الصحافة الإسرائيليّة: استراتيجية المعجزات وذراع إيران الطويلة

الصحافة الإسرائيليّة: استراتيجية المعجزات وذراع إيران الطويلة

29 يناير 2015
إسرائيل أخطات في تقديراتها للردّ الإيراني (الأناضول)
+ الخط -

تناول المحلّلون في الصحف الإسرائيلية، اليوم، عملية شبعا وتداعياتها على طبيعة "الحوار" بين "حزب الله" وبين إسرائيل، وعلى مجمل الوضع الناشئ عن رد "حزب الله" على عملية القنيطرة، والخيارات المطروحة أمام إسرائيل.

ولم تخل هذه التحليلات من الانتقادات اللاذعة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وسياسته، وقرار إسرائيل (طبعاً حسب التقارير الأجنبية وفق المصطلح المعمول به في الصحافة الإسرائيلية) تنفيذ عملية القنيطرة، ودواعي تنفيذها في هذا التوقيت بالذات.

ولعلّ أكثر ما برز في التحليلات الإسرائيلية، هو الاعتراف بأنّ إسرائيل لم تحسن قراءة "حزب الله"، ولم تتكهّن برده المحتمل لتركيزها في حساباتها على الحسابات الإيرانية، والأوضاع في سورية.
 
وفي هذا السياق، وتحت عنوان "استراتيجية المعجزات"، اعتبر المحلّل العسكري لـ"يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أنّ الاستراتيجية الإسرائيلية، التي سادت منذ انطلاق الربيع العربي، وتمثّلت في السياق السوري أيضاً، بعدم جلب المواجهات في العالم العربي إليها، قد انتهت عملياً في الأسبوع الماضي، عندما قرّر "مَن قرّر فيها" تغيير اتجاه دفة الاستراتيجية الإسرائيلية وحشر أنف إسرائيل في المواجهات داخل سورية.

وهذا التحوّل، بحسب فيشمان، يدلّ على سوء تقدير أو خطأ في قراءة اعتبارات "حزب الله" وإيران، معرباً عن اعتقاده بأنّ الطرفين غير معنيين حالياً بتوسيع حدود المواجهة مع إسرائيل من جهةٍ، وأنّ الردع الإسرائيلي قوي بما فيه الكفاية، بحيث يكبح جماح "حزب الله" وإيران، ويحول دون الردّ على الهجوم.

كما رأى أنّ الادعاء المنطقي وراء العملية، هو ضرب البنية التحتية التي تسعى إيران و"حزب الله" لبنائها في الجولان، إلا أنّه شكّك في صواب تنفيذ عملية القنيطرة في وضح النهار، وخصوصاً أنه يستشف من مختلف التصريحات الرسمية "بأننا لم نكن أمام قنبلة موقوتة"، "وإنما عملية بناء يمكن بالتالي التعامل معها بصبر، وتفكيك الخطر وإزالته بعمليات غير معلنة وبسرية، ما كان يمكنه أن يوفّر علينا جولة الأمس، والثمن الذي دفعناه".

والأهم من ذلك أن فيشمان، ويتفق معه في ذلك أيضاً ناحوم برنيع، يذهب إلى القول بأنّه إذا كان حزب الله قد أعلن أنه يكتفي بعملية شبعا رداً على عملية القنيطرة، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة لإيران. ليس مؤكداً أن الحساب مع إيران أغلق وتمت تسويته، بل سيكون على إسرائيل أن تتابع وتمعن النظر في ما يحدث في الخارج.

وفي هذا السياق، يعتبر برنيع أنّ كل من يظنّ أن إيران ستكتفي بعملية "حزب الله" فهو واهم، فذراع إيران طويلة وذاكرتها أقوى، ومن يعتقد أن العالم سيصاب بالذهول من مقتل جنديين في المنطقة الحدودية، ليسارع بعدها إلى اتهام إيران، ثم يشدد العقوبات عليها، فهو يعيش في ديزني لاند.

