8 آلاف مُغيّب في نينوى: عام إضافي من الظلم

8 آلاف مُغيّب في نينوى: عام إضافي من الظلم

30 يونيو 2023
فرّ الآلاف خلال سيطرة "داعش" على الموصل (فريق فرج/الأناضول)
+ الخط -

لم تشفع الوعود التي أطلقتها الحكومات العراقية المتعاقبة، خلال السنوات السبع الأخيرة، في حسم ملف آلاف الأشخاص المختفين بمحافظة نينوى، وعاصمتها المحلية الموصل على نحو التحديد، إذ تتصدر نينوى المحافظات والمدن الشمالية والغربية المعنية بأزمة المغيبين أو المختطفين بعد أحداث منتصف عام 2014، إبان اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة من العراق، وما أعقبها من عمليات عسكرية واسعة استمرت زهاء 3 سنوات.

في نينوى يمكن ملاحظة الأعداد الكبيرة للمغيبين من القوائم التي تضعها المحاكم المدنية لدعاوى الأسر العراقية التي تطالب بالكشف عن مصير ذويهم، وسط تأكيدات بأن المغيبين في المحافظة، ويتجاوز عددهم الثمانية آلاف، تقف خلف تغييبهم ثلاث جهات، هي تنظيم "داعش" والمليشيات والقوات العراقية النظامية أيضاً.

ويعرّف القانون الدولي الإخفاء القسري على أنه "توقيف شخص ما على يد مسؤولين في الدولة أو وكلاء للدولة، أو على يد أشخاص أو مجموعات تعمل بإذن من السلطات، أو دعمها أو قبولها غير المعلن، وعدم الاعتراف بالتوقيف أو الإفصاح عن مكان الشخص أو حالته.

مسؤول بديوان محافظة نينوى: 3 جهات تتورط بملف المغيبين، هم داعش والفصائل المسلحة والقوات النظامية

وأكد مسؤول رفيع في ديوان محافظة نينوى، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن عدد من تم تسجيل اختفائه تجاوز الثمانية آلاف عراقي أغلبهم من أهالي الموصل، وما زال مصيرهم مجهولاً. واتهم الحكومة في بغداد بالمماطلة حيال ملف الكشف عن مصيرهم، لارتباط جزء منه بفصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي"، وأخرى بالقوات العراقية النظامية التي تتورط عبر شقين، الأول بالقصف العشوائي والثاني بالاعتقالات.

3 جهات تتورط بملف المختفين

وأكد أن "ثلاث جهات تتورط بملف المختفين أو المغيبين، هم داعش والفصائل المسلحة والقوات العراقية النظامية". وشرح أن "التحقيقات الخاصة بالسلطات المحلية، أكدت أن داعش غيّب المئات من أهل الموصل وضواحيها، ونفذ فيهم عمليات إعدام في مناطق عديدة، بعد إصدار فتاوى تكفيرهم، أو ما يطلقون عليه حد القتل تعزيراً، لأسباب مختلفة، وصلت إلى درجة تكفير من كان يعمل شرطي مرور".

وتابع أن "المليشيات المسلحة ضمن الحشد نفذت عمليات اعتقال وخطف، ثم إعدام خلال عمليات التحرير، طاولت الفارين من المعارك من السكان المحليين، وهذه دوافعها طائفية بحتة. أما القوات العراقية فنفذت عمليات اعتقال، وهناك جرائم ارتكبت من قبل أفراد بقتل مدنيين بمزاعم أنهم من داعش، وآخرين ما زالوا تحت الأنقاض أو تم استخراجهم عظاما نتيجة القصف العشوائي".

وتابع: "في الحقيقة، يجب أن نعتبرهم أمواتاً، ولا أمل بوجود أحد منهم حيا، لكن الأهالي من حقهم التمسك بالأمل، وليس من حق أحد الجزم بموتهم من دون وجود جثة".

