سيناريو يمني لسورية بدعم روسي: رحيل الأسد وبقاء النظام

سيناريو يمني لسورية بدعم روسي: رحيل الأسد وبقاء النظام

16 يناير 2015
مارس بوغدانوف ضغوطاً على دمشق للتواصل مع المعارضة(بلال جاوويش/الأناضول)
+ الخط -
تجري أحاديث منذ أيام، في الغرف المغلقة حيناً وفي دوائر غربية وسورية أوسع أحياناً، تحديداً منذ خروج "التهديد الإرهابي" إلى فرنسا، وتهديد عواصم غربية بشكل جدي، مفادها أن الأولوية أصبحت اليوم للقضاء على التهديد المتعاظم الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، و"القاعدة" عموماً، على أوروبا والولايات المتحدة. تصبّ الأحاديث في خانة يتم التلميح إليها ومفادها أنّ "توحيد الجهود" للقضاء على "التهديد الأمني الآتي من الشرق" مستحيل في ظل مراوحة الأمور في مكانها سورياً، بالتحديد بين الأطراف الثلاثة: التنظيمات المسلحة المعارِضة، والنظام السوري، وتنظيمَي "داعش" و"جبهة النصرة"، بالتالي فإنّ إنهاء حالة المراوحة لا يمكن أن يحصل إلا من ضمن أفكار شبيهة بـ"إزاحة (الرئيس بشار) الأسد والإبقاء على النواة الصلبة للنظام، على غرار ما حصل في اليمن مثلاً، في ما بات يُعرف بـ"النموذج اليمني". صيغة يرى كثيرون أنها لا تعني سوى الإجهاز عملياً على الثورة وتضحيات السنوات الماضية.

الجديد هو أن "العربي الجديد" علمت من مصادر دبلوماسية وثيقة الصلة بالأزمة السورية، أن دبلوماسيين روساً بدأوا في الآونة الأخيرة يلمحون على نحو متزايد إلى استعداد بلادهم للتخلي عن الرئيس بشار الأسد، مقابل الحفاظ على أجهزة النظام في دمشق، في إطار حل شامل للأزمة السورية.

واعتبرت المصادر أنّ هذه التلميحات بمثابة تحول جذري في الموقف الروسي، تحت ضغط الرغبة في إنهاء طوق العزلة الإقليمية والدولية المفروض على دمشق وموسكو معاً. وذكر الدبلوماسيون، الذين تحدثوا إلى "العربي الجديد" في واشنطن، شريطة عدم نشر أسمائهم، أن روسيا تتوقع من الولايات المتحدة تحولاً مماثلاً في موقفها "يقبل فيه الأميركيون باستمرار النظام في دمشق مقابل رحيل أسرة الأسد"، ليلتقي اللاعبان الدوليان المؤثران في الأزمة السورية في منتصف الطريق "ويتفرغ الجميع لجهود مكافحة الجهاديين الذين استولوا على مساحات شاسعة من سورية والعراق".

وكشفت المصادر نفسها، عن إشارات صادرة عن موسكو، تلقاها أكثر من طرف دولي، تتضمن اقتراحاً عملياً لحل الأزمة السورية، على نمط السيناريو الذي تم تطبيقه في اليمن بإشراف دولي وغطاء إقليمي تحت مسمى المبادرة الخليجية.

ويبدأ مشروع الحل الروسي المقترح بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو هيئة قيادية جماعية عليا، تجمع بين كوادر النظام القائم وعناصر من المعارضة المعتدلة، تشارك روسيا في اختيارهم.
وتتولى الهيئة القيادية المختلطة إجراء استفتاء على رئيس انتقالي جديد لسورية، يُتفق على اسمه وصلاحياته وفترته مسبقاً، بعد استبعاد الرئيس السوري الحالي بشار الأسد من الترشيح. وكان مثل هذا الحل قد تم تجريبه في اليمن بإخراج الرئيس علي عبد الله صالح وأفراد أسرته من الرئاسة مع بقاء رجال صالح الآخرين شركاء في السلطة بنسبة 50 في المائة. لكن بقاء الرئيس اليمني المخلوع داخل اليمن ومنحه حصانة قانونية من المحاكمة، أتاح له الفرصة لعرقلة الانتقال السلمي للسلطة في بلاده، وأصاب الجهود الدولية بالعطب.

مصير الأسد
وطبقاً لما فهمه بعض حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، فإن روسيا لا تمانع في استضافة الأسد مع أفراد أسرته، وتتعهد بتوفير الحماية اللازمة له في أراضيها، مع ضمان عدم محاكمته أو التعرض لأرصدته المالية. ولم يتسنّ لـ"العربي الجديد" معرفة ما إذا كانت موسكو قد عرضت هذا المقترح رسمياً على دمشق، أم أن الأمر لا يزال في إطار المشاورات الخفية بين الأطراف الدولية المعنية من دون آلية تفصيلية.

