"انتفاضة القدس" في مرآة الصحافة الإسرائيلية

"انتفاضة القدس" في مرآة الصحافة الإسرائيلية

07 نوفمبر 2014
يقرّ الإعلام الإسرائيلي بوجود انتفاضة (صالح زكي فضل أوغلو/الأناضول)
+ الخط -
تصدّرت عناوين مثل "انتفاضة القدس"، الصفحات الأولى من الصحف الإسرائيلية، أمس الخميس، التي أعلنت أن "ما يحدث في القدس، مهما حاولت الحكومة ومن يقف على رأسها إنكار ذلك، هو انتفاضة حقيقية".

وفي السياق ذاته، ذكرت الصحافية، سيما كدمون، في مقالها في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن "ما يبدو مثل الانتفاضة ويتحرّك مثل الانتفاضة ويصدر أصواتاً مثل أصوات الانتفاضة، فهو من دون شك انتفاضة. مع ذلك هناك من يرى هذه المشاهد ويسمع هذه الأصوات، لكنه يصرّ على عدم استخدام كلمة انتفاضة".

وحاولت كدمون أن تكون "الطفل" الذي يقول لحكومة، بنيامين نتنياهو، إن "ما يحدث هو انتفاضة وليس مجرّد اضطرابات". لتُضيف أنه "بمجرد ذكر المسجد الأقصى يثور العرب، فعلى الرغم من أن الوضع الراهن هو على وشك الانفجار، إلا أن أعضاء استفزازيين من الكنيست يصرّون، كل صباح، على زعزعة وضع الحرم القدسي، عبر خرق الهدوء، ويقومون بكل ما من شأنه منع التهدئة".

وتتخوّف كدمون من "محاولات تقزيم حجم الأحداث في القدس ووصفها بأنها انتفاضة هادئة". واعتبرت أن "الأحداث هادئة مثل انهيار جبل ثلجي، فما نراه في القدس ومحيطها، لا يبدو مجرد أحداث عنف محلية في طريقها للانحسار والهدوء".

في المقابل، يخطو المحلل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، خطوة أخرى إلى الأمام، ليعترف أن "ما يحدث في القدس، في واقع الحال هو حرب على السيادة، أيّاً كان الاسم الذي يمكن إطلاقه على أحداث القدس: انتفاضة، مقاومة شعبية أو اضطرابات خطيرة". ويخلص فيشمان إلى القول، إن "الفصائل الفلسطينية كافة توحّدت في جبهة واحدة، تهدف إلى التنصّل والانعتاق من الحكم الإسرائيلي في المدينة".

ويحاول المحللون الإسرائيليون من مختلف الصحف والاتجاهات، الإشارة إلى أن "الفصائل كافة، وتحديداً حماس والسلطة الفلسطينية، تسعى إلى الاستفادة من التصعيد الحاصل في القدس، لتحقيق مكاسب لها". ويعتبر فيشمان أن "حماس تريد التعويض عن الهدوء على الجبهة الجنوبية، والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تسعى بدورها إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الأحداث، والتلويح للإسرائيليين بأن الاحتلال أخرج السلطة من القدس، وقضى على سيطرتها، وعليه الآن أن يتحمل غيابها".

ويلفت فيشمان في هذا السياق، إلى أن "ما يحدث هو، عمليّاً، نتيجة للاستخفاف الإسرائيلي بتهديدات رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، خصوصاً على ضوء تحذيرات أبو مازن، بأن وقف التنسيق الأمني في الضفة الغربية، يعني بدء تورط إسرائيل فيها".

ويضيف "عندما هدّد أبو مازن بتسليم المفاتيح لنتنياهو، لم يقصد أصلاً تفكيك السلطة الفلسطينية، كما اعتقدوا في إسرائيل، بل قصد أن يقول: إن السلطة لن تتابع، كونها أداة في أيدي نتنياهو، السيطرة على سكان الضفة الغربية".

في المقابل، لاحظ المحلل العسكري لموقع "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، أنه "إلى جانب سياسات الاحتلال في القدس، فإن انعدام التوازن وغياب قيادة فلسطينية مقدسية، خصوصاً بعد أن قام الاحتلال بتهميشها، يساهم في انفلات القدس من قبضة الاحتلال".