"داعش" المسؤول الأول

سيف علي (17 عاماً)، أحد المغيّبين في الموصل، اختطفه مسلحون من "داعش" أثناء عمليات استعادة الموصل، وتحديداً في إبريل/نيسان 2017، قبل أسابيع على استعادة قوات الرد السريع حي 17 تموز غربي المدينة التي كان يسكنها الفتى. جد الفتى من أمه، الحاج أحمد قال، لـ"العربي الجديد"، إن "حفيده اختُطف بعد أن دهم مسلحو داعش منزلهم، وكانت التهمة هي التخابر مع والد الفتى الذي يعمل وما يزال ضابطاً في الشرطة الاتحادية".

وأضاف: "عقب التحرير حصلنا على معلومات تفيد بأن حفيدي لا يزال على قيد الحياة، وأنه محتجز في سجن قرب مطار المثنى في بغداد، وذلك بعد أن دهمت قوة عسكرية سجناً لتنظيم داعش كان يحتجز فيه المئات".

وتابع أن "والد الفتى وبصفته ضابطاً في الشرطة الاتحادية، وبما يملكه من علاقات بأجهزة الأمن راجع بنفسه السجون الحكومية لكنه لم يعثر على نجله سيف، الأمر الذي جعلنا متيقنين بأنه قُتل في وقت قريب من اختطافه". وفي يوليو/تموز 2014، أي بعد شهر واحد من سيطرة "داعش" على الموصل، أطلق التنظيم حملة لجمع منتسبي الأجهزة الأمنية عبر فخ تحت مسمى "التوبة"، من خلاله أعلن التنظيم أنه سيصفح عن جميع المنتسبين شرط توقيعهم على ورقة خاصة تتضمن تعهداً لعدم العودة للعمل مع الحكومة مرة ثانية، وذلك في مراكز تابعة له.

مصطفى عايد، أحد منتسبي الشرطة في بلدة القيّارة جنوب الموصل، وجد نفسه مضطراً للذهاب إلى مركز "التوبة" الخاص بـ"داعش" ليتجنب القتل أو الملاحقة في ما بعد، ولم يكن يعلم أن ذهابه سيكون السبب في تغيبه لغاية اليوم.

وقال محمود، شقيق مصطفى لـ"العربي الجديد"، إن "شقيقه وبعد توقيعه على وثيقة التوبة، اعتُقل من قبل عناصر داعش الذين دهموا منزله في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه". وأضاف: "التهمة الموجّهة لمصطفى هي ذاتها التي توجه لأغلب ضحايا داعش، وهي التخابر وتقديم المعلومات لأجهزة الأمن العراقية".

المشكلة التي تواجه محمود اليوم، تتمثل بعدم اعتبار شقيقه "شهيداً" لغاية الآن، وذلك يعني عدم اعتراف السلطات العراقية بأنه ضحية للتنظيم، ويترتب على ذلك، عدم منح الضحية الذي ترك زوجة أرملة وطفلين يتيمين بدون أي حقوق مالية من قبل الدولة.

ويواجه أغلب الضحايا المدنيين في الموصل المشكلة نفسها، فحكومة بغداد وأجهزة الأمن تضعهم في خانة الاتهام، بدعوى أنها لا تملك معلومات مؤكدة عن الضحايا واحتمالية وجودهم في صفوف "داعش" خلال فترة غياب الدولة، وهي تهم يرفضها أهالي الضحايا ويؤكدون أنها إساءة كبيرة لهم.

المليشيات المتهم الثاني

خلال سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل، فرّ آلاف الأشخاص عبر طريق تحفه المخاطر، يمتد من جنوب المدينة باتجاه غربي صلاح الدين ثم الأنبار، وصولاً إلى محافظة كربلاء، ومنها ينتقلون إلى بغداد ثم إلى أماكن أخرى. مخاطر هذا الطريق تمثلت أولاً بوجود "داعش" الذي يرفض خروج الأهالي من مناطق نفوذه، وثانياً بانتشار فصائل مسلحة في المناطق الفاصلة بين الخاضعة لـ"داعش" وتلك التي تسيطر عليها الحكومة العراقية.

ياسر ضياء: كان على الحكومة الاتحادية الإسراع في إنهاء معاناة ذوي المختفين

ووقع مئات الأشخاص الهاربين من الموصل ضحايا في هذا الطريق، واختفوا بعد وصولهم إلى مناطق سيطرة الفصائل التابعة لهيئة "الحشد الشعبي"، والتي يفترض أنها قوات عراقية تعمل تحت أمرة القائد العام للقوات المسلحة.