ويتوقع المراقبون أن يتجنب المجتمع الدولي تكرار خطأ النموذج اليمني في سورية، لجهة السماح للرئيس الذي ثار شعبه ضده بالبقاء داخل البلاد وتحصينه من المحاكمة. كما يتوقع المراقبون في حال تطبيق النموذج اليمني على سورية أن تؤدي روسيا في سورية دور الولايات المتحدة في اليمن، وأن تقوم إيران بدور السعودية التي استضافت مراسم توقيع الحل اليمني بين المعارضة والسلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وأشرف على تنفيذ الحل اليمني سفراء عشر دول، هي الدول الكبرى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى جانب الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر التي تبنت موقفاً داعماً لمطالب المحتجين الذين دعوا إلى تغيير حقيقي شامل.

ونظراً للدور الإقليمي المؤثر المتوقع في الأزمة السورية، فقد أرسلت روسيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي مبعوثاً رفيع المستوى إلى المنطقة هو نائب وزير الشؤون الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي زار عدداً من الدول العربية إلى جانب تركيا، والتقى كذلك بمسؤولين رفيعي المستوى في دمشق. وبحسب المعلومات التي توفرت لـ "العربي الجديد" عن الزيارة، فقد مارس مبعوث الرئيس الروسي ضغوطاً قوية على دمشق لبدء اتصالات مع بعض أطراف المعارضة السورية، بهدف إجراء جولة جديدة من المحادثات في جنيف. وأكد لـ"العربي الجديد" أكثر من مصدر دولي أن الكرملين يقف وراء جهود إعادة إطلاق المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة.

وطبقاً لما ينقل عن الوسطاء الروس، فإن موسكو تهدف من مساعيها إلى الحفاظ على الوحدة الترابية لسورية، وتجعل هذا الهدف حجة لتبرير إصرارها على بقاء الأجهزة الأمنية الأساسية لنظام الأسد في مواقعها بعد رحيله.

موقف حزب الله

وفي ما يتعلق بموقف حزب الله اللبناني الحليف الداعم لنظام الأسد، أطلع مصدر دبلوماسي غربي "العربي الجديد" على جزء من تقريرٍ مصدره سفارة بلاده في بيروت، يتضمن الإشارة إلى معارضة حزب الله الإطاحة بالأسد. وجاء في التقرير أن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، أبدى اعتراضاً قوياً على ما طرحه عليه بوغدانوف أثناء اجتماعه به في بيروت، بحضور السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبيكين، ومسؤول العلاقات الدولية في حزب الله عمار الموسوي.

ولا يوضح التقرير على وجه التحديد نقاط المقترح الروسي التي اعترض عليها نصر الله، لكنه يتطرق إلى خيبة أمل بوغدانوف من موقف نصر الله، لأن الأخير نصح الروس بعدم المضي قدماً في المبادرة، مبدياً تمسكاً بالأسد يكاد يفوق تمسك المسؤولين السوريين به. وعلى الرغم من موقف نصر الله المعارض لمقترحات بوغدانوف فقد تعهد له المسؤول الروسي بتوفير ما يطلبه حزب الله من صواريخ وأسلحة يحتاج إليها بعد رحيل الأسد. كما عرض عليه تطوير التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية بين موسكو وحزب الله، لما فيه مصلحة الطرفين.

وقال بوغدانوف، عقب لقائه بنصر الله، إنه يتوق لرؤية نظام دمشق يحاور الرؤساء السابقين للائتلاف الوطني السوري المعترف به دولياً، وأبرزهم معاذ الخطيب وهادي البحرة إلى جانب صالح مسلم محمد، زعيم الحزب الكردي السوري الذي يشترك مع حزب الله في قتال تنظيم "داعش". وبغضّ النظر عن موقف حزب الله، فإن إيران هي اللاعب الإقليمي الذي يمكن أن يؤثر في المساعي الروسية سلباً. ومن الصعب التكهن بموقف طهران النهائي الحاسم قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل موعد انتهاء المفاوضات الإيرانية مع الدول الغربية بشأن مشروعها النووي.

ومن غير المستبعد أن تحذو إيران حذو روسيا في حال نجاح المفاوضات مع الغرب، وبالتالي فلن يكون أمام إيران من خيار سوى التخلي عن الأسد، طبقاً للمقترح الروسي المطروح الذي يحتاج العالم إلى وضعه موضع التطبيق بضعة أشهر، في وقت يكون فيه الموقف الإيراني قد اتضحت معالمه بناء على نتائج المفاوضات بشأن المشروع النووي.

المساهمون