30 يوماً من "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة

30 يوماً من "طوفان الأقصى" والعدوان على غزة

06 نوفمبر 2023
مخيم المغازي في دير البلح أمس (أشرف عمرة/الأناضول)
+ الخط -

لم يكن صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي اعتيادياً، مع إطلاق حركة حماس هجوم "طوفان الأقصى"، بعملية عسكرية جريئة، تمكنت خلالها من التوغل في مستوطنات غلاف غزة، والقيام بعمليات ميدانية أدت إلى أسر أكثر من 240 إسرائيلياً.

لم يستوعب الاحتلال الإسرائيلي ما حصل في البداية، غير أنه بعد ساعات باشر أكبر حرب عدوانية تجاه قطاع غزة، منذ خروجه منه في عام 2005. وبعد 30 يوماً من القصف الذي شمل مستشفيات ومدارس وبنى تحتية ومنازل ومباني، بدأ الاحتلال منذ أيام التوغل براً بحجة "القضاء على حماس"، وسط حالة هستيرية مهيمنة على قياداته السياسية والعسكرية، بلغت في حدها الأدنى اعتبار "كل فلسطينيي غزة منتمين إلى حماس"، وفي حدها الأقصى "حيوانات بشرية"، وفق تعبير وزير الأمن يوآف غالانت، حتى أن وزير التراث عميحاي ألياهو دعا، أمس الأحد، إلى إلقاء قنبلة نووية على القطاع.

مفاجأة "حماس"

وفاجأت "حماس" الإسرائيليين في 7 أكتوبر، مظهرة ضعف استخباراتهم في استكشاف نواياها. سريّة التحضيرات والقيام بالعملية، شكّلا صدمة للاحتلال لم يخرج منها بعد. رفعت "حماس" شعار "طوفان الأقصى" لعمليتها، وذلك لتمادي الاحتلال في تعاطيه مع المسجد الأقصى في القدس المحتلة، وفي اعتداءاته المتلاحقة، مع المستوطنين، بحقّ المصلّين والمرابطين في المسجد.

وليس هذا فحسب، بل إن القرارات التي اتخذتها الحكومة الأكثر تطرفاً من كل الحكومات الإسرائيلية السابقة، فيما يتعلق بالأسرى، والسماح بالاعتداء على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، كلها عوامل ساهمت في تأجيج التوترات ورد الفعل الفلسطيني. سارع نتنياهو وأركان حكومته إلى الاتحاد ضد "حماس"، فشكّل حكومة طوارئ انبثق عنها "مجلس حرب" ضم إليه كلا من غالانت، والزعيم المعارض بيني غانتس، ورئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر.

سقط نحو 10 آلاف شهيد وأكثر من 30 ألف جريح في غزة

ظلّ رئيس الحكومة السابق يئير لبيد وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان خارجاً. اعتمد نتنياهو خطابين: خطابا داخليا موجها للإسرائيليين يدعو فيه إلى الوحدة في مواجهة "حماس" من "أجل تحرير الأسرى، ودفاعاً عن الوجود". وخطابا خارجيا تمحور حول شيطنة "حماس"، واصفاً إياها بأنها "داعش"، ومستخدماً مصطلحات من قبيل "البربرية" و"النازية" و"العالم الحر" و"11 سبتمبر الإسرائيلي".

استنفر الجيش الإسرائيلي جنوده، مستدعياً الاحتياط من الخارج، ومعلناً استعداده لحرب طويلة يجتاح فيها غزة بغية "تطهيرها من أنفاق حماس".

في غضون ذلك، واصلت الحركة و"الجهاد الإسلامي" قصفهما المستوطنات الإسرائيلية. رفع الاحتلال من وتيرة عنفه، فلم يوفّر مسجداً ولا كنيسة في غزة، مستهدفاً كذلك المستشفيات، ومنها الأهلي المعمداني والإندونيسي والشفاء، فضلاً عن المدارس، ومنها تلك التابعة لـ"وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا).

وطاول القصف الإسرائيلي سيارات إسعاف وقوافل النازحين ومراكب الصيادين ومعبر رفح، ووصل إلى حد قطع الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت عن القطاع، واستخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، ومنها الفوسفور.