أحمد جودت (36 عاماً)، كان أحد هؤلاء الضحايا، اختطف في مارس/آذار 2015. وبحسب رواية والده فإن أحد الأشخاص الذين كانوا مع نجله أخبره بأن قوة تابعة لمليشيا "كتائب حزب الله"، أوقفت السيارة التي كانت متجهة من منطقة الرزازة في الأنبار باتجاه كربلاء، واعتقلت أحمد مع شخص آخر، كان هارباً أيضاً من الموصل، فيما تركت اثنين وسمحت لهما بالعبور.

وأبلغ والده "العربي الجديد" نقلاً عن الشاهد الناجي أن "القوة احتجزت أحمد وشخصاً آخر معه بدعوى الحاجة للتأكد من هويتهما". وخلال عامين من اختطافه، كان والده يظن أن أحمد موجود في أحد السجون ومراكز الحجز. وبعد استعادة الموصل، وتمكنه من مغادرة المدينة لم يجد أي أثر لنجله في جميع السجون التابعة لوزارة الداخلية والدفاع والعدل، بينما تنفي هيئة "الحشد الشعبي" وجود معتقل لديها بهذا الاسم، كما أكد والد الشخص المفقود.

لا يعرف والد الضحية المفقود لغاية اللحظة أي معلومات عن نجله، لكنه أكد أنه تواصل مع مسؤولين كبار في الدولة، بدون أن تسفر لقاءاتهم ووعودهم عن أي نتيجة.

وأشار إلى أن أحد المسؤولين الذين التقاهم أخبره بأن "جميع المعتقلين لدى الفصائل المسلحة قد قتلوا بدوافع طائفية". وبحسب معلومات أكدها ضابط في الجيش العراقي ضمن قيادة عمليات نينوى العسكرية، فإن الفصائل المسلحة المتورطة بملف الاختطاف في نينوى على وجه التحديد، هي "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"بدر"، و"سيد الشهداء"، و"الإمام علي"، و"الخراساني"، و"رساليون"، و"النجباء".

قوات الأمن المتهم الثالث

بدأت القوات العراقية عملية لاستعادة الموصل في 17 أكتوبر 2016، واستمرت العملية إلى منتصف يوليو/تموز 2017، واعتقلت القوات خلال دخولها إلى مناطق المدينة تباعاً مئات الأشخاص بشبهة الانتماء أو التعاون مع تنظيم "داعش"، وآخرين لغرض الاستجواب، ومعرفة معلومات عما يجري داخل المدينة. وخلال المعارك، كانت تسريبات مصورة تُظهر بين حين وآخر، عمليات إعدام تنفذها عناصر من قوات عراقية ضد أشخاص بملابس مدنية في الموصل، ومن بين تلك المقاطع مشهد إعدام لنحو عشرين شخصاً قرب قلعة باشطابيا الأثرية المطلة على نهر دجلة وسط الموصل.

سلمى أحمد فقدت ابنها ياسر بعد أن دهمت قوة من الجيش العراقي حي الزنجيلي في الساحل الأيمن لمدينة الموصل في يونيو/حزيران 2017، حيث كانت القوات العراقية تعتمد آلية تقوم على إخلاء سكان المنطقة التي تدخل إليها، وتفرض عليها السيطرة ونقل العائلات إلى مخيمات جنوبي الموصل.

هربت عائلة سلمى مع عائلات أخرى، عندما دخلت قوات الجيش وفقد "داعش" السيطرة على حي الزنجيلي، وعند حاجز للتفتيش أقامه الجيش في حي الرفاعي المجاور، اعتقل ابنها بدعوى إن اسمه مشتبه به، كما تؤكد سلمى. وأضافت، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها "راجعت مختلف السجون والأجهزة الأمنية، لكنها لم تجد اسمه موجوداً ضمن أسماء المعتقلين".

واستذكرت سلمى ابنها ودموعها تنهمر قائلة: "هل يعقل أن هذا المظلوم قد قُتل؟". وأشارت سلمى إلى أن ابنها لغاية الآن في عداد المفقودين ولم تصدر له شهادة وفاة، وبيّنت أنها قدّمت معاملة إلى "مؤسسة الشهداء" لشمول ابنها بحقوق مالية تقدمها الحكومة لذوي الشهداء، لكن لم توافق المؤسسة على طلبها كونه ليس ميتاً في نظر الدولة.