وخلص برنيع إلى القول، إذا كان نتنياهو يظنّ أنّ البيت الأبيض سيقدّم له مساعدة لحل المشكلة مع "حزب الله"، فهناك شكّ بأن يحصل عليها، فالبيت الأبيض لا يرد على اتصالاته، ولم يبق له إلا التعويل على وجود "مسؤولين بالغين" في طهران، أو حتى في ملجأ تحت الأرض في الضاحية في بيروت.

برنيع كان اعتبر أنّ كل من استمعوا إلى تهديدات نتنياهو أمس، في المشاورات الأمنية، تذكّروا تماماً ما حدث في غزة، وكيف انجرّت إسرائيل إلى حرب لم تكن تريدها، كما أدركوا جميعاً أن رد نتنياهو لن يتجاوز عملياً بلاغته الخطابية في المرحلة الحالية. 

وفي السياق الإيراني نفسه، اعتبر تسفي برئيل في صحيفة هآرتس، أنّ العملية تثبت أنّ إسرائيل أخطات في تقديراتها للردّ الإيراني المحتمل على عملية القنيطرة، كما أخطأت في تقدير الحسابات الاستراتيجية لإيران في سورية ولبنان، وتعويلها على عدم رغبة إيران بافتعال مواجهات تضر في مفاوضاتها مع الغرب بشأن ملفها النووي. 

 إيران تريد الحفاظ على نفوذها في لبنان وسورية

والواقع أنّ عملية القنيطرة أظهرت أنّ إيران، وخلافاً للتقديرات الإسرائيلية، لا تسارع إلى تحجيم دورها في سورية، بل تعتبر أنّ سورية ولبنان وحدة واحدة، وهي لن تخضع لمحاولات إسرائيل لتقييد حركتها ودورها في إدارة الحرب داخل سورية.

إذن، لن تسمح إيران بالتنازل عن دورها أو تأثيرها، ليس فقط على مجريات الأمور في سورية، وإنما أيضاً في لبنان، خصوصاً في ظل التحركات الداخلية في لبنان والحوار الجاري بين حزب الله وتيار المستقبل، والذي قد يفضي إلى حل لإشكالية الرئاسة في لبنان وانتخاب رئيس جديد تطمح إيران لإخضاعه لتأثيرها ونفوذها.

وبما أنّ إيران، بحسب برئيل، تريد الحفاظ على مصالحها ونفوذها في لبنان وفي سورية، فإنّها بالتالي ملزمة بأن تضمن عدم تمكين إسرائيل بضرب الأهداف المهمة لها، وبطبيعة الحال لحزب الله.

وحذّر برئيل من أنّ الخطر يكمن في عدم قراءة صحيحة للمصالح الإيرانية في سورية ولبنان، ما قد يفضي إلى تدهور الأوضاع إلى منحدر حاد على أثر عمليات "ثانوية"، مثل مقتل مسؤولين أو عمليات إطلاق نار، تجّر الطرفين إلى هوّة سحيقة لم يرغبا في الوقوع فيها.

هذا وخلص الكاتب إلى القول بأنه بالنسبة لإيران، فإنّ تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، هو حدث ثانوي، وربما هامشي، ويجب احتواؤه ضمن الظروف القائمة، حتى لا يعرقل الطموحات الاستراتيجية لإيران.

وأضاف: "ضمن هذه الاعتبارات، فإنّه على إيران أن تضمن ألا تسمح إسرائيل لنفسها بضرب أهداف مهمة لإيران وحزب الله، وأن هناك تكمن الخطورة في عدم قراءة إسرائيل، بشكلٍ صحيح، خارطة المصالح الإيرانية، وبالتالي فإن أحداثاً ثانوية مثل مقتل مسؤولين أو إطلاق نيران عفوية، قد يجرّ الأطراف إلى وضعٍ لا يرغب أحد بالوصول إليه.
 

 

دلالات

المساهمون