فسحات للعقاب" في سجون الاحتلال الإسرائيلي

"فسحات للعقاب" في سجون الاحتلال الإسرائيلي

17 مارس 2022
ليست الحرية المسلوبة العقوبة الوحيدة للأسرى الفلسطينيين (أحمد زاكوت/ Getty)
+ الخط -

لا تتوانى إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي عن سلب الأسرى الفلسطينيين فسحات الخروج إلى ساحة السجن التي تعرف باسم "الفورة"، وتجعلها وسيلة لتعذيبهم وأداة للتنكيل بهم. وهي تريد عبر هذا الإجراء منع تشكيل "الذاكرة الثقيلة" للأسرى، وقطع الطريق أمام تحركاتهم النضالية.
تقول مسؤولة العلاقات العامة والإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة، لـ"العربي الجديد": "ليست ساحة الفورة مجرد مساحة لخروج الأسرى من زنزاناتهم والغناء وممارسة الرياضة، أو رؤية قليل من الشمس واستنشاق الهواء، بل مكان تصنع فيه لقاءات الأسرى ذاكرتهم الثقيلة حول أوضاعهم، من خلال قصص وأحداث تنتج خصوصية ثقافية ونضالية مهمة، فالأسرى يناقشون خطواتهم في مواجهة أساليب الاحتلال في التنكيل بهم داخل السجون، ويتشاركون همومهم".
تضيف: "تختلف الفورة حسب طبيعة الأسرى وطبيعة السجن الذي قد يكون مركز تحقيق أو مركزياً يضم محكومين بفترات طويلة. وبناء عليه، تتخذ سلطات الاحتلال إجراءات رقابة إضافية، وفق تصنيفها لدرجة خطورة الأسرى".

يروي الأسير المقدسي المحرر بلال عودة (43 عاماً)، الذي قضى 18 عاماً في السجن منذ اعتقاله عام 2001، وأطلق في صيف عام 2019، لـ"العربي الجديد"، أن "الفورة ذات فوائد صحية مهمة جداً للأسرى الذين يقبعون في زنزانات ضيقة لا نوافذ مفتوحة فيها، وكذلك فوائد نفسية، لأن الأسرى يقضون ساعات طويلة بين الجدران، ويتعرضون لضغوط كبيرة قد تزيل الفورة بعضها وتحسن ولو جزئياً بعض مزاجهم السيئ. كما أنها وسيلة مهمة لتفاعل الأسرى بعضهم مع بعض اجتماعياً تمهيداً لبناء علاقات أو تطويرها، وحل مشاكل والتعامل مع القضايا الإدارية التي تخص تنظيم حياة الأسرى في الأقسام".
ويؤكد عودة أن "الفورة تبث الحياة في نفوس الأسرى، فالهدوء قاتل في زنزانات السجن، ولا يسمع الأسرى فيها إلا أصوات السجانين والأقفال والمفاتيح. وكنا حين نخرج للفورة نسمع أصواتنا وأصوات خطواتنا فتدب روح الحياة فينا مجدداً، ما يشكل حالة من القوة الجماعية بالنسبة إلينا، حيث يصبح صوت الأعداد الكبيرة من الأسرى موجوداً، علماً أن السجانين لا يسمحون بأن يتحدث الأسرى بصوت عالٍ داخل الغرف والزنزانات. وخلال الفورة، يصعب الاعتداء على مجموعات الأسرى الذين يشعرون بأمان أكبر بسبب وجودهم معاً، وبقدرة أكبر على السيطرة على الاستفزازات والمواقف غير المناسبة التي قد يتعرضون لها، علماً أن غالبية الاعتداءات على الأسرى وحالات قمعهم تقع داخل الغرف والأقسام".

الصورة
يخضع الأسرى الفلسطينيون لأدوات عقاب في السجن (مصطفى حسونة/ الأناضول)
يخضع الأسرى الفلسطينيون لأدوات عقاب في السجن (مصطفى حسونة/ الأناضول)

ويخبر عودة بأن "الأسرى انتزعوا، بعد نضال طويل ومتكرر، حقهم في الحصول على فسحات الفورة في أوقات متعددة، لا تخلو من التنكيل والحرمان منها، وهي تبدأ من السابعة حتى الثامنة صباحاً لممارسة الرياضة، حين يخرج فقط نصف عدد الأسرى في الأقسام، ثم تتكرر من الثامنة حتى العاشرة صباحاً، ومن العاشرة حتى الحادية عشرة صباحاً، ومن الواحدة إلى الثالثة عصراً، ومن الثالثة عصراً حتى الرابعة والنصف عصراً. وفي كل الفسحات لا يسمح بخروج عدد الأسرى الكلي في الأقسام".
ويدأب الاحتلال الإسرائيلي على استخدام الحرمان من "الفورة" كأداة لمعاقبة الأسرى حين يتخذون أي خطوات للاحتجاج، من أجل التأثير على معنوياتهم، وزعزعة الهدوء الذي يسود مشاعرهم التي يحاولون لملمتها خلال سنوات من الروتين القاتل في الزنزانات. ويعلّق عودة: "عندما كانت إدارة السجون تحرمنا من الخروج للفورة لو على مدار 24 ساعة فقط، كان الأمر يولد ضغوطاً نفسية كبيرة في نفوسنا، وشعوراً كبيراً بالإحباط. هل يعلم الناس ماذا يعني أن يبقى ثمانية أفراد من الأسرى في غرفة واحدة ضيّقة لفترات طويلة، وهل يعرفون شعور الأسرى عندما يرون ساحة الفورة من دون أن يستطيعوا الخروج إليها؟ الاحتلال الإسرائيلي يتلذذ بتعذيبنا".

الأسيرات
بالانتقال إلى الأسيرات، فهن يفقدن الخصوصية خلال "الفورة"، باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي طبق إجراء تركيب كاميرات في ساحاتها بدءاً من عام 2018، فبتن غير قادرات على التعرض للشمس، خصوصاً المحجبات، وتقيّدت حركة بعضهن خلال ممارسة الرياضة. 

وتروي الأسيرة المحررة ليان كايد (24 عاماً)، التي كانت قد اعتقلت صيف عام 2020، وأطلقت في خريف عام 2021، لـ"العربي الجديد"، أن "الأسيرات في سجن الشارون احتجوا على هذا الإجراء، وقررن عدم الخروج إلى الفورة طوال أكثر من ستين يوماً. ورد سجانو الاحتلال الإسرائيلي بمعاقبة الأسيرات، ونقلهن إلى سجن الدامون المزوّد بدوره بكاميرات مراقبة"، تضيف: "لم ترَ بعض الأسيرات الشمس كما يجب طوال سنوات، في مشهد يمكن وصفه بأنه مؤلم ومليء بالمشاعر السيئة. كانت إحدى الأسيرات معي في القسم تتبع حركة الشمس خلال النهار عبر النافذة لتلفح وجهها وشعرها وجسمها بأشعتها. وكنا نشعر بهذا الحرمان حتى خلال الفورة، بسبب عدم قدرة بعض الأسيرات على خلع الحجاب، فالفورة يجب أن تكون مخصصة للترفيه، لكن سلطات الاحتلال تتعمد تفويتها علينا عبر جعل أماكن الاستحمام في ساحاتها، ما يزيد انتهاكها خصوصية الأسيرات".

المساهمون