مغيبون بالآلاف في نينوى

لا توجد إحصائية حكومية رسمية بأعداد المفقودين والمغيبين منذ دخول "داعش" نينوى وحتى طرده، ما تسبب بوجود تضارب في الأرقام التي توثقها المنظمات الحقوقية التي تؤشر إلى أن عدد المغيبين في نينوى يراوح ما بين 5 و8 آلاف، في الفترة التي أعقبت سيطرة "داعش" على المدينة. لكن رئيس منظمة "المتحدة لحقوق الإنسان"، الناشطة في الموصل سامي الفيصل أكد، لـ"العربي الجديد"، توثيق 8200 مغيب من محافظة نينوى حتى الآن، منهم من غُيّب خلال سيطرة "داعش" ومنهم خلال محاولة الفرار من المدينة، فيما غيّب آخرون عقب العمليات العسكرية لاستعادة المحافظة.

توقع مصطفى سعدون تصفية الأشخاص المعرفين باسم "المغيبين"

وقال الفيصل إن "مصير هذه الأعداد ما يزال مجهولاً منذ سنوات، وإن بعض العائلات تدعي بأن ذويهم المغيبين موجودون في سجون حكومية سرية، ولكن لم يتم التأكد من صحة تلك المعلومات". وأضاف أن "المنظمة وثقت فقدان 420 شخصاً خلال هروبهم من مناطق داعش في الموصل إلى مناطق القوات العراقية خلال عامي 2015 و2016".

وأكد الفيصل أن المشكلة التي تظهر، إضافة إلى مشكلة التغييب، هي أن هؤلاء المفقودين لا توجد أوراق رسمية تؤكد وفاتهم، ما تسبب بتعليق جميع الملفات التي تخصهم في دوائر الدولة وتركها بدون حسم ومنها قضايا الطلاق والميراث، والحقوق المالية، والتعويضات، وغيرها. وانتقد موقف الحكومة المركزية وصمتها تجاه ملف المغيبين والمختطفين في نينوى. وقال إن السلطات تلتزم الصمت ولا تجرؤ على فتح الموضوع، داعياً إلى تدخل دولي لحسم هذا الأمر.

وبأرقام مقاربة، أكد مركز توثيق الجرائم في العراق أن تعداد المغيبين في محافظة نينوى يبلغ أكثر من 8 آلاف، اختفوا منذ 2014، وإلى الآن لم يُعرف مصيرهم. وقالت مستشارة المركز فاطمة العاني: "تعددت الجهات الخاطفة، وضاعت حقوق ذوي الضحايا، فضلاً عن المصير المجهول للمغيبين، على الرغم من محاولة جهات دولية ومحلية معرفة مصيرهم، ولكن جميع هذه المحاولات لم تفلح".

وعزت العاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ذلك إلى أن السلطات عادة ما تتحجج بأن الأشخاص غُيّبوا واختفوا على يد "داعش"، بينما يؤكد الأهالي أن معظمهم قد غُيّبوا عن طريق الأجهزة الحكومية والمليشيات.

وأضافت: "إلى هذا الوقت لم تتحرك الأمم المتحدة بشكل صحيح للبحث عن المغيبين العراقيين، ويقابل ذلك عدم جدية الحكومة في إعطاء المعلومات الدقيقة عنهم، وبالتالي يبقى ملف المغيبين من الملفات التي لا تحل بطريقة سهلة، وحتى تدويل القضية في الوقت الحالي يبقى رهناً للملفات السياسية الدولية الساخنة". أما مفوضية حقوق الإنسان العراقية الرسمية فتتحدث عن إحصائية مختلفة، بناء على الشكاوى التي قدمت من ذوي المغيبين.

مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في نينوى ياسر ضياء قال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لا تتوفر أرقام نهائية عن أعداد المختفين قسراً، والمختطفين في نينوى من العام 2003 ولغاية الآن، وهناك من يتحدث عن عشرة آلاف وهناك من يتحدث عن عشرات الآلاف".