واقترح بن يشاي على الحكومة الإسرائيلية، "نقل الحرب، بكل بساطة إلى الأحياء الفلسطينية في القدس، عبر نصب المزيد من الحواجز داخلها، وشنّ حملات اعتقالات وتفتيش داخلها، لنقل ميدان المواجهات إليها، وإبعادها عن الطرق الرئيسية للقدس (الغربية) القريبة من الأحياء اليهودية، مع الانتباه إلى ضرورة عدم إيقاع قتلى في صفوف الفلسطينيين في القدس لأن كل قتيل سيصب الزيت على النار".

أما المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، فاعتبر أن "حادثتي الدهس في القدس، وعلى مقربة من الخليل، تؤسسان في واقع الحال لقواعد جديدة وموازين جديدة في القدس. فعملية الدهس التي نفذها الشهيد، إبراهيم العكاري، هي ثالث عملية يُقتل فيها إسرائيليون في القدس خلال أسبوعين".

وضيف، أنه "منذ جريمة قتل الفتى محمد أبو خضير، قُتل في القدس أربعة إسرائيليين وستة فلسطينيين". ويرى أن "هذا الواقع الجديد يقلّل من الشعور بالأمن لدى المستوطنين في الأحياء الإسرائيلية، خلف حدود 1967، ومن شأنه بطبيعة الحال أن يؤثر في الأوضاع الأمنية وحركة السياحة للمدينة".

ويلفت هرئيل إلى أن "استدعاء الأردن لسفيره في تل أبيب مؤشر خطير، باعتبار أن الأردن الذي يتلقى من إسرائيل دعماً اقتصاديّاً وأمنيّاً لا يُستهان به، وجد نفسه مضطراً للتعبير عن احتجاجه العلني على ضوء حساسية موضوع القدس في العالم العربي".

وخلافاً لمحاولات الصحف الأخرى والمسؤولين الإسرائيليين الرامية إلى وصف ما يحدث في القدس بأنه "أحداث واضطرابات محلية تتعلق بسعي المقدسيين إلى تحسين ظروفهم المعيشية، من جهة واستغلال الفصائل الفلسطينية والسلطة الفلسطينية للقدس لتحقيق مكاسب سياسية"، إلا أن "هرئيل يبيّن أن "ما يحدث في القدس، لن يكون مجرد موجة أحداث عابرة، وأن عمليات الدهس ترسخ الاعتقاد بأن الطريق إلى استعادة الهدوء وتهدئة المدينة لا تزال طويلة، على الرغم من التصريحات المتشددة لأقطاب الحكومة وتعزيز قوات الشرطة والأمن في المدينة".

ويرى هرئيل أن "لفلسطينيي القدس كماً كبيراً من التبريرات والأسباب لاندلاع أعمال العنف، وسياسة تشديد القبضة من الحكومة لن تؤدي بالضرورة إلى قمع الفلسطينيين بسرعة". ويشير في سياق التطرق إلى السلطة الفلسطينية، إلى أنه "على الرغم من أن وزراء الحكومة الإسرائيلية وفي مقدمهم وزير الأمن، موشيه ياعلون، ووزير شؤون الاستخبارات، يوفال شتاينتس، ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، سارعوا إلى توجيه أصابع الاتهام لسلطة عباس، فضلاً عن التصعيد الكلامي للسلطة الفلسطينية في تصريحات مسؤوليها، إلا أن السلطة لا تزال تواصل تنسيقها الأمني المكثف مع الجيش والشاباك في الضفة الغربية، لمنع اندلاع أحداث مشابهة لتلك الجارية في القدس الآن".

ويخلص هرئيل إلى القول إنه "حتى إذا كانت حكومة نتنياهو تسعى إلى التهرب من استحقاق عملية سياسية مع الفلسطينيين، إلا أنها لا تزال بحاجة للسلطة الفلسطينية لمنع انتقال المواجهات إلى أنحاء الأراضي المحتلة كافة".

المساهمون