الصراع الروسي ـ الأميركي يستعر أوكرانياً

الصراع الروسي ـ الأميركي يستعر أوكرانياً

09 فبراير 2015
تدعو الولايات المتحدة إلى تسليح كييف (أندري بورودولين/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت فكرة "الصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب الأطلسي" تترسخ أكثر فأكثر في العقل الجمعي الروسي، فيما يتعلّق بالنزاع الأوكراني. وما يعزز هذه الفكرة، هو لجوء النخب الروسية إلى خطاب القيادة الأميركية لتعليل استنتاجاتهم، وتأكيد عدم وجود بدائل لدى موسكو سوى خوض معركتها في كييف حتى النهاية. تماماً كما كان الوضع أثناء ضمّ شبه جزيرة القرم في الربيع الماضي، لا بل إن النخب يثنون على "الطريقة السلسة التي تمّ بها ذلك".

وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، صبّ الزيت على النار، في مقابلة مع قناة "سي إن إن" في الأول من فبراير/شباط، حين قال إن "ضمّ القرم عملية مكلفة، وغير مربحة لروسيا، وبالتالي نحن نعمل على تقوية الدول المتاخمة لروسيا، العاملة في إطار الأطلسي. وأنا أشرت بوضوح إلى أنه لا ينبغي تجاوز هذا الخط، لأنه سيكون علينا اتخاذ إجراءات عسكرية للدفاع عن حلفائنا، وفقاً لما تنصّ عليه المادة الخامسة من ميثاق الأطلسي". ووافقه نائبه، جو بايدن، بالقول "نحن لا نعتقد أن هناك حلاً عسكرياً في أوكرانيا، لكن دعوني أقل أيضاً وبنفس درجة الوضوح، نحن لا نعتقد بأن روسيا لها الحق في أن تفعل ما تقوم به. نعتقد أن علينا السعي نحو سلام مشرف، كما نعتقد أيضاً أن الشعب الأوكراني له الحق في الدفاع عن نفسه". في معرض الدفاع عن إرسال أسلحة إلى كييف، عكس ما يريد الأوروبيون.

وفي تأكيد للوجود الأميركي في أوكرانيا، نقلت وكالة "تاس"، مساء الثالث من فبراير، عن مساعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي للشؤون السياسية، جيمس أباثوراي، قوله إن "في أوكرانيا خبراء من منظمة حلف شمال الأطلسي، لكنهم لا يشاركون في القتال في شرق البلاد، بل يساعدون في إجراء إصلاحات في مجال الأمن".

ومن الجدير بالذكر أن موسكو أسست سياستها حيال القرم وأوكرانيا على أفعال الأطلسي وزحفه باتجاه الحدود الروسية ونشر الدرع الصاروخية، بما يهدد أمن روسيا. ففي 18 مارس/آذار 2014، قال الرئيس فلاديمير بوتين، أمام الجمعية الفيدرالية، بخصوص القرم "لقد صدرت تصريحات في كييف عن الانضمام العاجل إلى حلف شمال الأطلسي. فما الذي كان سيعنيه ذلك بالنسبة للقرم وسيفاستوبول؟ في مدينة المجد العسكري الروسي كان سيظهر أسطول الأطلسي، وكان ذلك سيهدد الجنوب الروسي برمته". وأضاف "نحن ضد أن تسرح وتمرح هذه المنظمة العسكرية بالقرب من سور بيتنا، أو في أراضينا التاريخية".

ومعروف أن روسيا قاتلت على مدى قرون، من أجل إبقاء القرم تحت سلطتها، مدركة الأهمية العسكرية الاستراتيجية لشبه الجزيرة هذه، وأهميتها الجيوسياسية المستقبلية في مصير البلاد. علماً أن نشر قوات في القرم يسمح، استراتيجياً، بالتحكّم في البحر الأسود وبحر آزوف، وآسيا الصغرى، والحدود الجنوبية لرومانيا وبلغاريا وروسيا وأوكرانيا والقوقاز، وصولاً إلى بحر قزوين.

ومعلوم أنه، حتى تاريخ انضمام القرم إلى روسيا، كان على موسكو الحصول على موافقة البرلمان الأوكراني، قبل أن تذخر حتى بندقية بالذخيرة الحية في أسطول البحر الأسود، التزاماً بشروط الاتفاقية حول وضع أسطول البحر الأسود في القرم وسيفاستوبول. ومع ضمّ القرم إلى روسيا، بات بإمكان موسكو تحديث قواتها في شبه الجزيرة بصورة جذرية.

ودعمت موسكو قوات القرم، في إطار برنامج إعادة تسليح الجيش الروسي حتى عام 2020. ووفقاً لموقع "كون.دبليوإس"، فقد تم تزويد شبه الجزيرة بحوالى 300 منظومة من السلاح والعتاد الحديث. وتمّ تسليح الوحدات المرابطة هناك بأحدث النظم ذاتية الدفع، المضادة للدبابات من طراز "كريزانتيما- إس"، ومدافع "هاوتز 152 ميلليمتر، مستا- إس"، وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة من نوع "تورنادوـ غ"، كما تم تسليح القوات الساحلية بأحدث مضادات السفن المتنقلة من منظومة "بال" التي تدخل في إطارها الصواريخ المجنحة "إكس- 35 أوران".

تجدر الإشارة إلى أن نفقات حلف شمال الأطلسي العسكرية بلغت تريليون دولار في عام 2013، 600 مليار منها حصة الولايات المتحدة، في حين بلغت الميزانية العسكرية الروسية في العام نفسه 68 مليار دولار، مع النية بزيادتها إلى 98 مليار دولار مع حلول عام 2016، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تضرب روسيا حالياً. مع العلم أن بوتين أكد أكثر من مرة، وآخرها يوم السبت، أنه "لن يشنّ أي حربٍ على أحد"، لكنه لن يسمح بـ"زعيم واحد يحكم العالم".