وأضاف أن "السبب هو عدم وجود قاعدة بيانات موحدة لدى الأجهزة الأمنية، فضلاً عن عدم وجود تنسيق بين مؤسسة الشهداء والجهات الأمنية المعنية بهذا الملف". وتابع: "بما يتعلق بمكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في نينوى، فقد سجلت لدينا 5150 شكوى عن فقدان أشخاص، اعتباراً من تحرير محافظة نينوى في 2017 إلى نهاية فبراير/شباط 2023". وبيّن أنه تم الكشف عن مصير 8 في المائة منهم، تبين أنهم موقوفون أو محكومون في سجون محافظات أخرى. وتم إبلاغ ذويهم بذلك.

ولفت ضياء إلى أن الحكومة الاتحادية مقصرة جداً في هذا الملف، وكان عليها الإسراع في إنهاء معاناة ذوي المختفين، مشيراً إلى أن مكتب المفوضية في نينوى طالب الحكومة الاتحادية ومجلس النواب العراقي، بالإسراع في تشريع قانون حماية الأشخاص من الاختفاء القسري، الذي لم يشرّع لحد الآن، وهو مهم جداً لإنصاف ذوي الضحايا في نينوى والعراق.

كما دعا إلى "الإسراع في فتح المقابر الجماعية، التي يتوقع أن عصابات داعش قد أعدمت أكثر من ألفي شخص ودفنتهم في هذه المقابر، ومنها موقع مقبرة الخسفة جنوب نينوى، ومقبرة علو عنتر في قضاء تلعفر، ومقبرة سجن بادوش غرب الموصل، ومقابر عديدة للأيزيديين في قضاء سنجار".

توقعات بتصفية المغيبين

مدير "المرصد العراقي لحقوق الإنسان"، مصطفى سعدون رجّح عدم بقاء أي من الأشخاص المعرفين باسم "المغيبين" على قيد الحياة، متوقعاً أنه تمت تصفيتهم. وأكد سعدون، لـ"العربي الجديد"، أن جميع لجان تقصي الحقائق التي شكلتها الحكومات العراقية بشأن المختفين قسراً والمفقودين، لم تأت بأي نتائج، وبالتالي غُيبت وضاعت حقوقهم وحقوق ذويهم.

وقال إن "العمليات العسكرية لتحرير المدن من تنظيم داعش شهدت اختفاء آلاف المدنيين في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين، ووثق المرصد العراقي لحقوق الإنسان في محافظة نينوى لوحدها أكثر من 250 حالة لأشخاص لا يُعرف مصيرهم حتى الآن".

وأضاف أن "السلطات العراقية لم تسأل ولو لمرة واحدة قواتها، أو الجماعات المسلحة المساندة لها، عن مصير الأشخاص الذين اعتُقلوا بعشوائية وبمجرد الاشتباه، ولم تلتقِ بذويهم أو ترسل لجاناً إلى المناطق التي اقتيدوا منها لجمع الشهادات والأدلة التي تكشف عن مصيرهم"، مشدداً على أن الحكومات المتعاقبة كانت تكافئ الجناة بإهمال هذا الملف.

وأضاف: "لم تبذل الحكومات العراقية جهداً حقيقياً لمعرفة مصير المفقودين والمختفين قسراً، ويدل ذلك على أن ملف المفقودين والمختفين قسراً ليس من أولوياتها، ولا يبدو أنه سيكون من أولويات مؤسسات الدولة العراقية، نظراً لمرور ثماني سنوات على فقدان آلاف المدنيين دون معرفة مصير أي منهم".

وبحسب المرصد العراقي لحقوق الإنسان فإن أكثر من 11 ألف عائلة عراقية أبلغت عن مدنيين فقدوا خلال الثماني سنوات الماضية. ودعا مدير المرصد، مجلس النواب العراقي إلى تشريع قانون يلزم السلطات التنفيذية القيام بواجباتها إزاء ملف المغيبين والمختفين قسراً وتشكيل لجنة بصلاحيات واسعة تتولى المراجعة والتحقيق وجمع شهادات حية لإنصاف الضحايا في حقهم بالحياة وإنهاء معاناة عائلاتهم، وتعويضهم أيضاً.