لم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل تحدث مراراً على لسان مسؤوليه، عن "ضرورة نزوح أهالي شمال قطاع غزة إلى جنوبه"، قبل أن يتحدث العديد منهم عن تهجير الفلسطينيين من القطاع باتجاه سيناء المصرية.

وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لإعلان رفضه ذلك، مشدداً على ضرورة بقاء الفلسطينيين في غزة. بدوره، أبدى الأردن قلقه من احتمال تحوّل مبدأ "التهجير" إلى أولوية إسرائيلية مما يؤدي إلى تهجير فلسطينيي الضفة، وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية.

استفاد الإسرائيليون من موقف غربي متعاطف معهم، خصوصاً من الولايات المتحدة، التي بادرت بإرسال حاملة الطائرات "يو أس أس جيرالد فورد" إلى شواطئ فلسطين المحتلة، ثم عززت مواقعها في الشرق الأوسط بأنظمة "ثاد" و"باتريوت"، موجّهة حاملة الطائرات "يو أس أس دوايت أيزنهاور" إلى المنطقة أيضاً.

بدا الموقف الغربي متماهياً إلى حد الذوبان مع الموقف الإسرائيلي، مانحاً الضوء الأخضر لقتل الفلسطينيين، في إبادة لم يسبق لها مثيل في الاعتداءات السابقة على القطاع منذ عام 2005.


احتجاجات شعبية في الدول الغربية ناقضت مواقف حكوماتها

غير أن الدول الغربية بدأت تشهد انقلاباً شعبياً هو الأول من نوعه، خصوصاً في الولايات المتحدة، التي تشهد تظاهرات ضخمة تنديداً بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وتضامناً مع الفلسطينيين.

عاملان على خط المواجهات

دفع ذلك إلى تتالي المجازر الإسرائيلية، على وقع عاملين أساسيين: الأول، استمرار الفصائل الفلسطينية في المقاومة، بل توعّدها المحتلين في حال اجتياحهم غزة. وهو ما ظهر في الأيام الأخيرة، إذ كلّف التوغّل الإسرائيلي البري في غزة الكثير للاحتلال، في ظلّ مرونة المقاومة وقدرتها على ضربهم.

أما العامل الثاني، فتمثل في دخول أطراف أخرى الحرب، ومنها "حزب الله" على الجبهة اللبنانية، الذي تمكن، وفق أمينه العام حسن نصرالله، من إشغال "ثلث الجيش الإسرائيلي عبر جذبهم إلى حدود لبنان، وجزء مهم منها هي قوات نخبة ونظامية"، فضلاً عن "نصف القدرات البحرية الإسرائيلية الموجودة اليوم مقابل لبنان وحيفا، ونصف الدفاع الصاروخي الإسرائيلي موجه باتجاه لبنان".

وترافق ذلك مع اشتباكات حدودية يومية بين الحزب والاحتلال، بدأت في 8 أكتوبر الماضي، سقط فيها للحزب حتى أمس الأحد 60 شهيداً.

في اليمن، أعلن الحوثيون دخولهم المعركة، بصواريخ بالستية ومسيرات مفخخة، بينما هاجمت الفصائل الموالية لإيران، في سورية والعراق، القواعد الأميركية في البلدين مرات عدة.

في المقابل، اعتمدت إيران وروسيا والصين خطاباً سياسياً فحواه "وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر رفح"، وهو الأمر الذي لا يتحقق بالصورة المطلوبة، خصوصاً أن قرارات أممية سقطت بفعل "الفيتو" المتبادل، تحديداً بين موسكو وواشنطن.

بعد 30 يوماً من العدوان الإسرائيلي، سقط نحو 10 آلاف شهيد فلسطيني، وجُرح أكثر من 32 ألفا آخرين، أكثر من ثلثيهم من الأطفال والنساء. وقُتل في إسرائيل أكثر من 1500 شخص، بينهم 350 جندياً. الجيش الإسرائيلي حاصر مدينة غزة، والإسرائيليون حاصروا نتنياهو.